المقصد السابع فی الشکّ

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏أجاب المحقّق العراقی قدّس سرّه عن الإشکال بإنکاره وحدة السیاق أوّلاً: بأنّه کیف ‏‎ ‎‏یقال بوحدة السیاق مع أنّ من الفقرات فی الحدیث الطیرة، والحسد، والوسوسة، ‏‎ ‎‏ولا یکون المراد منها الفعل؟ ومع هذا الاختلاف کیف یمکن دعوی ظهور السیاق ‏‎ ‎‏فی إرادة الموضوع المشتبه؟‏

‏وثانیاً: بأنّ مراعات وحدة السیاق یقتضی ارتکاب خلاف ظاهر السیاق من ‏‎ ‎‏جهة اُخری؛ فإنّ الظاهر من الموصول فی ‏‏«‏ما لا یعلمون‏»‏‏ هو ما کان بنفسه ‏‎ ‎‏معروض الوصف، وهو عدم العلم، کما فی غیره من العناوین الاُخر کالاضطرار ‏‎ ‎‏والإکراه ونحوهما، حیث کان الموصول فیها معروضاً للأوصاف المزبورة، ‏‎ ‎‏فتخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیة ینافی هذا الظهور؛ إذ لا یکون الفعل ‏‎ ‎‏فیها بنفسه معروضاً للجهل، وإنّما المعروض له هو عنوانه، فیدور الأمر بین حفظ ‏‎ ‎‏السیاق من هذه الجهة بحمل الموصول فیما لا یعلم علی الحکم المشتبه، وبین ‏‎ ‎‏حفظه من جهة اُخری بحمله علی إرادة الفعل، ولا ریب فی أنّ العرف یرجّح ‏‎ ‎‏الأوّل، فیتعیّن الحمل فی ‏‏«‏ما لا یعلمون‏»‏‏ علی إرادة الحکم‏‎[1]‎‏.‏

‏وفیما أفاده مواقع للنظر:‏

فأوّلاً: ‏بأنّ ظاهر مقال القائل بوحدة السیاق هی وحدة السیاق بالنسبة إلی ‏‎ ‎‏الجمل المصدّرة بـ ‏‏«‏‏ما‏‏»‏‏ الموصولة لا جمیعها، فإنکار وحدة السیاق بالنقض ‏‎ ‎‏بالطیرة، والحسد، والوسوسة، فی غیر محلّه.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 365
وثانیاً: ‏بأنّه أشرنا آنفاً‏‎[2]‎‏ أنّ حدیث وحدة السیاق إنّما هو بالنسبة إلی الدلالة ‏‎ ‎‏اللفظیة والدلالة الاستعمالیة، ولم یستعمل الموصول فی شی ء من الجمل المصدّرة ‏‎ ‎‏به فی الموضوعات أو الأعمّ منها والأحکام، حتّی یقال بأنّ إرادة الأعمّ فی ‏‏«‏ما ‎ ‎لا یعلمون‏»‏ ‏یخالف وحدة السیاق، بل استعمل الموصول فی جمیع الفقرات فی ‏‎ ‎‏المعنی المبهم الذی یتعیّن بالصلات من باب تعدّد الدالّ والمدلول، فلم یکن فرق ‏‎ ‎‏بین ‏‏«‏ما لا یطیقون‏»‏‏ و‏‏«‏ما لا یعلمون‏»‏‏ بالنسبة إلی الإرادة الاستعمالیة وببرکة ‏‎ ‎‏صلاتها من باب تعدّد الدالّ والمدلول یضیق أو یوسّع نطاق ما ینطبق علیه، ‏‎ ‎‏فحدیث وحدة السیاق أجنبیّ عن المقام.‏

وثالثاً: ‏بأنّ الحسد أو الطیرة أو الوسوسة من أفعال القلب؛ لأنّ الحسد عبارة ‏‎ ‎‏عن تمنّی زوال النعمة، والطیرة عبارة عن التشاؤم، والوسوسة عبارة عن حدیث ‏‎ ‎‏النفس، ولذا لا تقع مورد التکلیف. ولیته تذکّر بدل الحسد وأخویه الخطاء ‏‎ ‎‏والنسیان؛ فإنّهما لم یکونا من أفعال النفس، فتدبّر.‏

ورابعاً: ‏بأنّه لا إشکال فی أنّ الرفع ادّعائی بلحاظ عدم ترتّب الآثار، أو ‏‎ ‎‏خصوص المؤاخذة، أو أظهر الأوصاف، کما هو الشأن فی قوله: ‏‏«‏الفقّاع خمر‏»‏‏، ‏‎ ‎‏فادّعی أنّ الفقّاع خمر بلحاظ ترتّب الآثار المترتّبة علی الخمر علی الفقّاع، کما ‏‎ ‎‏علی هذا یصحّ رفعها ادّعاءً بلحاظ عدم ترتّب الأثر عند اشتباه الخمر بالخلّ.‏

‏وبالجملة: لو کان الرفع ادّعائیاً یصحّ تعلّقه بنفس الموضوع کما یصحّ تعلّقه ‏‎ ‎‏بنفس الحکم، فتدبّر.‏

وخامساً: ‏بأنّه إن أراد بعدم تعلّق الجهل بالفعل نفساً ما یکون مثل حرکة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 366
‏جالس السفینة، حیث لا تکون الحرکة حقیقة إلا للسفینة وتنسب الحرکة مجازاً ‏‎ ‎‏وبالعرض لجالسها، فمعلوم أنّ ما نحن فیه لیس کذلک؛ لأنّ الجهل بالعنوان ‏‎ ‎‏یکون واسطة لثبوت الجهل بالفعل بنفسه، فیکون الفعل نفسه متعلّقاً للجهل، غایة ‏‎ ‎‏الأمر أنّه بتوسّط الغیر لا بنفسه.‏

‏ومن الإشکالات لشمول الحدیث للشبهات الحکمیة: هو أنّ إسناد الرفع إلی ‏‎ ‎‏الموضوع المشتبه من قبیل الإسناد إلی غیر ما هو له، وإسناد الرفع إلی الحکم ‏‎ ‎‏المجهول من قبیل الإسناد إلی ما هو له؛ وذلک لأنّ الجهل فی الشبهة ‏‎ ‎‏الموضوعیة یتعلّق أوّلاً وبالذات بالموضوع، وثانیاً وبالعرض بالحکم، ومعلوم أنّ ‏‎ ‎‏الموضوع غیر قابل للوضع والرفع، إلا باعتبار حکمه، فإسناد الرفع إلیه إسناد ‏‎ ‎‏إلی غیر ما هو له، وأمّا فی الشبهة الحکمیة فحیث إنّ متعلّق الجهل وهو الحکم ‏‎ ‎‏الشرعی، قابل للوضع والرفع، فإسناد الرفع إلیه إسناد إلی ما هو له، ولا یمکن ‏‎ ‎‏تصویر الجامع بین الموضوع والحکم حتّی یمکن إرادة ما یعمّها من الموصول، ‏‎ ‎‏والأولی لو خلّیت وأنفسها هو کون المراد من الموصول الحکم؛ لظهور الإسناد ‏‎ ‎‏فی الإسناد إلی ما هو له، إلا أنّ مقتضی مراعات وحدة السیاق التی هی أقوی ‏‎ ‎‏من الظهور المزبور هو تخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیة.‏

‏والجواب عن الإشکال واضح علی مسلک التحقیق فی باب المجازات، کما ‏‎ ‎‏أشرنا أنّها حقائق ادّعائیة ولم تستعمل اللفظ فیها فی غیر ما وضع له، بل استعمل ‏‎ ‎‏فیما وضع له، غایة الأمر ادّعی تطبیق المعنی الموضوع له علیه وأنّه من ‏‎ ‎‏مصادیقه؛ وذلک لإمکان ادّعاء قابلیة ما لا یقبل الرفع تکویناً، فیدّعی أن ‏‎ ‎‏الموضوع قابل للرفع کما کان الحکم قابلاً له، فیکون الموضوع والحکم فی ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
‏عرض واحد کفرسی الرهان قابلین للرفع، غایة الأمر أحدهما حقیقی والآخر ‏‎ ‎‏ادّعائی، فإذاً یصحّ إسناد الرفع إلی جمیعها بنسق واحد، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368

  • . نهایة الأفکار 3: 216.
  • . تقدّم فی الصفحة السابقة.