ذکر وتعقیب
أجاب المحقّق العراقی قدّس سرّه عن الإشکال بإنکاره وحدة السیاق أوّلاً: بأنّه کیف یقال بوحدة السیاق مع أنّ من الفقرات فی الحدیث الطیرة، والحسد، والوسوسة، ولا یکون المراد منها الفعل؟ ومع هذا الاختلاف کیف یمکن دعوی ظهور السیاق فی إرادة الموضوع المشتبه؟
وثانیاً: بأنّ مراعات وحدة السیاق یقتضی ارتکاب خلاف ظاهر السیاق من جهة اُخری؛ فإنّ الظاهر من الموصول فی «ما لا یعلمون» هو ما کان بنفسه معروض الوصف، وهو عدم العلم، کما فی غیره من العناوین الاُخر کالاضطرار والإکراه ونحوهما، حیث کان الموصول فیها معروضاً للأوصاف المزبورة، فتخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیة ینافی هذا الظهور؛ إذ لا یکون الفعل فیها بنفسه معروضاً للجهل، وإنّما المعروض له هو عنوانه، فیدور الأمر بین حفظ السیاق من هذه الجهة بحمل الموصول فیما لا یعلم علی الحکم المشتبه، وبین حفظه من جهة اُخری بحمله علی إرادة الفعل، ولا ریب فی أنّ العرف یرجّح الأوّل، فیتعیّن الحمل فی «ما لا یعلمون» علی إرادة الحکم.
وفیما أفاده مواقع للنظر:
فأوّلاً: بأنّ ظاهر مقال القائل بوحدة السیاق هی وحدة السیاق بالنسبة إلی الجمل المصدّرة بـ «ما» الموصولة لا جمیعها، فإنکار وحدة السیاق بالنقض بالطیرة، والحسد، والوسوسة، فی غیر محلّه.
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 365
وثانیاً: بأنّه أشرنا آنفاً أنّ حدیث وحدة السیاق إنّما هو بالنسبة إلی الدلالة اللفظیة والدلالة الاستعمالیة، ولم یستعمل الموصول فی شی ء من الجمل المصدّرة به فی الموضوعات أو الأعمّ منها والأحکام، حتّی یقال بأنّ إرادة الأعمّ فی «ما لا یعلمون» یخالف وحدة السیاق، بل استعمل الموصول فی جمیع الفقرات فی المعنی المبهم الذی یتعیّن بالصلات من باب تعدّد الدالّ والمدلول، فلم یکن فرق بین «ما لا یطیقون» و«ما لا یعلمون» بالنسبة إلی الإرادة الاستعمالیة وببرکة صلاتها من باب تعدّد الدالّ والمدلول یضیق أو یوسّع نطاق ما ینطبق علیه، فحدیث وحدة السیاق أجنبیّ عن المقام.
وثالثاً: بأنّ الحسد أو الطیرة أو الوسوسة من أفعال القلب؛ لأنّ الحسد عبارة عن تمنّی زوال النعمة، والطیرة عبارة عن التشاؤم، والوسوسة عبارة عن حدیث النفس، ولذا لا تقع مورد التکلیف. ولیته تذکّر بدل الحسد وأخویه الخطاء والنسیان؛ فإنّهما لم یکونا من أفعال النفس، فتدبّر.
ورابعاً: بأنّه لا إشکال فی أنّ الرفع ادّعائی بلحاظ عدم ترتّب الآثار، أو خصوص المؤاخذة، أو أظهر الأوصاف، کما هو الشأن فی قوله: «الفقّاع خمر»، فادّعی أنّ الفقّاع خمر بلحاظ ترتّب الآثار المترتّبة علی الخمر علی الفقّاع، کما علی هذا یصحّ رفعها ادّعاءً بلحاظ عدم ترتّب الأثر عند اشتباه الخمر بالخلّ.
وبالجملة: لو کان الرفع ادّعائیاً یصحّ تعلّقه بنفس الموضوع کما یصحّ تعلّقه بنفس الحکم، فتدبّر.
وخامساً: بأنّه إن أراد بعدم تعلّق الجهل بالفعل نفساً ما یکون مثل حرکة
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 366
جالس السفینة، حیث لا تکون الحرکة حقیقة إلا للسفینة وتنسب الحرکة مجازاً وبالعرض لجالسها، فمعلوم أنّ ما نحن فیه لیس کذلک؛ لأنّ الجهل بالعنوان یکون واسطة لثبوت الجهل بالفعل بنفسه، فیکون الفعل نفسه متعلّقاً للجهل، غایة الأمر أنّه بتوسّط الغیر لا بنفسه.
ومن الإشکالات لشمول الحدیث للشبهات الحکمیة: هو أنّ إسناد الرفع إلی الموضوع المشتبه من قبیل الإسناد إلی غیر ما هو له، وإسناد الرفع إلی الحکم المجهول من قبیل الإسناد إلی ما هو له؛ وذلک لأنّ الجهل فی الشبهة الموضوعیة یتعلّق أوّلاً وبالذات بالموضوع، وثانیاً وبالعرض بالحکم، ومعلوم أنّ الموضوع غیر قابل للوضع والرفع، إلا باعتبار حکمه، فإسناد الرفع إلیه إسناد إلی غیر ما هو له، وأمّا فی الشبهة الحکمیة فحیث إنّ متعلّق الجهل وهو الحکم الشرعی، قابل للوضع والرفع، فإسناد الرفع إلیه إسناد إلی ما هو له، ولا یمکن تصویر الجامع بین الموضوع والحکم حتّی یمکن إرادة ما یعمّها من الموصول، والأولی لو خلّیت وأنفسها هو کون المراد من الموصول الحکم؛ لظهور الإسناد فی الإسناد إلی ما هو له، إلا أنّ مقتضی مراعات وحدة السیاق التی هی أقوی من الظهور المزبور هو تخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیة.
والجواب عن الإشکال واضح علی مسلک التحقیق فی باب المجازات، کما أشرنا أنّها حقائق ادّعائیة ولم تستعمل اللفظ فیها فی غیر ما وضع له، بل استعمل فیما وضع له، غایة الأمر ادّعی تطبیق المعنی الموضوع له علیه وأنّه من مصادیقه؛ وذلک لإمکان ادّعاء قابلیة ما لا یقبل الرفع تکویناً، فیدّعی أن الموضوع قابل للرفع کما کان الحکم قابلاً له، فیکون الموضوع والحکم فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
عرض واحد کفرسی الرهان قابلین للرفع، غایة الأمر أحدهما حقیقی والآخر ادّعائی، فإذاً یصحّ إسناد الرفع إلی جمیعها بنسق واحد، فتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368