المقصد السابع فی الشکّ

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏ثمّ إنّ المحقّق النائینی قدّس سرّه استشکل علی فرض ظهور الآیة الشریفة فی إرادة ‏‎ ‎‏التکلیف من الموصول، وإرادة الوصول والإعلام من الإیتاء، بأنّ أقصی ما تدلّ ‏‎ ‎‏علیه الآیة المبارکة أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلا بعد بعث الرسل وإنزال ‏‎ ‎‏الکتب وتبلیغ الأحکام والتکالیف إلی العباد، وهذا لا ربط له بما نحن فیه من ‏‎ ‎‏الشکّ فی التکلیف بعد البعث والإنزال والتبلیغ وعروض اختفاء التکلیف لبعض ‏‎ ‎‏الموجبات التی لا دخل للشارع فیها، فلا تدلّ الآیة الشریفة علی البراءة، بل ‏‎ ‎‏مفادها مفاد قوله تعالی: ‏‎)‎وَما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً‎(‎‎[1]‎‏.‏

‏وقد قیل: إنّ هذه الآیة أظهر الآیات التی استدلّ بها للبراءة، وأنت خبیر: بأنّ ‏‎ ‎‏مفادها أجنبیّ عن البراءة؛ فإنّ مفادها الإخبار بنفی التعذیب قبل إتمام الحجّة، ‏‎ ‎‏کما هو حال الاُمم السابقة، فلا دلالة لها علی حکم مشتبه الحکم من حیث إنّه ‏‎ ‎‏مشتبه‏‎[2]‎‏.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
‏وفیه أوّلاً: أنّه مضی الکلام آنفاً فی آیة ‏‎)‎ما کُنّا مُعَذِّبِینَ‎(‎‏، وقرّبناها للدلالة ‏‎ ‎‏علی البراءة بما لا تزید علیه‏‎[3]‎‏، فلاحظ.‏

‏وثانیاً: لو أغمضنا عمّا أوردنا، من عدم إمکان الجمع والتوفیق بین نسبة الفعل ‏‎ ‎‏إلی المفعول المطلق والمفعول به‏‎[4]‎‏، تکون دلالة الآیة الشریفة أوضح من دلالة آیة ‏‎ ‎‎)‎ما کُنّا مُعَذِّبِینَ‎(‎‏؛ فإنّ ظاهرها من دون احتیاج إلی إلغاء الخصوصیة تدلّ علی ‏‎ ‎‏أنّ الله‌ تعالی لا یکلّف نفساً إلا إذا أوصله وبلّغه، وتبلیغ کلّ تکلیف بحسبه وعلی ‏‎ ‎‏حدة، بخلاف آیة ‏‎)‎وَما کُنّا مُعَذِّبِینَ‎(‎‏؛ فلتوهّم اختصاصها بالاُمم السابقة ‏‎ ‎‏وتعذیبهم بعد إرسال وإنزال الکتب وجه، لکنّه غیر وجیه.‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّ التقریب الأوّل من التقریبین الذی ذکرناهما للآیة ‏‎ ‎‏الشریفة وإن کان ممکناً، إلا أنّه خلاف مورد الآیة الشریفة التی لا بدّ‏‎ ‎‏وأن تکون دلالة الآیة الشریفة کالنصّ فیه، والتقریب الثانی غیر ممکن إرادته، ‏‎ ‎‏فلا تنفع الآیة الشریفة للاستدلال بها لما نحن فیه من إجراء البراءة فی ‏‎ ‎‏الشبهات.‏

‏ثمّ إنّه استدلّ الشیخ أعلی الله‌ مقامه للبراءة بآیات اُخر ولکن لا یهمّنا ‏‎ ‎‏التعرّض لها بعد اشتراک بعضها لما ذکر، من أراد فلیراجع فرائد الشیخ قدّس سرّه‏‎[5]‎‏.‏

‏هذا تمام الکلام فی الاستدلال بالآیات للبراءة فی الشبهات.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352

  • . الإسراء (17): 15.
  • . فوائد الاُصول 3: 333 ـ 334.
  • . تقدّم فی الصفحة 337.
  • . تقدّم فی الصفحة 345.
  • . فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25: 24 وما بعدها.