ذکر وتعقیب
ثمّ إنّ المحقّق النائینی قدّس سرّه استشکل علی فرض ظهور الآیة الشریفة فی إرادة التکلیف من الموصول، وإرادة الوصول والإعلام من الإیتاء، بأنّ أقصی ما تدلّ علیه الآیة المبارکة أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلا بعد بعث الرسل وإنزال الکتب وتبلیغ الأحکام والتکالیف إلی العباد، وهذا لا ربط له بما نحن فیه من الشکّ فی التکلیف بعد البعث والإنزال والتبلیغ وعروض اختفاء التکلیف لبعض الموجبات التی لا دخل للشارع فیها، فلا تدلّ الآیة الشریفة علی البراءة، بل مفادها مفاد قوله تعالی: )وَما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً(.
وقد قیل: إنّ هذه الآیة أظهر الآیات التی استدلّ بها للبراءة، وأنت خبیر: بأنّ مفادها أجنبیّ عن البراءة؛ فإنّ مفادها الإخبار بنفی التعذیب قبل إتمام الحجّة، کما هو حال الاُمم السابقة، فلا دلالة لها علی حکم مشتبه الحکم من حیث إنّه مشتبه.
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
وفیه أوّلاً: أنّه مضی الکلام آنفاً فی آیة )ما کُنّا مُعَذِّبِینَ(، وقرّبناها للدلالة علی البراءة بما لا تزید علیه، فلاحظ.
وثانیاً: لو أغمضنا عمّا أوردنا، من عدم إمکان الجمع والتوفیق بین نسبة الفعل إلی المفعول المطلق والمفعول به، تکون دلالة الآیة الشریفة أوضح من دلالة آیة )ما کُنّا مُعَذِّبِینَ(؛ فإنّ ظاهرها من دون احتیاج إلی إلغاء الخصوصیة تدلّ علی أنّ الله تعالی لا یکلّف نفساً إلا إذا أوصله وبلّغه، وتبلیغ کلّ تکلیف بحسبه وعلی حدة، بخلاف آیة )وَما کُنّا مُعَذِّبِینَ(؛ فلتوهّم اختصاصها بالاُمم السابقة وتعذیبهم بعد إرسال وإنزال الکتب وجه، لکنّه غیر وجیه.
فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّ التقریب الأوّل من التقریبین الذی ذکرناهما للآیة الشریفة وإن کان ممکناً، إلا أنّه خلاف مورد الآیة الشریفة التی لا بدّ وأن تکون دلالة الآیة الشریفة کالنصّ فیه، والتقریب الثانی غیر ممکن إرادته، فلا تنفع الآیة الشریفة للاستدلال بها لما نحن فیه من إجراء البراءة فی الشبهات.
ثمّ إنّه استدلّ الشیخ أعلی الله مقامه للبراءة بآیات اُخر ولکن لا یهمّنا التعرّض لها بعد اشتراک بعضها لما ذکر، من أراد فلیراجع فرائد الشیخ قدّس سرّه.
هذا تمام الکلام فی الاستدلال بالآیات للبراءة فی الشبهات.
کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352