المقصد السابع فی الشکّ

الخامسة: فی عدم اختصاص حدیث الرفع بالاُمور الوجودیة

الخامسة: فی عدم اختصاص حدیث الرفع بالاُمور الوجودیة

‏بعد ما عرفت أنّ المرفوع بالحدیث عموم الآثار یقع الکلام فی أنّه هل ‏‎ ‎‏یختصّ بالاُمور الوجودیة، أی رفع آثار موجودة فی الخارج إذا انطبق علیها ‏‎ ‎‏إحدی تلک العناوین، أو یعمّها والاُمور العدمیة، مثلاً: لو نذر أن یشرب من ماء ‏‎ ‎‏الفرات فاُکره علی الترک أو اضطرّ إلیه، أو نسی أن یشربه، فهل یجب علیه ‏‎ ‎‏الکفّارة، بناءً علی عدم اختصاصها بصورة  التعمّد، وجهان، بل قولان.‏

‏ذهب المحقّق النائینی‏‏ قدس سره‏‏ إلی اختصاص الحدیث بالاُمور الوجودیة، وقال فی ‏‎ ‎‏وجهه: إنّه لا یستفاد من حدیث الرفع إلا رفع آثار اُمور موجودة انطبق علیها ‏‎ ‎‏إحدی العناوین التسعة لا الأعمّ منها والاُمور المعدومة، لأنّ شأن حدیث الرفع ‏‎ ‎‏تنزیل الموجود منزلة المعدوم لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود؛ لأنّ تنزیل ‏‎ ‎‏المعدوم منزلة الموجود إنّما یکون وضعاً لا رفعاً، فالفعل الصادر عن المکلّف عن ‏‎ ‎‏نسیان أو إکراه یمکن ورود الرفع علیه وجعله کأن لم یصدر، فلا یترتّب علیه ‏‎ ‎‏آثار الوجود إن کان ذلک موافقاً للتوسعة والامتنان، وأمّا الفعل الذی لم یصدر ‏‎ ‎‏من المکلّف وکان تارکاً له عن نسیان أو إکراه أو اضطرار، فلا محلّ للرفع فیه؛ ‏‎ ‎‏لأنّ رفع المعدوم لا یمکن إلا بالوضع والجعل، وحدیث الرفع لا یتکفّل الوضع، ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 380
‏بل مفاده الرفع، فعلی هذا من نذر أن یشرب من ماء دجلة فاُکره علی العدم أو ‏‎ ‎‏اضطرّ إلیه أو نسی أن یشرب، فمقتضی القاعدة وجوب الکفارة علیه لو لم تکن ‏‎ ‎‏أدلّة وجوب الکفارة مختصّة بصورة تعمّد الحنث ومخالفة النذر عن إرادة ‏‎ ‎‏والتفات؛ لما أشرنا أنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلة المعدوم لا تنزیل المعدوم ‏‎ ‎‏منزلة الموجود‏‎[1]‎‏.‏

‏وفیه: أنّه‏‏ قدسّ سرّه‏‏ إن أراد إفادة مطلب عقلی وهو أنّ المعدوم لا یقبل الرفع عقلاً، ‏‎ ‎‏ففیه: ـ مضافاً إلی خروجه عمّا هو محطّ البحث؛ لأنّه تدور مدار الظهورات ‏‎ ‎‏والمدالیل اللفظیة لا البرهان العقلی ـ أنّه مخالف لما علیه المحقّقون من الحکماء؛ ‏‎ ‎‏لأنّهم یصرّحون بأنّ نقیض کلّ شی ء رفعه، فنقیض الوجود العدم ونقیض العدم ‏‎ ‎‏رفع العدم لا الوجود. نعم، یکون الوجود مصدوق علیه وینطبق علیه رفع العدم ‏‎ ‎‏انطباقاً عرضیاً، فالقول بکون الوجود نقیض العدم کما فی بعض العبائر تسامح، ‏‎ ‎‏فتدبّر.‏

‏وما قرع سمعک من أنّ العدم لا شی ء فلا یصلح للرفع، فإنّما هو فی العدم ‏‎ ‎‏المحض والعدم المطلق الذی لا یخبر عنه، لا العدم المتصوّر الموجود فی الذهن؛ ‏‎ ‎‏فإنّ له نحو ثبوت إضافی.‏

‏وبالجملة: کلّما تعلّق الرفع به لابدّ وأن یکون له نحو ثبوت ولو إضافی حتّی ‏‎ ‎‏یصحّ رفعه، وهذا المقدار من الثبوت یکفی فی الرفع ولا یلزم فیه الوجود ‏‎ ‎‏الخارجی.‏

‏وإن أراد‏‏ قدسّ سرّه‏‏ إفادة مطلب عقلائی، وهو أنّ العدم لا یصلح للرفع عند العقلاء. ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 381
‏ففیه: أنّه لاحظ الشارع ترک الفعل وعدمه ورتّب علیه الآثار، کما إذا نذر ترک ‏‎ ‎‏شرب ماء الکبریت مثلاً، فقد جعل الترک موضوعاً للوفاء والحنث، ومعلوم أنّه لا ‏‎ ‎‏یعقل أن یکون من الأعدام الأصلیة التی لا خبر لها؛ ضرورة أنّ ما لا خبر عنها ‏‎ ‎‏حتّی فی عالم الاعتبار لا یقع تحت دائرة الحکم ولا یصیر موضوعاً للوفاء ‏‎ ‎‏والحنث، فلا بدّ وأن یکون له نحو ثبوت ولو اعتباراً، وبهذه العنایة یصحّ تعلّق ‏‎ ‎‏الرفع به.‏

‏مضافاً إلی أنّ الرفع ادّعائی لا حقیقی، وهو باب واسع، فکما أنّه یصحّ ادّعاء ‏‎ ‎‏رفع الموجود بلحاظ عدم ترتّب الأثر علیه، فکذلک یصحّ ادّعاء رفع المعدوم ‏‎ ‎‏بلحاظ ترتّب الأثر، وکما أنّه لا یمکن رفع الموجود الحقیقی حقیقة فکذلک لا ‏‎ ‎‏یمکن رفع المعدوم التکوینی حقیقة، فهما کفرسی الرهان، فکما لا یمکن رفع ‏‎ ‎‏المعدوم التکوینی بالتشریع کذلک لا یمکن رفع الموجود التکوینی به، وکما ‏‎ ‎‏یحتاج رفعه التکوینی بالتکوین فکذلک یحتاج رفع الموجود التکوینی به.‏

‏وأمّا الرفع الادّعائی فکذلک، فکما یصحّ رفع الموجود ادّعاءً بلحاظ عدم ‏‎ ‎‏ترتّب الأثر، فکذلک یصحّ رفع المعدوم ادّعاءً بلحاظ ترتّب الأثر.‏

‏أضف إلی ما ذکرناه ما فی قوله ‏‏قدسّ سرّه‏‏ ‏‏فی عدم شمول الحدیث لرفع المعدوم: من ‏‎ ‎‏أنّه حدیث الرفع لا الوضع‏‎[2]‎‏.‏

‏وقد عرفت: أنّا لا نرید إثبات الوضع وترتیب آثار الشرب فی المثال، بل نفی ‏‎ ‎‏آثار العدم والترک کنفی الکفّارة وعدمها ممّا ترتّب علی عدم ترک الشرب، کما ‏‎ ‎‏أنّه فی ظرف الوجود لا نرید ترتّب آثار العدم بل رفع آثار الوجود.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 382
‏وبالجملة: اختلط لدیه ‏‏قدسّ سرّه‏‏ ‏‏الأمر بین رفع آثار العدم وترتیب آثار الوجود، ‏‎ ‎‏فتخیّل أنّ المقصود من رفع آثار ترک شرب الماء إثبات آثار شرب الماء، ولذا ‏‎ ‎‏قال بأنّه لا یکون ذلک فی عهدة حدیث الرفع، مع أنّه کما أشرنا لیس المقصود ‏‎ ‎‏ذلک، بل المقصود رفع ما یترتّب علی نفس ترک شرب الماء کالکفّارة ونحوها، ‏‎ ‎‏کما أنّ المقصود فی رفع الموجود لیس ترتّب آثار العدم بل رفع آثار الوجود، ‏‎ ‎‏فتدبّر جیّداً.‏

‏فظهر: أنّه لا وجه لاختصاص المرفوع بحدیث الرفع بالوجودیات، بل یعمّها ‏‎ ‎‏والعدمیات أیضاً‏‎[3]‎‏.‏

بقی إشکالات ینبغی ذکرها والتعرّض لما فیها.

الإشکال الأوّل:‏ ‏‏وقد أشار إلیه المحقّق النائینی ‏‏قدسّ سرّه‏‏ فی آخر کلامه إجمالاً‏‎[4]‎‏. ‏‎ ‎‏وحاصل الإشکال: أنّه یندرج فی حدیث الرفع نسیان الجزئیة والشرطیة ‏‎ ‎‏والمانعیة؛ لکونها أحکاماً وضعیة، وأمّا نسیان الجزء أو الشرط أو المانع مع العلم ‏‎ ‎‏بالجزئیة والشرطیة والمانعیة فغیر مندرج فیه، فمن نسی السورة فی مقام الامتثال ‏‎ ‎‏مع العلم بجزئیتها فلا یشمله حدیث الرفع؛ وذلک لما عرفت: أنّ معنی رفع ‏‎ ‎‏النسیان لیس هو رفع نفس عنوان النسیان الذی من الصفات النفسانیة، بل معناه ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 383
‏رفع المنسیّ‏‎[5]‎‏، ولا یکاد یفهم من رفع النسیان إلا ما یفهم من الجمل المصدّرة ‏‎ ‎‏بلفظة ‏‏«‏ما‏»‏‏، فإذا نسی الجزء کالحمد مثلاً مع العلم بجزئیته للصلاة فرفعه حیث ‏‎ ‎‏إنّه ادّعائی لا یکون إلا برفع جمیع آثاره، ولا یمکن ذلک؛ لأنّ منها الجزئیة ‏‎ ‎‏وهی معلومة لا منسیّة، ومع بقاء جزئیته حال النسیان لا توافق المأتیّ به ‏‎ ‎‏للمأمور به أصلاً، ولیس لحدیث الرفع نظر إلی المصداق الخارجی حتّی ینزّل ‏‎ ‎‏الناقص منزلة الکامل.‏

‏فحاصل إشکاله أنّه بناءً علی کون المرفوع بحدیث الرفع جمیع الآثار، لا ‏‎ ‎‏یمکن رفع الجزء المنسیّ والشرط والمانع المنسیّین إذا علم بجزئیته وشرطیته ‏‎ ‎‏ومانعیته؛ لأنّه عند نسیان الجزء أو الشرط والمانع تکون الجزئیة والشرطیة ‏‎ ‎‏والمانعیة معلومة لا منسیة، ومع بقائها علی الجزئیة مثلاً لا یوافق المأتیّ به ‏‎ ‎‏للمأمور به، فلا یمکن تصحیح العبادة الفاقدة للجزء. أو الشرط أو المانع بحدیث ‏‎ ‎‏الرفع.‏

‏وفیه: أنّ نسیان الجزء أو الشرط أو المانع مع القطع بجزئیته أو شرطیته أو ‏‎ ‎‏مانعیته متصوّر، فربّما یکون الشخص عالماً بجزئیة الحمد مثلاً للصلاة ومع ذلک ‏‎ ‎‏ینسی الحمد، فمعنی رفع الجزء هو ادّعاء عدمه، فلابدّ له من مصحّح وهو جمیع ‏‎ ‎‏الآثار المترتّبة علیه ومنها الجزئیة، فإذا ارتفع الجزء ارتفع جمیع الآثار المترتّبة ‏‎ ‎‏علیه ومنها الجزئیة، فتکون جزئیة الحمد عند نسیان الحمد مرتفعة، وکذا بالنسبة ‏‎ ‎‏إلی المانع، فمن نسی ولبس وبر ما لا یؤکل لحمه فی الصلاة مع العلم بمانعیته ‏‎ ‎‏للصلاة، فمعنی رفعه رفع جمیع آثاره التی منها المانعیة.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 384
‏فظهر: أنّ رفع الحکم تارة: لتعلّق النسیان أوّلاً وبالذات بالحکم، واُخری: ‏‎ ‎‏لتعلّقه بالموضوع وبتبع رفعه یرتفع الحکم، فتدبّر.‏

الإشکال الثانی: ‏أنّه بعد شمول حدیث الرفع لرفع کلّ من الموضوع والحکم ‏‎ ‎‏کالجزء والجزئیة، لابدّ من إثبات أمر آخر، وهو أنّ الباقی تمام المأمور به حتّی ‏‎ ‎‏تصحّ العبادة المأمور بها. ویجزی عن الإعادة فی الوقت والقضاء فی خارج ‏‎ ‎‏الوقت ولا یکون شأن حدیث الرفع إثبات ذلک.‏

‏وبعبارة اُخری قالها المحقّق النائینی ‏‏قدسّ سرّه‏‏: بأنّه لا یمکن التشبّث بحدیث الرفع ‏‎ ‎‏لتصحیح المرکّب الفاقد للجزء أو الشرط وقال‏‎ ‎‏قدسّ سرّه‏‏ فیما قال: إنّه لا فائدة فی رفعه؛ ‏‎ ‎‏لأنّ رفع المرکّب الفاقد للجزء أو الشرط لا یثبت المرکّب الواجد له؛ فإنّ ذلک ‏‎ ‎‏یکون وضعاً لا رفعاً.‏‎[6]‎

‏وفیه: أنّه لا نحتاج إلی إثبات عنوان المأمور به وما یضاهیه من أنّ الباقی ‏‎ ‎‏تمام المأمور به مثلاً، وغایة ما نحتاج إلیه هو الجزم والاطمینان بفراغ الذمّة عمّا ‏‎ ‎‏اشتغلت به، ولا یحصل ذلک إلا بمطابقة المأتیّ به للمأمور به، ومعلوم أنّ الصلاة ‏‎ ‎‏مثلاً بحسب الأدلّة الأوّلیة کانت لها عدّة أجزاء وشرائط منها الحمد، ومقتضی ‏‎ ‎‏حکومة حدیث الرفع بالنسبة إلی الأدلّة هو رفع الید عمّا نسی، فمن أتی  بجمیع ‏‎ ‎‏ما اُمر به ما عدا الحمد فلیس علیه شی ء.‏

‏وبالجملة: الأمر المتعلّق بالصلاة له داعویة بالنسبة إلی جمیع ما لها من ‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط، وغایة ما اقتضته تحکیم حدیث الرفع بالنسبة إلیها سلب ‏‎ ‎‏السورة المنسیّة عن الجزئیة وعدم إضرار فقدها بها، فیکون المأمور به عبارة عن ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 385
‏عدّة أجزاء غیر هذا الجزء المنسیّ، من دون احتیاج إلی إثبات أنّ الباقی تمام ‏‎ ‎‏المأمور به، أو إثبات کون الفاقد بمنزلة الواجد.‏

‏نعم، یثبّت أن المصداق الخارجی تمام عنوان المأمور به بالحمل الشائع ‏‎ ‎‏ومصداقه، فإذا تحقّق مصداق المأمور به یکون الإجزاء عقلیاً، وقد حقّقنا ذلک ‏‎ ‎‏فی مبحث الأقلّ والأکثر لإجراء البراءة بالنسبة إلی الأکثر والاجتزاء بالأقلّ ‏‎ ‎‏مستدلاً: بأنّ ما قامت علیه الحجّة هو الأقلّ والأکثر مشکوک فیه، من دون أن ‏‎ ‎‏یثبت بذلک عنوان کون الأقلّ تمام المأمور به.‏

الإشکال الثالث: ‏ما استشکله المحقّق العراقی ‏‏قدسّ سرّه‏‏ فقال ما حاصله: أنّ مقتضی ‏‎ ‎‏رفع النسیان فی هذه الاُمور إنّما هو رفع التکلیف الفعلی عن الجزء والشرط ‏‎ ‎‏المنسیّین، ویلزمه بمقتضی الارتباطیة سقوط التکلیف عن البقیّة أیضاً مادام ‏‎ ‎‏النسیان، إلا أنّه بعد رفع النسیان تقتضی المصلحة القائمة بالمرکّب إحداث ‏‎ ‎‏التکلیف بالإتیان إعادةً فی الوقت وقضاءً فی خارجه کاقتضائها فی أصل ‏‎ ‎‏التکلیف به قبل النسیان، ولا مجال لإثبات إجزاء المأتیّ به فی حال النسیان، ‏‎ ‎‏بتوهّم: أنّه بعد إلزام العقل فی حال النسیان بإتیان البقیّة یستکشف من رفع ‏‎ ‎‏جزئیة المنسیّ أو شرطیته عن رفع وجوب الإعادة، لأنّا نقول: إنّ ذلک مرهون ‏‎ ‎‏کون نظر الحدیث إلی رفع جزئیة المنسیّ مطلقاً حتّی بعد التذکّر والالتفات ‏‎ ‎‏الملازم لتحدید دائرة الطبیعة المأمور بها حال النسیان بما عدا الجزء المنسیّ، ‏‎ ‎‏ولکنّه خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر منه هو کونه ناظراً إلی رفع المنسیّ ما دام ‏‎ ‎‏النسیان، بلا نظر منه إلی تحدید دائرة المأمور به، وإثبات کونه فی حال النسیان ‏‎ ‎‏هو ما عدا الجزء المنسیّ، فالمصلحة الداعیة إلی الأمر بالمرکّب أوّلاً لمّا بقیت ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 386
‏غیر مستوفاة تقتضی إحداث التکلیف بالإعادة بعد الالتفات‏‎[7]‎‏.‏

‏أقول: ربّما یظهر تسالم غیر واحد من الأصحاب رضوان الله‌ علیهم علی أنّ ‏‎ ‎‏الأمر بالکلّ أمر بأجزائه وشرائطه، فکان الأمر الواحد بالکلّ ینحلّ إلی أوامر ‏‎ ‎‏بعدد الأجزاء والشرائط ویکون لکلّ منها أمر علی حدة وتکلیف یخصّه، وإن ‏‎ ‎‏شئت قلت: إنّ تلک الأوامر أوامر ضمنیة.‏

‏فإن أرادوا بذلک أنّ هناک تکالیف فعلیة یستحقّ تارکها العقاب وفاعلها ‏‎ ‎‏الثواب بحیث یکون تارک الصلاة المرکّبة من عشرین جزءاً مثلاً یستحقّ عشرین ‏‎ ‎‏عقاباً وفاعلها یستحقّ عشرین ثواباً، فلا نکاد نعقله؛ لأنّ الأمر المتعلّق ببناء ‏‎ ‎‏المسجد مثلاً منحدر إلی ذاک العنوان المرکّب ویکون له ثواب واحد وعقاب ‏‎ ‎‏فارد، ولیس الأمر المتعلّق به ینحلّ إلی أوامر بعدد اللبنات والأخشاب ونحوها ‏‎ ‎‏من الآلات، وإلا یلزم أن یعاقب بعدد اللبنات وغیرها، مع أنّ الضرورة علی ‏‎ ‎‏خلافه، حیث لا یعاقب علی ترک الجزء أصلاً، بل یعاقب علی ترک بناء المسجد ‏‎ ‎‏إن لم یتحقّق.‏

‏وکذا إذا أمر بالصلاة لا یکون الواجب إلا ذاک العنوان، وأمّا التکبیر والقرائة ‏‎ ‎‏والرکوع والسجود وغیرها من الأجزاء والشرائط فلیست بواجبة أصلاً، بل یکون ‏‎ ‎‏مغفولة عنها فی ذاک اللحاظ کما تکون مغفولة عنها عند قولک: ‏‏«‏‏الصلاة خیر ‏‎ ‎‏موضوع‏‏»‏‏ أو ‏‏«‏‏خیر الموضوع‏‏»‏‏، ولذا لو ترک الصلاة لم یتعدّد العقاب، بل یعاقب ‏‎ ‎‏عقاباً واحداً علی ترک الصلاة.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 387
‏نعم، من أمر بعنوان مرکّب لا بدّ له من بیان الماهیة المأمور بها بأجزائها ‏‎ ‎‏وشرائطها إذا لم تکن ممّا نطّلع علیها، فکلّ ما قامت الحجّة علی اعتباره وجوداً ‏‎ ‎‏أو عدماً لا بدّ وأن یؤتی بها فی مقام الامتثال وإلا فلا.‏

‏وإن أرادوا بذلک اللابدّیة العقلیة وأنّ العقل یحکم بلزوم تحصیل الأجزاء ‏‎ ‎‏والشرائط فی بناء المسجد أو إقامة الصلاة فصحیح لا غُبار علیه، إلا أنّه خلاف ‏‎ ‎‏ظاهر عباراتهم، فعلی هذا تکون السورة مثلاً جزءاً من الصلاة، لا واجب یعاقب ‏‎ ‎‏علی ترکه.‏

‏فبما ذکرنا ظهر ضعف قوله ‏‏قدسّ سرّه‏‏: من أنّ حدیث الرفع یرفع التکلیف الفعلی عن ‏‎ ‎‏الجزء أو الشرط المنسیّین... إلی آخره.‏

‏توضیح الضعف: أنّه لا تکلیف بالنسبة إلی الجزء المنسیّ حتّی یرتفع حال ‏‎ ‎‏النسیان، کما لم یکن بالنسبة إلی غیر المنسیّ أیضاً، بل الذی للجزء أو الشرط ‏‎ ‎‏الجزئیة والشرطیة. ومقتضی حکومة حدیث الرفع علی أدلّة الأجزاء والشرائط ‏‎ ‎‏هو ارتفاع الجزئیة والشرطیة عن الجزء والشرط المنسیّین، فینتج هذه الحکومة ‏‎ ‎‏نتیجة التخصیص وتکون الصلاة ذات عشرین جزءاً بالنسبة إلی المتذکّر وتسعة ‏‎ ‎‏عشر جزءاً بالنسبة إلی الناسی لجزء معیّن.‏

‏فعلی هذا لا وجه للإعادة بعد الذکر، إذ لا أمر ولا تکلیف آخر، حتّی یمتثل.‏

‏ولیت شعری کیف یوجّه ما أفاده؟!! من أنّه بعد رفع النسیان تقتضی المصلحة ‏‎ ‎‏القائمة بالمرکّب إحداث التکلیف بالإتیان، مع أنّه لیس للشارع المقدّس إلا حکم ‏‎ ‎‏واحد أوحاه إلی رسوله صلی الله وعلیه اله و سلم وقد تمّ، فمن أین إحداث التکلیف وشرح ‏‎ ‎‏الحالات؟‏

مع‏ ما فیه: من لزوم محذور التغییر فی إرادته تعالی وأنّه فی کلّ حین یتبدّل ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 388
‏النسیان بالذکر والذکر بالنسیان، کذلک للشارع الأقدس شأن جدید من الإنشاء ‏‎ ‎‏وتکلیف کذلک، وهو کما تری.‏

‏ولابدّ وأن یلتزم بأنّ التکلیف الحادث إنّما أوحاه الله‌ إلی قلب المتذکّر بعد ‏‎ ‎‏النسیان بلاواسطة، نظیر وحیه تعالی إلی النحل کما فی قوله تعالی: ‏‎)‎وَأوْحی ‎ ‎رَبُّکَ إِلَی النّحْلِ أنِ اتّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً‎(‎‎[8]‎‏ ‏‏الآیة؛ لأنّه لم یکن لذلک ‏‎ ‎‏التکلیف الحادث فی الکتاب والسنّة عین ولا أثر، بل کما أشرنا ونشیر إلیه قریباً ‏‎ ‎‏أنّ الدلیل علی خلافه.‏

‏فظهر: أنّ مقتضی إطلاق دلیل اعتبار السورة فی الصلاة هو جزئیّتها للصلاة ‏‎ ‎‏فی حال النسیان أیضاً، إلا أنّه بحکومة حدیث الرفع علیه یحدّد نطاق دائرة ‏‎ ‎‏الموضوع، وتکون صلاة المتذکّر مع السورة وصلاة الناسی بدون السورة، فیکون ‏‎ ‎‏الإجزاء عقلیاً، فلا وجه للإعادة فی الوقت والقضاء فی خارجه لو تبدّل حاله إلی ‏‎ ‎‏الذکر.‏

‏وإن شئت فنقول: المقام من قبیل ما دلّ علی الاکتفاء بالتیمّم عند فقدان الماء ‏‎ ‎‏مثلاً؛ فإنّه کما لم یتعلّق بعثان: بعث بالصلاة مع الطهارة المائیة وبعث آخر بها مع ‏‎ ‎‏الطهارة الترابیة، بل بعث واحد وباعث الواجد للماء وفاقده أمر واحد متعلّق ‏‎ ‎‏بطبیعة واحدة، واختلاف الواجد والفاقد إنّما هو فی المصداق ولا یوجب ذلک ‏‎ ‎‏تعدّد الأمر، فکذلک فی المقام؛ فإنّ حدیث الرفع لحکومته علی أدلّة الأجزاء ‏‎ ‎‏والشرائط یجعل الصلاة الفاقدة للسورة مثلاً مصداقاً للطبیعة الصلاة من دون ‏‎ ‎‏احتیاج إلی تعدّد الأمر.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 389
الإشکال الرابع: ‏أنّه لا یمکن تصحیح عبادة الناسی ولا یکون المرکّب الفاقد ‏‎ ‎‏تمام المأمور به، إلا إذا أمکن تخصیصه بخطاب یخصّه، ولا یمکن تخصیصه ‏‎ ‎‏بالخطاب؛ لأجل أنّ الخطاب بقید أنّه ناسٍ یوجب انقلاب موضوع الناسی إلی ‏‎ ‎‏الذکر.‏

‏أشار إلی هذا الإشکال ودفعه شیخنا العلامة الحائری قدس سره حیث قال: ولکن ما ‏‎ ‎‏قلناه إنّما هو مبنیّ علی صحّة اختصاص الناسی بالتکلیف، کما هو التحقیق ‏‎ ‎‏والمحقّق فی محلّه، وأمّا علی مذهب شیخنا المرتضی ‏‏قدسّ سرّه‏‏ من عدم إمکانه فلا ‏‎ ‎‏یصحّ الاستدلال، کما لا یخفی‏‎[9]‎‏.‏

‏تبع قدس سره فی ذلک السیّد المحقّق المجدّد الشیرازی ‏‏قدسّ سرّه‏‏ حیث تصوّر تصوّراً ‏‎ ‎‏مدرسیاً بأنّه یصحّ أن یقال فی خطاب الناسی: ‏‏«‏‏أیّها المتلبّس بلباس الأحمر مثلاً، ‏‎ ‎‏أو ذا قلنسوة أبیض أو نحو ذلک حکمک کذا...‏‏»‏‏.‏

‏وأنت خبیر بما فیه، ولیت شعری ما الوجه فی تصحیح التکلیف بالناسی مع ‏‎ ‎‏أنّ الناسی یری نفسه وغیره سواء فی أنّهما ینبعثان من الأمر المتوجّه إلی عنوان ‏‎ ‎‏المکلّف لتلک الطبیعة، ولو سئل عنه عمّا ینبعث به؟ لأجاب بأنّی انبعث عمّا ‏‎ ‎‏تنبعث به، ولذا یصفّ الناسی مع العالم المتذکّر فی صفٍّ واحد.‏

‏فتحمّل تصوّر عنوان اخترعته الأفکار المدرسیة التی لا یخرج حریمها ولا ‏‎ ‎‏أثر لها فی بیان الأحکام الشرعیة التی تعلّقت بعنوان الصلاة، ثمّ انحدار التکلیف ‏‎ ‎‏إلی ذلک العنوان المخترع غیر محتاج إلیه.‏

‏مضافاً إلی أنّه لا یصلح ذلک التکلیف للباعثیة ولایکاد ینبعث المکلّف بذلک ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 390
‏العنوان أصلاً؛ لأنّه کما لا یمکن الخطاب بقید أنّه ناسٍ، لإیجابه انقلاب الموضوع ‏‎ ‎‏إلی الذکر، فکذلک لا یمکن الخطاب بعنوان ملازم للنسیان؛ فإنّه مع التفاته إلی ‏‎ ‎‏ذاک العنوان لا یکاد ینبعث بالبعث المتعلّق بذاک العنوان، وبمجرّد التفاته إلیه ‏‎ ‎‏یتبدّل حاله ویتقلّب من ذاک الموضوع إلی موضوع آخر‏‎[10]‎‏.‏

‏فإذاً فتصویر اختراع عنوان مدرسی مضافاً إلی أنّه غیر محتاج إلیه، لا یکاد ‏‎ ‎‏یصلح للباعثیة؛ بداهة أنّ کلاً من الذاکر والناسی ینبعثان من التکلیف المتعلّق ‏‎ ‎‏بعنوان الصلاة المتوجّه إلی عنوان المکلّف، فالتکلیف وکذا المکلّف به واحد. نعم ‏‎ ‎‏المکلّفون بذلک التکلیف الواحد متعدّدون والاُمور المحصّلة لذلک المکلّف به ‏‎ ‎‏متعدّدة من حیث إنّ صلاة الذاکر عشرة أجزاء مثلاً وصلاة الناسی تسعة أجزاء ‏‎ ‎‏ولکن لا أثر لها؛ لتعدّد الصلاة.‏

‏وبالجملة: الأمر المتعلّق بالصلاة فی الکتاب والسنة کافٍ فی التصحیح؛ فإنّ ‏‎ ‎‏الذاکر أو الناسی إنّما یقصد بقیامه وقعوده امتثال الخطابات المتعلّقة بطبیعة ‏‎ ‎‏الصلاة التی منها قوله تعالی: ‏‎)‎أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللّیْلِ‎(‎‎[11]‎‏، ‏‎ ‎‏والداعی إلی العمل والباعث نحو الصلاة فی الذاکر والناسی أمر واحد بلا ‏‎ ‎‏اختلاف فی هذه الجهة، وإنّما الاختلاف فی مصداق الطبیعة وهو لا یوجب ‏‎ ‎‏اختلافاً فی الأمر.‏

‏فتحصّل: أنّ الفرد الکامل والفرد الناقص کلاهما فردان من الطبیعة المأمور ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 391
‏بها، غیر أنّه یلزم علی الذاکر إیجادها فی ضمن الفرد الکامل، وعلی الناسی ‏‎ ‎‏إیجادها فی ضمن الفرد الناقص؛ لرفع جزئیة الجزء فی حقّ الناسی لحکومة ‏‎ ‎‏الحدیث، فإیجاد الفرد إیجاد لنفس الطبیعة المأمور بها.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۵): تقریر ابحاث روح‏ الله‏ موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392

  • . فوائد الاُصول 3: 352 ـ 353.
  • . تقدّم فی الصفحة 380 ـ 381.
  • . قلت: ربّما ذکر: یظهر ضعف ما تفرّع المحقّق النائینی علی ذلک من عدم إمکان تصحیح العبادة الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط لنسیان أو إکراه أو نحو ذلک بحدیث الرفع(أ) إلی غیر ذلک. فکن علی ذکر منه. [المقرّر قدسّ سرّه]أ ـ فوائد الاُصول 3: 353.
  • . قلت: حیث قال: إنّه عند ترک الجزء نسیاناً مع العلم والالتفات بجزئیته لیس فی البین ما یرد الرفع الشرعی علیه من حیث الموضوع والأثر، فلا یمکن تصحیح العبادة الفاقدة للجزء أو الشرط بمثل حدیث الرفع.(أ) [المقرّر قدسّ سرّه]أ ـ فوائد الاُصول 3: 354.
  • . تقدّم فی الصفحة 359.
  • . فوائد الاصول 3: 354.
  • . نهایة الأفکار 3: 218.
  • . النحل (16): 68.
  • . درر الفوائد، المحقّق الحائری: 445.
  • . قلت: یمکن أخذ عنوان ملازم لعنوان النسیان واقعاً موضوعاً من دون أن یکون الناسی ملتفتاً إلی ذاک العنوان الملازم، فبالتفاته إلی ذاک العنوان لا یوجب تبدّل حاله وانقلابه من موضوع إلی موضوع آخر، ویمکن انبعاثه به، إلا أنّه تخیّل وتصوّر مدرسی لا أثر له فی بیان الأحکام الشرعیة الکلّیة. [المقرّر قدسّ سرّه]
  • . الإسراء (17): 78.