التمسّک بالاستصحاب لإثبات الصحّة مع الزیادة وتزییفه
ثمّ إنّه ربما یتمسّک بصحّة ما اُتی به مع الزیادة بالاستصحاب ویقرّر ذلک بوجوه:
الوجه الأوّل: ما أفاده شیخنا العلامة الحائری قدس سره فی مقامات کثیرة منها هذا المقام حاصله:
أنّ مقتضی استصحاب عدم قاطعیة الزائد أو عدم مانعیته بنحو العدم الأزلی، فیشار إلی مهیة الزائد فیقال: إنّها قبل تحقّقها لم تتّصف بالقاطعیة أو المانعیة والآن کما کان.
وفیه أنّه أشرنا سابقاً وسیأتی مفصّلاً فی الاستصحاب عدم حجّیة الاستصحاب فی الأعدام الأزلیة؛ لعدم محفوظیة الهذیة قبل وجود الزیادة فی المفروض؛ لأنّ الشیء قبل تحقّقه لم یکن یشار إلیه ولا محکوماً بشیء إثباتاً أو نفیاً، والمهیة قبل وجودها لا شیئیة لها حتّی یقال: إنّها قبل وجودها کانت کذا، أو لم تکن کذا.
وبعبارة اُخری: لابدّ فی الاستصحاب من وحدة القضیة المتیقّنة والمشکوکة ولیس فی السالبة بانتفاء الموضوع ـ علی حذو سائر القضایا ـ موضوع ومحمول ونسبة حاکیة عن الواقع بوجه فاستصحاب العدم ممّا لا أصل له.
مع أنّه علی فرض جریانه یمکن أن یقال: إنّه من الاُصول المثبتة، لأنّ إثبات صحّة المأتیّ به باستصحاب عدم اتّصاف الزائد بالقاطعیة أو المانعیة عقلی، بل لا یبعد أن یقال: إنّ سلب قاطعیته أو مانعیته للصلاة الموجودة بذلک الاستصحاب أیضاً عقلی هنا.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 363
وفی استصحاب العدم الأزلی إشکال آخر بطول المقام بذکره یطلب من محلّه.
الوجه الثانی: استصحاب عدم وقوع القاطع فی الهیئة الاتّصالیة التی فی الصلاة ـ بناء علی اعتبارها فیها ـ کما سیجیء الإشارة إلیه. بأن یقال: إنّ الصلاة لها هیئة اتّصالیة متحقّقة حین اشتغال المصلّی بالصلاة قبل تحقّق تلک الزیادة، فإذا وجدت الزیادة یشکّ فی حصول القاطع فیستصحب عدمه.
وبهذا البیان یمکن أن یستصحب عدم المانع لدی الشکّ فی کون الزیادة مانعة أم لا.
إن قلت: لعلّ الصلاة تکون متقیّدة بعدم المانع والاستصحاب لا یثبت التقیید.
قلت: إنّ الاستصحاب جارٍ فی نفس التقیید ـ أی الکون الرابط ـ فإنّ استصحاب عدم تحقّق المانع فی الصلاة عبارة اُخری عن کون الصلاة بلا مانع وهذا ممّا لا إشکال فیه.
إلا أن یقال: إنّ عدم تحقّق المانع فیها ملازم عقلاً لکونها بلا مانع نظیر استصحاب عدالة زید لإثبات کونه عادلاً؛ فإنّ الظاهر أنّه مثبت أیضاً.
فکما أنّه لو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً وقت الائتمام مع کونه عادلاً فیما سبق، فلابدّ من أن یستصحب کون زید عادلاً واستصحاب عدالة زید لا یثبت کون زید عادلاً.
فکذلک فی المقام؛ فإنّ أصالة عدم المانع یلازم عقلاً کون الصلاة بلا مانع.
وبالجملة: لو قال المولی: صلّ خلف العادل، فما هو موضوع للحکم کون الرجل عادلاً، وربما یترتّب الحکم علی المحمول المتقیّد بالموضوع کعدالة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 364
زید، کما إذا نذر التصدّق عند قیام الدلیل علی عدالته فلکلّ من الموضوعین أثر ومقام، فلو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً عند الایتمام ـ مع کونه عادلاً فیما سبق ـ ؛ فلابدّ له من أن یستصحب کونه عادلاً، ولکن استصحاب عدالة زید لا یثبت کون زید عادلاً.
ومن هنا قلنا فی محلّه: إنّ کون المرئة حائضاً موضوع للأثر، فلابدّ من استصحابه لا استصحاب حیضیة الدم؛ فإنّه لا یثبت کونها حائضاً، فتدبّر.
فعلی هذا، المفید من الاستصحاب فی المقام استصحاب ما هو موضوع للأثر وهو کون الصلاة بلا مانع أو الهیئة الاتّصالیة بلا قاطع، فیستصحب بقائها علی هذه الحالة عند الشکّ فی طروّهما.
وأمّا استصحاب عدم وقوع المانع فیها، أو عدم وقوع القاطع فی الهیئة الاتّصالیة لا یثبت کون الصلاة بلا مانع أو کون الهیئة بلا قاطع.
أقول: ولیعلم أنّ جریان هذا الاستصحاب فی المانع، والقاطع لا یحتاج إلی إثبات الهیئة الاتّصالیة للصلاة کما ادّعی. نعم، لا یجری هذا الاستصحاب فیما یقارن للصلاة من أوّل وجودها کاللباس المشکوک فیه، وإنّما یجری فی الطاری المحتمل فی أثناء الصلاة.
ثمّ إنّ جریان هذا الاستصحاب مبنیّ علی أنّ مانعیة الشیء أو قاطعیته راجعة إلی أخذ عدمهما فی الصلاة بحیث یکون المأمور به الصلاة المقیّدة بعدمهما کما هو المعروف فی معنی القاطع والمانع.
وأمّا لو قلنا بأنّ کون الشیء مانعاً أو قاطعاً فلیس إلا کون وجوده مخرّباً
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 365
وهادماً للصلاة من دون أن یقع الشیء مورداً للأمر، ومن دون أن یکون مؤثّراً فی حصول الغرض، کما هو الحال فی المانع التکوینی، فإنّ المؤثّر هو النار مثلاً، لا النار مع عدم الرطوبة، وإنّما الرطوبة مخرّبة وهادمة لأثرها، فإذاً لا مجال لهذا الاستصحاب؛ لأنّ المأمور به علی هذا لیست الصلاة المتّصفة بلا مانع ولا قاطع، بل ذات الصلاة التی لا تجتمع فی نفس الأمر مع هذه الموانع والقواطع، وهو لایحرز بالأصل، لأنّ أحد الضدّین لا یلازم شرعاً ثبوت الآخر، وهذا مثل إثبات السکون لنفی الحرکة.
هذا کلّه فی تصویر معنی القاطع والمانع وأنّ مرجعهما هل إلی أخذ العدم فی الصلاة؛ بحیث یکون المأمور به الصلاة المتقیّدة بعدمهما أو إلی مخرّبیّة وجودها وهادمیتها فی الصلاة من دون أخذه فی المأمور به؟ وأمّا استظهار أنّ المانع والقاطع أیّهما، فیطلب من محلّه فارتقب حتّی حین.
الوجه الثالث: استصحاب الهیئة الاتّصالیة عند تحقّق زیادة الجزء
والهیئة الاتّصالیة أمر اعتباری وراء نفس الأجزاء یکون تحقّقها من أوّل وجود المرکّب إلی آخره، فیصیر المرکّب بهذا الاعتبار أمراً وحدانیاً متّصلاً کالموجودات غیر القارّة، کالزمان والحرکة، فإنّ کلّ واحد منهما أمر واحد ممتدّ متّصل یوجد بأوّل جزء وینعدم بآخر جزئه بلا تخلّل عدم بینهما، ولا فرق بینهما إلا أنّ الاتّصال فی المقام وفی الهیئة الاتّصالیة اعتباری وفی الزمان والحرکة حقیقی.
وإیّاک أن تتوهّم أنّ الهیئة الاتّصالیة هی الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب یقع تحت دائرة الطلب أو فی اُفق الإرادة کما أشرنا إلیه فی مبحث الأقلّ والأکثر،
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 366
لأنّ الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب تجعل الاُمور المختلفة شیئاً واحداً یتعلّق به أمر واحد وأمّا السکونات المتخلّلة بین الأجزاء، فتکون خارجة عن المرکّب.
وأمّا الهیئة الاتّصالیة فتجعل تلک السکونات داخلة فی المرکّب لا علی نحو سائر الأجزاء حتّی تکون فی عرضها، بل هی کخیط ینضمّ شتات الأجزاء ویوصل بعضها ببعض، فیکون الآتی بالمرکّب داخلاً فیه من أوّله إلی آخره حتّی فی السکونات المتخلّلة.
واعتبار الهیئة الاتّصالیة فی المرکّب یحتاج إلی دلیل یدلّ علیها، وقد دلّ الدلیل علیها فی الصلاة، فقد عبّرت روایات مستفیضة معتبرة عن جملة من المبطلات بالقواطع کقوله علیه السلام: «الالتفات إذا کان بکلّه یقطع الصلاة».
وقوله علیه السلام: لا یقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء والبول والریح والصوت إلی غیر ذلک من الأخبار؛ فإنّها ظاهرة فی کونها قاطعة لنفس الصلاة، فلو لم تعتبر للصلاة هیئة اتّصالیة لما کان وجه لاستعمال القاطع فیها کما لا یخفی.
وقد استقرّ ارتکاز المتشرّعة علی ذلک فی الصلاة الکاشف قطعاً عن اعتبار الشارع الهیئة الاتّصالیة فیها، فتری کلّ متشرّع یصلّی یری نفسه بتکبیرة الإحرام داخلاً فی الصلاة إلی أن یخرج منها بالسلام حتّی فی السکونات المتخلّلة وهذا أوضح دلیل علی اعتبار الهیئة الاتّصالیة فی الصلاة.
وبالجملة: المصلّی بعد دخوله فی الصلاة إذا تخلّل بشیء فی الصلاة بأن زاد جزءاً مثلاً فیها، فیشکّ عند ذلک فی بقاء الهیئة الاتّصالیة المعتبرة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
شرعاً فیها، فتستصحب، فتصحّ الصلاة.
فظهر أنّ هذا الاستصحاب والاستصحاب المتقدّم متعاکسان فی الجریان وعدمه، فتدبّر.
استشکل المحقّق النائینی قدس سره علی استصحاب الهیئة الاتّصالیة بوجوه تعرّض لها ولردّها سماحة الاُستاذ فی الدورة السابقة ومن أراد فلیراجع أنوار الهدایة.
الوجه الرابع: استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء بعد وقوع ما یشکّ فی قاطعیته أو مانعیته، ومعنی الصحّة التأهّلیة: أنّ الأجزاء السابقة تکون لها حیثیة استعدادیة للحوق الأجزاء اللاحقة ولم تخرج بواسطة تخلّل ما یشکّ فی قاطعیته أو مانعیته عن تلک الحیثیة ولم یبطل الاستعداد بواسطته.
إذا تمهّد لک ما ذکرنا فی معنی الصحّة التأهّلیة للأجزاء، یظهر لک ضعف ما أفاده المحقّق النائینی فی المقام أوّلاً: من أنّ استصحاب الصحّة التأهّلیة استصحاب تعلیقی؛ لأنّ معنی الصحّة التأهّلیة هو أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون الصلاة صحیحة ولا مجال لجریان الاستصحاب التعلیقی کما سیأتی بیانه.
وثانیاً: أنّ معنی الصحّة التأهّلیة حیث یکون أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون الصلاة صحیحة وهذا المعنی فرع وقوع الأجزاء، السابقة صحیحة وهذا ممّا یقطع به، فلا شکّ حتّی یجری الاستصحاب.
توضیح الضعف ما أشرنا إلیه من أنّ الصحّة التأهّلیة هی الحیثیة الاستعدادیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368
المعتبرة فی الأجزاء السابقة لتأهّل لحوق البقیة إلیها وهذا أمر مشکوک فیه وواضح أنّه لا یکون تعلیقیاً.
فظهر صحّة جریان استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء عند طروّ ما یشکّ فی قاطعیتها أو مانعیتها.
نعم، یتوجّه علی هذا الاستصحاب أنّ أصالة بقاء الاستعداد فی الأجزاء السابقة لا یثبت ربط الأجزاء اللاحقة بها وتحقّق الصحّة الفعلیة إلا علی القول بالأصل المثبت.
فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ مقتضی القاعدة فیما إذا شکّ فی مانعیة الزائد أو قاطعیته عدم بطلان العمل، فیکون الأصل فی ظرف زیادة الجزء عدم الرکنیة إلا أن یقوم دلیل علی خلافه.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369