المرحلة الثالثة فی الاشتغال

التمسّک بالاستصحاب لإثبات الصحّة مع الزیادة وتزییفه

التمسّک بالاستصحاب لإثبات الصحّة مع الزیادة وتزییفه

‏ثمّ إنّه ربما یتمسّک بصحّة ما اُتی به مع الزیادة بالاستصحاب ویقرّر ذلک بوجوه:‏

الوجه الأوّل:‏ ما أفاده شیخنا العلامة الحائری قدس سره فی مقامات کثیرة منها هذا ‏‎ ‎‏المقام حاصله: ‏

‏أنّ مقتضی استصحاب عدم قاطعیة الزائد أو عدم مانعیته بنحو العدم الأزلی، ‏‎ ‎‏فیشار إلی مهیة الزائد فیقال: إنّها قبل تحقّقها لم تتّصف بالقاطعیة أو المانعیة ‏‎ ‎‏والآن کما کان‏‎[1]‎‏. ‏

‏وفیه أنّه أشرنا سابقاً وسیأتی مفصّلاً فی الاستصحاب عدم حجّیة الاستصحاب ‏‎ ‎‏فی الأعدام الأزلیة؛ لعدم محفوظیة الهذیة قبل وجود الزیادة فی المفروض؛ لأنّ ‏‎ ‎‏الشیء قبل تحقّقه لم یکن یشار إلیه ولا محکوماً بشیء إثباتاً أو نفیاً، والمهیة قبل ‏‎ ‎‏وجودها لا شیئیة لها حتّی یقال: إنّها قبل وجودها کانت کذا، أو لم تکن کذا. ‏

‏وبعبارة اُخری: لابدّ فی الاستصحاب من وحدة القضیة المتیقّنة والمشکوکة ‏‎ ‎‏ولیس فی السالبة بانتفاء الموضوع ـ علی حذو سائر القضایا ـ موضوع ومحمول ‏‎ ‎‏ونسبة حاکیة عن الواقع بوجه فاستصحاب العدم ممّا لا أصل له. ‏

‏مع أنّه علی فرض جریانه یمکن أن یقال: إنّه من الاُصول المثبتة، لأنّ إثبات ‏‎ ‎‏صحّة المأتیّ به باستصحاب عدم اتّصاف الزائد بالقاطعیة أو المانعیة عقلی، بل لا ‏‎ ‎‏یبعد أن یقال: إنّ سلب قاطعیته أو مانعیته للصلاة الموجودة بذلک الاستصحاب ‏‎ ‎‏أیضاً عقلی هنا. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 363
‏وفی استصحاب العدم الأزلی إشکال آخر بطول المقام بذکره یطلب من ‏‎ ‎‏محلّه. ‏

الوجه الثانی:‏ استصحاب عدم وقوع القاطع فی الهیئة الاتّصالیة التی فی ‏‎ ‎‏الصلاة ـ بناء علی اعتبارها فیها ـ کما سیجیء الإشارة إلیه. بأن یقال: إنّ الصلاة ‏‎ ‎‏لها هیئة اتّصالیة متحقّقة حین اشتغال المصلّی بالصلاة قبل تحقّق تلک الزیادة، ‏‎ ‎‏فإذا وجدت الزیادة یشکّ فی حصول القاطع فیستصحب عدمه. ‏

‏وبهذا البیان یمکن أن یستصحب عدم المانع لدی الشکّ فی کون الزیادة ‏‎ ‎‏مانعة أم لا. ‏

‏إن قلت: لعلّ الصلاة تکون متقیّدة بعدم المانع والاستصحاب لا یثبت التقیید. ‏

‏قلت: إنّ الاستصحاب جارٍ فی نفس التقیید ـ أی الکون الرابط ـ فإنّ ‏‎ ‎‏استصحاب عدم تحقّق المانع فی الصلاة عبارة اُخری عن کون الصلاة بلا مانع ‏‎ ‎‏وهذا ممّا لا إشکال فیه. ‏

‏إلا أن یقال: إنّ عدم تحقّق المانع فیها ملازم عقلاً لکونها بلا مانع نظیر ‏‎ ‎‏استصحاب عدالة زید لإثبات کونه عادلاً؛ فإنّ الظاهر أنّه مثبت أیضاً. ‏

‏فکما أنّه لو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً وقت الائتمام مع کونه ‏‎ ‎‏عادلاً فیما سبق، فلابدّ من أن یستصحب کون زید عادلاً واستصحاب عدالة زید ‏‎ ‎‏لا یثبت کون زید عادلاً.‏

‏فکذلک فی المقام؛ فإنّ أصالة عدم المانع یلازم عقلاً کون الصلاة بلا مانع. ‏

‏وبالجملة: لو قال المولی: صلّ خلف العادل، فما هو موضوع للحکم کون ‏‎ ‎‏الرجل عادلاً، وربما یترتّب الحکم علی المحمول المتقیّد بالموضوع کعدالة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 364
‏زید، کما إذا نذر التصدّق عند قیام الدلیل علی عدالته فلکلّ من الموضوعین أثر ‏‎ ‎‏ومقام، فلو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً عند الایتمام ـ مع کونه عادلاً ‏‎ ‎‏فیما سبق ـ ؛ فلابدّ له من أن یستصحب کونه عادلاً، ولکن استصحاب عدالة زید ‏‎ ‎‏لا یثبت کون زید عادلاً. ‏

‏ومن هنا قلنا فی محلّه: إنّ کون المرئة حائضاً موضوع للأثر، فلابدّ من ‏‎ ‎‏استصحابه لا استصحاب حیضیة الدم؛ فإنّه لا یثبت کونها حائضاً‏‎[2]‎‏، فتدبّر. ‏

‏فعلی هذا، المفید من الاستصحاب فی المقام استصحاب ما هو موضوع للأثر ‏‎ ‎‏وهو کون الصلاة بلا مانع أو الهیئة الاتّصالیة بلا قاطع، فیستصحب بقائها علی ‏‎ ‎‏هذه الحالة عند الشکّ فی طروّهما. ‏

‏وأمّا استصحاب عدم وقوع المانع فیها، أو عدم وقوع القاطع فی الهیئة ‏‎ ‎‏الاتّصالیة لا یثبت کون الصلاة بلا مانع أو کون الهیئة بلا قاطع. ‏

‏أقول: ولیعلم أنّ جریان هذا الاستصحاب فی المانع، والقاطع لا یحتاج إلی ‏‎ ‎‏إثبات الهیئة الاتّصالیة للصلاة کما ادّعی. نعم، لا یجری هذا الاستصحاب فیما ‏‎ ‎‏یقارن للصلاة من أوّل وجودها کاللباس المشکوک فیه، وإنّما یجری فی الطاری ‏‎ ‎‏المحتمل فی أثناء الصلاة. ‏

‏ثمّ إنّ جریان هذا الاستصحاب مبنیّ علی أنّ مانعیة الشیء أو قاطعیته راجعة ‏‎ ‎‏إلی أخذ عدمهما فی الصلاة بحیث یکون المأمور به الصلاة المقیّدة بعدمهما ‏‎ ‎‏کما هو المعروف فی معنی القاطع والمانع. ‏

‏وأمّا لو قلنا بأنّ کون الشیء مانعاً أو قاطعاً فلیس إلا کون وجوده مخرّباً ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 365
‏وهادماً للصلاة من دون أن یقع الشیء مورداً للأمر، ومن دون أن یکون مؤثّراً فی ‏‎ ‎‏حصول الغرض، کما هو الحال فی المانع التکوینی، فإنّ المؤثّر هو النار مثلاً، لا ‏‎ ‎‏النار مع عدم الرطوبة، وإنّما الرطوبة مخرّبة وهادمة لأثرها، فإذاً لا مجال لهذا ‏‎ ‎‏الاستصحاب؛ لأنّ المأمور به علی هذا لیست الصلاة المتّصفة بلا مانع ولا قاطع، ‏‎ ‎‏بل ذات الصلاة التی لا تجتمع فی نفس الأمر مع هذه الموانع والقواطع، وهو ‏‎ ‎‏لایحرز بالأصل، لأنّ أحد الضدّین لا یلازم شرعاً ثبوت الآخر، وهذا مثل إثبات ‏‎ ‎‏السکون لنفی الحرکة. ‏

‏هذا کلّه فی تصویر معنی القاطع والمانع وأنّ مرجعهما هل إلی أخذ العدم فی ‏‎ ‎‏الصلاة؛ بحیث یکون المأمور به الصلاة المتقیّدة بعدمهما أو إلی مخرّبیّة وجودها ‏‎ ‎‏وهادمیتها فی الصلاة من دون أخذه فی المأمور به؟ وأمّا استظهار أنّ المانع ‏‎ ‎‏والقاطع أیّهما، فیطلب من محلّه فارتقب حتّی حین. ‏

الوجه الثالث:‏ استصحاب الهیئة الاتّصالیة عند تحقّق زیادة الجزء‏

‏والهیئة الاتّصالیة أمر اعتباری وراء نفس الأجزاء یکون تحقّقها من أوّل ‏‎ ‎‏وجود المرکّب إلی آخره، فیصیر المرکّب بهذا الاعتبار أمراً وحدانیاً متّصلاً ‏‎ ‎‏کالموجودات غیر القارّة، کالزمان والحرکة، فإنّ کلّ واحد منهما أمر واحد ‏‎ ‎‏ممتدّ متّصل یوجد بأوّل جزء وینعدم بآخر جزئه بلا تخلّل عدم بینهما، ولا فرق ‏‎ ‎‏بینهما إلا أنّ الاتّصال فی المقام وفی الهیئة الاتّصالیة اعتباری وفی الزمان ‏‎ ‎‏والحرکة حقیقی. ‏

‏وإیّاک أن تتوهّم أنّ الهیئة الاتّصالیة هی الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب یقع ‏‎ ‎‏تحت دائرة الطلب أو فی اُفق الإرادة کما أشرنا إلیه فی مبحث الأقلّ والأکثر، ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 366
‏لأنّ الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب تجعل الاُمور المختلفة شیئاً واحداً یتعلّق به ‏‎ ‎‏أمر واحد وأمّا السکونات المتخلّلة بین الأجزاء، فتکون خارجة عن المرکّب. ‏

‏وأمّا الهیئة الاتّصالیة فتجعل تلک السکونات داخلة فی المرکّب لا علی نحو ‏‎ ‎‏سائر الأجزاء حتّی تکون فی عرضها، بل هی کخیط ینضمّ شتات الأجزاء ‏‎ ‎‏ویوصل بعضها ببعض، فیکون الآتی بالمرکّب داخلاً فیه من أوّله إلی آخره حتّی ‏‎ ‎‏فی السکونات المتخلّلة. ‏

‏واعتبار الهیئة الاتّصالیة فی المرکّب یحتاج إلی دلیل یدلّ علیها، وقد دلّ ‏‎ ‎‏الدلیل علیها فی الصلاة، فقد عبّرت روایات مستفیضة معتبرة عن جملة من ‏‎ ‎‏المبطلات بالقواطع کقوله علیه السلام: «‏الالتفات إذا کان بکلّه یقطع الصلاة‏»‏‎[3]‎‏. ‏

‏وقوله علیه السلام: لا یقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء والبول والریح والصوت‏‎[4]‎‏ إلی ‏‎ ‎‏غیر ذلک من الأخبار؛ فإنّها ظاهرة فی کونها قاطعة لنفس الصلاة، فلو لم تعتبر ‏‎ ‎‏للصلاة هیئة اتّصالیة لما کان وجه لاستعمال القاطع فیها کما لا یخفی. ‏

‏وقد استقرّ ارتکاز المتشرّعة علی ذلک فی الصلاة الکاشف قطعاً عن اعتبار ‏‎ ‎‏الشارع الهیئة الاتّصالیة فیها، فتری کلّ متشرّع یصلّی یری نفسه بتکبیرة الإحرام ‏‎ ‎‏داخلاً فی الصلاة إلی أن یخرج منها بالسلام حتّی فی السکونات المتخلّلة وهذا ‏‎ ‎‏أوضح دلیل علی اعتبار الهیئة الاتّصالیة فی الصلاة. ‏

‏وبالجملة: المصلّی بعد دخوله فی الصلاة إذا تخلّل بشیء فی الصلاة ‏‎ ‎‏بأن زاد جزءاً مثلاً فیها، فیشکّ عند ذلک فی بقاء الهیئة الاتّصالیة المعتبرة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
‏شرعاً فیها، فتستصحب، فتصحّ الصلاة. ‏

‏فظهر أنّ هذا الاستصحاب والاستصحاب المتقدّم متعاکسان فی الجریان ‏‎ ‎‏وعدمه، فتدبّر. ‏

‏استشکل المحقّق النائینی قدس سره علی استصحاب الهیئة الاتّصالیة بوجوه‏‎[5]‎‏ تعرّض ‏‎ ‎‏لها ولردّها سماحة الاُستاذ فی الدورة السابقة ومن أراد فلیراجع أنوار الهدایة‏‎[6]‎‏. ‏

الوجه الرابع: ‏استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء بعد وقوع ما یشکّ فی ‏‎ ‎‏قاطعیته أو مانعیته، ومعنی الصحّة التأهّلیة: أنّ الأجزاء السابقة تکون لها حیثیة ‏‎ ‎‏استعدادیة للحوق الأجزاء اللاحقة ولم تخرج بواسطة تخلّل ما یشکّ فی قاطعیته ‏‎ ‎‏أو مانعیته عن تلک الحیثیة ولم یبطل الاستعداد بواسطته. ‏

‏إذا تمهّد لک ما ذکرنا فی معنی الصحّة التأهّلیة للأجزاء، یظهر لک ضعف ما ‏‎ ‎‏أفاده المحقّق النائینی فی المقام أوّلاً: من أنّ استصحاب الصحّة التأهّلیة ‏‎ ‎‏استصحاب تعلیقی؛ لأنّ معنی الصحّة التأهّلیة هو أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون ‏‎ ‎‏الصلاة صحیحة ولا مجال لجریان الاستصحاب التعلیقی کما سیأتی بیانه. ‏

‏وثانیاً: أنّ معنی الصحّة التأهّلیة حیث یکون أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون ‏‎ ‎‏الصلاة صحیحة وهذا المعنی فرع وقوع الأجزاء، السابقة صحیحة وهذا ممّا یقطع ‏‎ ‎‏به، فلا شکّ حتّی یجری الاستصحاب.‏‎[7]‎

‏توضیح الضعف ما أشرنا إلیه من أنّ الصحّة التأهّلیة هی الحیثیة الاستعدادیة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368
‏المعتبرة فی الأجزاء السابقة لتأهّل لحوق البقیة إلیها وهذا أمر مشکوک فیه ‏‎ ‎‏وواضح أنّه لا یکون تعلیقیاً. ‏

‏فظهر صحّة جریان استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء عند طروّ ما یشکّ فی ‏‎ ‎‏قاطعیتها أو مانعیتها. ‏

‏نعم، یتوجّه علی هذا الاستصحاب أنّ أصالة بقاء الاستعداد فی الأجزاء ‏‎ ‎‏السابقة لا یثبت ربط الأجزاء اللاحقة بها وتحقّق الصحّة الفعلیة إلا علی القول ‏‎ ‎‏بالأصل المثبت. ‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ مقتضی القاعدة فیما إذا شکّ فی مانعیة الزائد أو ‏‎ ‎‏قاطعیته عدم بطلان العمل، فیکون الأصل فی ظرف زیادة الجزء عدم الرکنیة إلا ‏‎ ‎‏أن یقوم دلیل علی خلافه. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369

  • . اُنظر: درر الفوائد، المحقّق الحائری: 493.
  • . الطهارة، الإمام الخمینی 1: 98.
  • . وسائل الشیعة 7: 244، کتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحدیث 3.
  • . وسائل الشیعة 7: 223، کتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 4، الحدیث 2.
  • . فوائد الاُصول 4: 235 ـ 238.
  • . راجع: أنوار الهدایة 2: 355 ـ 358.
  • . فوائد الاُصول 4: 232 ـ 233.