المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

البحث فی صحّة العبادة وبطلانها لو ترک الفحص

البحث فی صحّة العبادة وبطلانها لو ترک الفحص

‏وأمّا الکلام فی صحّة العبادة وبطلانها لو ترک الفحص مع حکم العقل‏‎ ‎‏بوجوبه، فنقول : لا إشکال فی وجوب إعادة الصلاة فیما لو أتی بما یخالف الواقع‏‎ ‎‏المأمور به، لانکشاف الخلاف، کما لو قطع بالحکم أو قامت الأمارة علیه، فانکشف‏‎ ‎‏الخلاف بعد العمل علی طبقهما، وکذلک لو اعتمد فی عمله علی الحجج والأمارات‏‎ ‎‏العقلائیّة، مثل خبر الواحد ونحوه التی لم یردع عنها الشارع، ومثل متابعة فتوی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 630
‏الفقیه لو قلنا: إنّه طریق عقلائیّ، فالحقّ فی جمیع تلک الموارد عدم الإجزاء، کما‏‎ ‎‏تقدّم الکلام فیه فی مسألة الإجزاء، فإذا کان الحکم کذلک هناک فما نحن فیه أولی‏‎ ‎‏بذلک؛ أی عدم الإجزاء ووجوب الإعادة؛ حیث إنّه خالف الواقع بلا عذر، مع ترکه‏‎ ‎‏الفحص الواجب علیه تقصیراً، لکن استُثنی من ذلک موردان :‏

أحدهما :‏ الإتمام فی موضع القصر جهلاً.‏

ثانیهما :‏ الجهر فی موضع الإخفات فی القراءة، وبالعکس.‏

‏فإنّهم حکموا بعدم وجوب الإعادة ولو علم به فی الوقت، مع استحقاقه‏‎ ‎‏للعقوبة من حیث تقصیره فی ترک التعلّم والفحص الواجب علیه، کما تقدّم نظیره فی‏‎ ‎‏حدیث (‏لاتُعاد‏)، وتقدّم : أنّه لا منافاة عقلاً بین الحکم بالإجزاء لو أخلّ بغیر‏‎ ‎‏الخمسة جهلاً عن تقصیر، وبین الحکم باستحقاقه للعقوبة، بل فی صورة العمد أیضاً‏‎ ‎‏لولا الانصراف عنها.‏

وقد اُورد علی ذلک :‏ بأنّه لایمکن قصر وجوب الجهر والإخفات، أو القصر‏‎ ‎‏للمسافر ، بصورة العلم بها؛ لأنّه ـ مضافاً إلیٰ استلزامه الدور ـ خلاف الضرورة،‏‎ ‎‏ولهذا تصحّ صلاة المسافر الجاهل بوجوب القصر لو قصّر غفلةً، فإنّها تُجزیه بلا‏‎ ‎‏إشکال، فالمصلّی جهراً فی موضع الإخفات أو بالعکس، أو المسافر تماماً جاهلاً‏‎ ‎‏بالحکم عن تقصیر، یستحقّ العقوبة، لکن قام النصّ والإجماع علی صحّة صلاته‏‎ ‎‏وعدم وجوب الإعادة وإن علم بالحکم فی الوقت، وحینئذٍ فیرد الإشکال ‏تارة‏: بأنّه‏‎ ‎‏مع الحکم بصحّة الصلاة المذکورة، وأنّها مأمور بها، لا وجه لاستحقاقه العقوبة، وإن‏‎ ‎‏لم تکن مأموراً بها فلا وجه للحکم بصحّة الصلاة.‏

‏وبعبارة اُخری : أنّ الصلاة المذکورة : إن کانت وافیة بتمام الملاک والمصلحة‏‎ ‎‏فهی صحیحة؛ لعدم النقصان فیها حینئذٍ، ومعه لا وجه لاستحقاقه العقوبة، وإن لم‏‎ ‎‏تکن وافیة بتمام المصلحة والملاک فلا وجه للحکم بصحّتها.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 631
واُخریٰ :‏ بأنّه کیف یمکن القول باستحقاقه العقوبة مع بقاء الوقت، وتمکّنه من‏‎ ‎‏الإعادة، وإیقاع الصلاة تامّة، والإتیان بالمأمور به.‏

والحقّ فی الجواب :‏ هو ما ذکره صاحب الکفایة: من أنّه إنّما حکم بالصحّة‏‎ ‎‏فی المفروض لاشتمالها علی المصلحة التامّة اللاّزمة الاستیفاء المهمّة فی نفسها،‏‎ ‎‏وإن کانت دون مصلحة الجهر فی موضعه والإخفات فی موضعه والقصر، وإنّما لم‏‎ ‎‏یؤمر بها للأمر بما هی واجدة لتلک المصلحة بنحو الأتمّ الأکمل.‏

‏وأمّا الحکم باستحقاقه للعقوبة فإنّه بعد استیفاء الناقصة تکون الکاملة بلا‏‎ ‎‏فائدة، وغیر قابلة الاستیفاء، ولایمکن تدارکها مع کونها ملزمة، وأنّه لایتمکّن من‏‎ ‎‏القصر بعد الإتیان بها تماماً، ولا من الجهر فی موضعه بعد الإخفات ولو مع بقاء‏‎ ‎‏الوقت... إلی آخر ما ذکر فی الجواب عن الإشکالین اللذین أوردهما علی نفسه‏‎[1]‎‏،‏‎ ‎‏فراجع، فإنّه صحیح متین یندفع به کلا الإیرادین.‏

ولکن أورد علیه المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ :‏‏ بأنّه متمکّن من الإتیان بالصلاة المأمور‏‎ ‎‏بها وإعادتها بالوجدان، فکیف یمکن الحکم بأنّه لایتمکّن من ذلک‏‎[2]‎‏؟!‏

وفیه :‏ أنّ المراد هو القدرة علی الصلاة المأمور بها المشتملة علی المصلحة‏‎ ‎‏التامّة، لا علی صورة الصلاة وإن لم تشتمل علیها، وهو متمکّن من صورة الصلاة‏‎ ‎‏الغیر المشتملة علی المصلحة، وأمّا المشتملة علی المصلحة فهو لایقدر علیها.‏

ثمّ إنّه ذکر لبیان تصحیح الصلاة‏ فی المفروض وجوهاً اُخر:‏

الوجه الأوّل :‏ أنّه من قبیل تعدّد المطلوب، وأنّ طبیعة الصلاة مطلوبة، ومع‏‎ ‎‏خصوصیّة القصر ـ مثلاً ـ مطلوبة بطلب آکد من الاُولی ، لکن لابنحو یتعلّق بالصلاة‏‎ ‎‏أمران وإرادتان فی مقام الأمر والإرادة، بل الإرادة والبعث متعلّقان بأصل الصلاة،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 632
‏ویکون البعث إلیها مع خصوصیة القصر آکد‏‎[3]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ هذا ظاهر الفساد؛ لأنّ المقصود هو أنّ الصلاة المأمور بها تامّة هی‏‎ ‎‏المبعوث إلیها، فلا محیص عن القول بتعلّق الأمر الواحد بالجامع بما هو جامع‏‎ ‎‏وخصوص فرد من الصلاة قصراً بخصوصیّة القصریّة، وبما هو قسم للجامع المذکور‏‎ ‎‏تعلّق به أمرٌ آخر، فیلزم تعلّق أمرین بخصوص هذا الفرد القصریّ، وأمّا التامّ بما أنّه‏‎ ‎‏تامّ فلم یتعلّق أمر به، ولا یلتزم هذا القائل به أیضاً، فما ذکره من عدم تعلّق أمرین‏‎ ‎‏بخصوص الفرد، بل أمر واحد أکید، غیر صحیح.‏

الوجه الثانی :‏ أنّ هنا أمرین : أحدهما متعلّق بالجامع؛ أی طبیعة الصلاة‏‎ ‎‏الجامعة بین الأفراد، والآخر بخصوص القصر بما هو قصر، وهو المطلوب الأعلی،‏‎ ‎‏وأمّا الأمر الأوّل فهو متعلّق بأصل الصلاة فیما لو جهل بوجوب القصر للمسافر أو‏‎ ‎‏بمصداقیّته لهذا الجامع، وأمّا مع العلم بوجوب القصر فهو المصداق له فقط‏‎[4]‎‏.‏

فإن قلت :‏ إنّ الأمر المتعلّق بالجامع یسری إلی الأفراد أیضاً، فیلزم أن یکون‏‎ ‎‏القصر بما هو قصر متعلَّقاً لأمرین وإرادتین مستقلّتین ، وهو محالٌ؛ لأنّه من قبیل‏‎ ‎‏اجتماع المثلین.‏

قلت :‏ قد تقدّم فی مبحث المطلق والمقیّد أنّ معنی المطلق هو أنّ الأمر متعلّق‏‎ ‎‏بنفس الطبیعة، ولیس معناها سواء کان کذا أم کذا. نعم یتّحد المطلق مع الأفراد‏‎ ‎‏الخارجیّة فی الخارج، فلیس مرجع الأمر المتعلّق بالطبیعة إلی الأمر بهذه‏‎ ‎‏الخصوصیّة الفردیّة، ومجرّد اتّحادها مع الفرد فی الخارج لایوجب إسراء الحکم من‏‎ ‎‏أحدهما إلی الآخر، کما قرّر ذلک فی مبحث  اجتماع الأمر والنهی. نعم لو تعلّق‏‎ ‎‏الأمر بالعامّ الاستغراقی فهو یرجع إلی الأمر بالأفراد.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 633
وبالجملة :‏ الأمر الأوّل متعلّق بنفس الطبیعة من دون أن یسری إلی الأفراد،‏‎ ‎‏فلایلزم تعلّق أمرین مستقلّین بشیء واحد، وهو خصوص الفرد.‏

نعم یتوجّه هنا البحث المتقدّم فی مسألة اجتماع الأمر والنهی :‏ من أنّه هل‏‎ ‎‏یختصّ دفع غائلة الاجتماع بتعدُّد العنوانین فیما لو کان بینهما العموم من وجه أو‏‎ ‎‏العموم والخصوص الموردی، وأمّا العموم والخصوص العنوانی ـ وهو ما لو اُخذ‏‎ ‎‏المطلق فی مفهوم المقیّد، کالرقبة والرقبة المؤمنة ـ فلایندفع فیهما غائلة اجتماع‏‎ ‎‏الضدّین؛ لعدم تعدّد العنوانین، ولیس ملاک الجواز متحقِّقاً فیه.‏

‏فإنّ نظیر هذا الکلام واقع فیما نحن فیه؛ لأنّه لا تغایر بین نفس الطبیعة والفرد‏‎ ‎‏بحسب العنوان، بل الفرد نفس الطبیعة مع خصوصیّات وتشخّصات فردیّة، فکما‏‎ ‎‏یستحیل تعلّق الإرادة والبعث بنفس الطبیعة وإرادة زجریّة بفردها، کذلک یستحیل‏‎ ‎‏تعلّق إرادتین بعثیّتین إیجابیّتین مستقلّتین بهما.‏

ویمکن دفع هذا الإشکال :‏ بأنّه علی فرض امتناع اجتماع الأمر والنهی فی‏‎ ‎‏هذا الفرض، یمکن أن یقال: بجواز اجتماع الأمرین فی المقام؛ لعدم استلزامه‏‎ ‎‏اجتماع المثلین، لعدم التماثل بین الأحکام؛ ألا تری أنّه قد تکون طبیعة الماء‏‎ ‎‏مطلوبة لرفع العطش بشربها ودفع ضرره، وطبیعة الماء فی ظرفٍ خاصّ ـ نظیفٍ‏‎ ‎‏مثلاً ـ أیضاً مطلوبة.‏

والحاصل :‏ أنّه لاتنافی بین المطلوبتین، بخلاف المطلوبیّة والمبغوضیّة؛‏‎ ‎‏لوضوح التنافی بین مطلوبیّة الطبیعة ومبغوضیّة الطبیعة المقیّدة.‏

ولکن الإشکال فی المقام :‏ هو أنّ القائل بهذا الوجه وکذا الوجه الآتی ـ أی‏‎ ‎‏الترتُّب ـ بصدد تصحیح العبادة؛ أی التمام فی موضع القصر جهلاً، أو الجهر فی‏‎ ‎‏موضع الإخفات، وکذلک العکس جهلاً، ومجرّد إثبات وجود الأمر واقعاً لایفید‏‎ ‎‏ولایثبت ذلک ـ أی صحة الصلاة مع جهل المکلّف به ـ ؛ فإنّ المناط فی صحّة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 634
‏العبادة هو وجود الأمر الذی هو منشأ الانبعاث المکلّف بمبادئه الخاصّة، والانبعاث‏‎ ‎‏عنه إنّما یتحقّق مع علمه به، وأمّا لو جهل بوجوده واقعاً ـ کما هو المفروض فی ما‏‎ ‎‏نحن فیه ـ فلیس العبد منبعثاً عنه لتصحّ العبادة.‏

‏نعم یندفع هذا الإشکال لو اُرید إثبات الأمر بعنوان التمام بخصوصه، کما‏‎ ‎‏سیأتی بیانه، لکن هذا الوجه غیر ذلک.‏

الوجه الثالث :‏ ما عن الشیخ کاشف الغطاء ‏‏قدس سره‏‏ من تصویر الأمر بالتمام؛ أی‏‎ ‎‏فاقد الخصوصیّة بنحو الترتّب، وحاصله: أنّ المأمور به أوّلاً هو الصلاة المقصورة،‏‎ ‎‏وعلی فرض الجهل بحکم القصر ولو تقصیراً وعصیاناً، فالمأمور به هو الفاقد‏‎ ‎‏للخصوصیّة؛ أی التمام‏‎[5]‎‏.‏

‏واُورد علیه :‏

أوّلاً کبرویّاً :‏ بعدم صحّة القول بالترتّب‏‎[6]‎‏.‏

وثانیاً صغرویّاً:‏ بعدم صحّته فی خصوص المقام.‏

أمّا الأوّل :‏ وقد تقدّم الکلام فیه مفصّلاً، ولا نعیده.‏

وأمّا الثانی :‏ فأنکر المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ أنّ ما نحن فیه من صُغریات مسألة‏‎ ‎‏الترتُّب؛ لأنّه یعتبر فی الترتُّب وجود ملاک الحکم بتمامه فی کلّ واحد من الأمرین،‏‎ ‎‏کالأمر بإنقاذ الغریقین الأهمّ والمهمّ، فإنّ ملاک الأمر موجود ومتحقّق فیهما، لکن‏‎ ‎‏حیث لایتمکّن المکلّف من إنقاذهما معاً قلنا: بأنّ المهمّ مأمور به بنحو الترتُّب؛ یعنی‏‎ ‎‏أنّه مأمور بإنقاذ الأهمّ أوّلاً، وعلی فرض عصیانه له فهو مأمور بإنقاذ المهمّ،‏‎ ‎‏والمکلّف فیما نحن فیه متمکّن من الجمع بین صلاة الظهر تماماً وقصراً، وحیث إنّه‏‎ ‎‏لا تنافی ولاتضادّ بینهما لابدّ أن یتعلّق الأمر بهما، وعدم تعلّق الأمر بهما معاً یکشف‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 635
‏بنحو القطع عن عدم وجود الملاک فیهما معاً.‏

‏فالفرق بین ما نحن فیه ومسألة الترتّب من وجهین :‏

أحدهما :‏ عدم التضادّ بین الأمرین وإمکان الجمع بینهما فی ما نحن فیه، مع‏‎ ‎‏اعتبار التضادّ وعدم إمکان الجمع بین الأمرین فی الامتثال فی مسألة الترتّب.‏

ثانیهما :‏ اعتبار وجود الملاک التامّ فی الأمرین فی الترتُّب، بخلاف المقام.‏

‏مضافاً إلی أنّه یعتبر فی الخطاب الترتُّبی أن یکون خطاب المهمّ مشروطاً‏‎ ‎‏بعصیان خطاب الأهمّ، ولا یمکن ذلک فیما نحن فیه؛ إذ لایعقل أن یخاطَب التارک‏‎ ‎‏للقصر بعنوان العاصی، فإنّه غیر ملتفِت إلی هذا العنوان لجهله بالحکم، ولو التفت‏‎ ‎‏إلی جهله وعصیانه یخرج عن عنوان الجاهل، فلا تصحّ منه الصلاة التامّة، فلا‏‎ ‎‏یندرج تحت صُغری الترتّب، وکأنّ الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ اعترف وسلّم اندراج ما نحن فیه فی‏‎ ‎‏صغری الترتُّب، ومَنع الکبری.‏

وفیه :‏ أنّا لا نعقل الترتُّب فی المقام‏‎[7]‎‏. انتهی.‏

أقول : أمّا ما ذکره :‏ من أنّه یعتبر فی الترتُّب وجود الملاک التامّ فی کلّ واحد‏‎ ‎‏من الأمرین، ففیه :‏

‏أنّه إن أراد أنّه یعتبر أن یکون الأمران ذوی ملاک تامّ فی عرض واحد، ففیه‏‎ ‎‏أنّا لا نُسلّم اعتبار ذلک فی الترتُّب ؛ أی اشتمال کلّ واحد منهما علی ملاک تامّ فی‏‎ ‎‏عرض واحد، فلا یعتبر فی الترتُّب ذلک.‏

‏وإنْ أراد أنّهما ـ أی القصر والتمام فیما نحن فیه ـ لایشتملان علی الملاک‏‎ ‎‏حتی فی الطول أیضاً، فهو ممنوعٌ؛ للإجماع علی صحّة الصلاة التامّة بدل القصر‏‎ ‎‏جهلاً بالحکم، وکذلک المجهورة فی موضع الإخفاتیّة، وبالعکس، وهو کاشف عن‏‎ ‎‏وجود الملاک فی التمام فی صورة الجهل بالحکم، لکن لا فی عرض وجود الملاک‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 636
‏فی القصر، وهو کافٍ فی الترتُّب.‏

وأمّا ما ذکره :‏ من عدم التضادّ المعتبر فی الترتُّب فیما نحن فیه؛ لتمکّن‏‎ ‎‏المکلّف من الإتیان بالقصر بعد الإتیان بالتمام.‏

‏ففیه : أنّ المقدور فی المقام هو الجمع بین التمام وصورة الصلاة المقصورة‏‎ ‎‏جهلاً، لا علی القصر المشتملة علی المصلحة والملاک بعد صلاة التمام جهلاً،‏‎ ‎‏فالتضادّ بینهما متحقّق، کما ذکره المحقّق الخراسانی فی «الکفایة»‏‎[8]‎‏؛ لأنّه مع‏‎ ‎‏الإتیان بالصلاة التامّة یتدارک المصلحة الصلاتیة، ویسقط الأمر بالقصر حینئذٍ.‏

وأمّا ما ذکره :‏ من أنّه یُعتبر فی الترتُّب اشتراط الأمر بالمهمّ بعصیان الأمر‏‎ ‎‏بالأهمّ، ولایعقل العصیان فی المقام.‏

‏ففیه : أنّا لا نُسلّم اعتبار ذلک فی الترتُّب ، بل یمکن أن یقال: إنّ المعتبر فیه‏‎ ‎‏ترتُّب الأمر بالمهمّ علی مخالفة الأمر بالأهمّ، وهو متحقّق فیما نحن فیه، فإنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّ المکلّف خالَفَ الأمر بالقصر، إلاّ أنّه غیر ملتفت إلی هذه المخالفة‏‎ ‎‏وغافل عنها، وهو غیر ضائر فی الترتُّب.‏

هذا ، لکن بقی هنا إشکال أوردناه‏ علی صحّة أصل الترتّب : وهو أنّه لو کان‏‎ ‎‏الأمر بالتمام مشروطاً بمخالفة أمر الأهمّ أو عصیانه ، فإنّه یتوقّف علی مُضیّ الوقت‏‎ ‎‏بمقدار لایمکنه الإتیان بالأهمّ؛ ضرورة أنّ الوقت مادام باقیاً لم تتحقّق المخالفة بعدُ،‏‎ ‎‏ومع خروج الوقت لا معنی للأمر بالمهمّ؛ لخروج وقته أیضاً؛ لما تقدّم سابقاً من أنّه‏‎ ‎‏لایعقل الترتُّب إلاّ فی المضیَّقین.‏

‏وإن قلنا : بأنّ الأمر بالمهمّ مشروطٌ بامتناع استیفاء مصلحة الأهمّ، فلایمتنع‏‎ ‎‏استیفاء مصلحته إلاّ بعد مضیّ الوقت ومعه یستحیل الأمر بالمهمّ.‏

‏وهذا الإشکال جارٍ فیما نحن فیه أیضاً، فإنّ مخالفة الأمر بالقصر لاتتحقّق‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 637
‏إلاّ بعد خروج الوقت أو مضیّه بمقدار لایمکنه الإتیان بالقصر، ومعه لایعقل الأمر‏‎ ‎‏بالتمام حینئذٍ.‏

ولکن یمکن دفع هذا الإشکال‏ فیما نحن فیه؛ حیث إنّ موضوع الأمر بالمهمّ‏‎ ‎‏فی مسألة الترتُّب : إمّا العصیان، أو الذی یعصی، وکلّ واحدٍ منهما لا یتحقّق إلاّ بعد‏‎ ‎‏مضیّ الوقت بمقدارٍ لایمکنه الإتیان به، ومعه لامعنی للأمر بالمهمّ أیضاً؛ لانقضاء‏‎ ‎‏وقته، وموضوع الأمر بالتمام فیما نحن فیه هو عنوان «الذی لم یأتِ بالقصر، والذی‏‎ ‎‏تعلّق به الأمر المطلق»، فمع صدق هذا العنوان یتحقّق موضوع الأمر بالتامّ وملاکه.‏

والحاصل :‏ أنّ القصر وملاکه علی نحو الإطلاق وملاک التمام مقیّد بعدم‏‎ ‎‏الإتیان بالقصر جهلاً.‏

بقی فی المقام إشکالان آخران‏ لایمکن الذبّ عنهما :‏

الأوّل :‏ أنّه قد تقدّم فی مسألة الترتُّب : أنّه لو ترک الإتیان بالأهمّ والمهمّ‏‎ ‎‏کلیهما فهو مستحقّ لعقوبتین؛ لترکه کلّ واحدٍ منهما بلا عذرٍ، وفیما نحن فیه لیس‏‎ ‎‏کذلک، فإنّه لو ترکهما ـ أی القصر والإتمام ـ فإن قلنا باستحقاقه لعقوبة واحدة، فهو‏‎ ‎‏خلاف حکم العقل فی مسألة الترتّب؛ لما عرفت من حکمه باستحقاقه لعقوبتین.‏

‏وإن قلنا : باستحقاقه لعقوبتین فهو خلاف الإجماع .‏

الثانی :‏ أنّه إن کان عنوانُ التمام المترتّب علی «الذی یعصی الأمر بالقصر» ذا‏‎ ‎‏ملاک ومصلحة، فلابدّ أن یلتزم بأنّ هناک أمرین: أحدهما متعلّق بالقصر، والآخر‏‎ ‎‏بالتمام، مع عدم تمکّنه من الإتیان بهما مع وجود الملاک فی کلّ واحدٍ منهما، وإن‏‎ ‎‏أمکن الإتیان بصورتیهما فالإشکال فی أصل الترتُّب آتٍ هنا أیضاً.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 638

هذا تمام الکلام فی مباحث القطع والظنّ والبراءة‎ ‎والاشتغال، ویتلوه البحث فی الاستصحاب والتعادل والترجیح‎ ‎والاجتهاد والتقلید إن شاء الله تعالیٰ.

‏تقریراً لمباحث اُستاذنا الأعظم ومولانا الأفخم آیة الله ‏‎ ‎‏العظمی الحاج السیّد روح الله الموسوی الخمینی أدام الله أیّام‏‎ ‎‏إفاضاته، ومتّع الله المسلمین بطول بقائه آمین.‏

‏سنة أربعٍ وسبعین بعد ثلاثمائة والألف من الهجرة النبویّة‏‎ ‎‏بالسنین القمریة.‏

‏بقلم العبد الفانی الفقیر إلی رحمة الباری تعالی حسین بن‏‎ ‎‏یحیی التقوی الاشتهاردی مولداً والقمّی مسکناً عفی عنهما .‏

‏والحمد لله ربّ العالمین، وصلّی الله علی محمّد وآله أجمعین.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 639

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 640

  • )) کفایة الاُصول: 428 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 291 ـ 292 .
  • )) اُنظر نهایة الدرایة 2 : 314 سطر20.
  • )) اُنظر نهایة الأفکار 3 : 484 ـ 485 .
  • )) کشف الغطاء : 27 سطر22 .
  • )) فرائد الاُصول : 309 سطر 8 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 293 .
  • )) کفایة الاُصول : 429 .