البحث فی صحّة العبادة وبطلانها لو ترک الفحص
وأمّا الکلام فی صحّة العبادة وبطلانها لو ترک الفحص مع حکم العقل بوجوبه، فنقول : لا إشکال فی وجوب إعادة الصلاة فیما لو أتی بما یخالف الواقع المأمور به، لانکشاف الخلاف، کما لو قطع بالحکم أو قامت الأمارة علیه، فانکشف الخلاف بعد العمل علی طبقهما، وکذلک لو اعتمد فی عمله علی الحجج والأمارات العقلائیّة، مثل خبر الواحد ونحوه التی لم یردع عنها الشارع، ومثل متابعة فتوی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 630
الفقیه لو قلنا: إنّه طریق عقلائیّ، فالحقّ فی جمیع تلک الموارد عدم الإجزاء، کما تقدّم الکلام فیه فی مسألة الإجزاء، فإذا کان الحکم کذلک هناک فما نحن فیه أولی بذلک؛ أی عدم الإجزاء ووجوب الإعادة؛ حیث إنّه خالف الواقع بلا عذر، مع ترکه الفحص الواجب علیه تقصیراً، لکن استُثنی من ذلک موردان :
أحدهما : الإتمام فی موضع القصر جهلاً.
ثانیهما : الجهر فی موضع الإخفات فی القراءة، وبالعکس.
فإنّهم حکموا بعدم وجوب الإعادة ولو علم به فی الوقت، مع استحقاقه للعقوبة من حیث تقصیره فی ترک التعلّم والفحص الواجب علیه، کما تقدّم نظیره فی حدیث (لاتُعاد)، وتقدّم : أنّه لا منافاة عقلاً بین الحکم بالإجزاء لو أخلّ بغیر الخمسة جهلاً عن تقصیر، وبین الحکم باستحقاقه للعقوبة، بل فی صورة العمد أیضاً لولا الانصراف عنها.
وقد اُورد علی ذلک : بأنّه لایمکن قصر وجوب الجهر والإخفات، أو القصر للمسافر ، بصورة العلم بها؛ لأنّه ـ مضافاً إلیٰ استلزامه الدور ـ خلاف الضرورة، ولهذا تصحّ صلاة المسافر الجاهل بوجوب القصر لو قصّر غفلةً، فإنّها تُجزیه بلا إشکال، فالمصلّی جهراً فی موضع الإخفات أو بالعکس، أو المسافر تماماً جاهلاً بالحکم عن تقصیر، یستحقّ العقوبة، لکن قام النصّ والإجماع علی صحّة صلاته وعدم وجوب الإعادة وإن علم بالحکم فی الوقت، وحینئذٍ فیرد الإشکال تارة: بأنّه مع الحکم بصحّة الصلاة المذکورة، وأنّها مأمور بها، لا وجه لاستحقاقه العقوبة، وإن لم تکن مأموراً بها فلا وجه للحکم بصحّة الصلاة.
وبعبارة اُخری : أنّ الصلاة المذکورة : إن کانت وافیة بتمام الملاک والمصلحة فهی صحیحة؛ لعدم النقصان فیها حینئذٍ، ومعه لا وجه لاستحقاقه العقوبة، وإن لم تکن وافیة بتمام المصلحة والملاک فلا وجه للحکم بصحّتها.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 631
واُخریٰ : بأنّه کیف یمکن القول باستحقاقه العقوبة مع بقاء الوقت، وتمکّنه من الإعادة، وإیقاع الصلاة تامّة، والإتیان بالمأمور به.
والحقّ فی الجواب : هو ما ذکره صاحب الکفایة: من أنّه إنّما حکم بالصحّة فی المفروض لاشتمالها علی المصلحة التامّة اللاّزمة الاستیفاء المهمّة فی نفسها، وإن کانت دون مصلحة الجهر فی موضعه والإخفات فی موضعه والقصر، وإنّما لم یؤمر بها للأمر بما هی واجدة لتلک المصلحة بنحو الأتمّ الأکمل.
وأمّا الحکم باستحقاقه للعقوبة فإنّه بعد استیفاء الناقصة تکون الکاملة بلا فائدة، وغیر قابلة الاستیفاء، ولایمکن تدارکها مع کونها ملزمة، وأنّه لایتمکّن من القصر بعد الإتیان بها تماماً، ولا من الجهر فی موضعه بعد الإخفات ولو مع بقاء الوقت... إلی آخر ما ذکر فی الجواب عن الإشکالین اللذین أوردهما علی نفسه، فراجع، فإنّه صحیح متین یندفع به کلا الإیرادین.
ولکن أورد علیه المیرزا النائینی قدس سره : بأنّه متمکّن من الإتیان بالصلاة المأمور بها وإعادتها بالوجدان، فکیف یمکن الحکم بأنّه لایتمکّن من ذلک؟!
وفیه : أنّ المراد هو القدرة علی الصلاة المأمور بها المشتملة علی المصلحة التامّة، لا علی صورة الصلاة وإن لم تشتمل علیها، وهو متمکّن من صورة الصلاة الغیر المشتملة علی المصلحة، وأمّا المشتملة علی المصلحة فهو لایقدر علیها.
ثمّ إنّه ذکر لبیان تصحیح الصلاة فی المفروض وجوهاً اُخر:
الوجه الأوّل : أنّه من قبیل تعدّد المطلوب، وأنّ طبیعة الصلاة مطلوبة، ومع خصوصیّة القصر ـ مثلاً ـ مطلوبة بطلب آکد من الاُولی ، لکن لابنحو یتعلّق بالصلاة أمران وإرادتان فی مقام الأمر والإرادة، بل الإرادة والبعث متعلّقان بأصل الصلاة،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 632
ویکون البعث إلیها مع خصوصیة القصر آکد.
وفیه : أنّ هذا ظاهر الفساد؛ لأنّ المقصود هو أنّ الصلاة المأمور بها تامّة هی المبعوث إلیها، فلا محیص عن القول بتعلّق الأمر الواحد بالجامع بما هو جامع وخصوص فرد من الصلاة قصراً بخصوصیّة القصریّة، وبما هو قسم للجامع المذکور تعلّق به أمرٌ آخر، فیلزم تعلّق أمرین بخصوص هذا الفرد القصریّ، وأمّا التامّ بما أنّه تامّ فلم یتعلّق أمر به، ولا یلتزم هذا القائل به أیضاً، فما ذکره من عدم تعلّق أمرین بخصوص الفرد، بل أمر واحد أکید، غیر صحیح.
الوجه الثانی : أنّ هنا أمرین : أحدهما متعلّق بالجامع؛ أی طبیعة الصلاة الجامعة بین الأفراد، والآخر بخصوص القصر بما هو قصر، وهو المطلوب الأعلی، وأمّا الأمر الأوّل فهو متعلّق بأصل الصلاة فیما لو جهل بوجوب القصر للمسافر أو بمصداقیّته لهذا الجامع، وأمّا مع العلم بوجوب القصر فهو المصداق له فقط.
فإن قلت : إنّ الأمر المتعلّق بالجامع یسری إلی الأفراد أیضاً، فیلزم أن یکون القصر بما هو قصر متعلَّقاً لأمرین وإرادتین مستقلّتین ، وهو محالٌ؛ لأنّه من قبیل اجتماع المثلین.
قلت : قد تقدّم فی مبحث المطلق والمقیّد أنّ معنی المطلق هو أنّ الأمر متعلّق بنفس الطبیعة، ولیس معناها سواء کان کذا أم کذا. نعم یتّحد المطلق مع الأفراد الخارجیّة فی الخارج، فلیس مرجع الأمر المتعلّق بالطبیعة إلی الأمر بهذه الخصوصیّة الفردیّة، ومجرّد اتّحادها مع الفرد فی الخارج لایوجب إسراء الحکم من أحدهما إلی الآخر، کما قرّر ذلک فی مبحث اجتماع الأمر والنهی. نعم لو تعلّق الأمر بالعامّ الاستغراقی فهو یرجع إلی الأمر بالأفراد.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 633
وبالجملة : الأمر الأوّل متعلّق بنفس الطبیعة من دون أن یسری إلی الأفراد، فلایلزم تعلّق أمرین مستقلّین بشیء واحد، وهو خصوص الفرد.
نعم یتوجّه هنا البحث المتقدّم فی مسألة اجتماع الأمر والنهی : من أنّه هل یختصّ دفع غائلة الاجتماع بتعدُّد العنوانین فیما لو کان بینهما العموم من وجه أو العموم والخصوص الموردی، وأمّا العموم والخصوص العنوانی ـ وهو ما لو اُخذ المطلق فی مفهوم المقیّد، کالرقبة والرقبة المؤمنة ـ فلایندفع فیهما غائلة اجتماع الضدّین؛ لعدم تعدّد العنوانین، ولیس ملاک الجواز متحقِّقاً فیه.
فإنّ نظیر هذا الکلام واقع فیما نحن فیه؛ لأنّه لا تغایر بین نفس الطبیعة والفرد بحسب العنوان، بل الفرد نفس الطبیعة مع خصوصیّات وتشخّصات فردیّة، فکما یستحیل تعلّق الإرادة والبعث بنفس الطبیعة وإرادة زجریّة بفردها، کذلک یستحیل تعلّق إرادتین بعثیّتین إیجابیّتین مستقلّتین بهما.
ویمکن دفع هذا الإشکال : بأنّه علی فرض امتناع اجتماع الأمر والنهی فی هذا الفرض، یمکن أن یقال: بجواز اجتماع الأمرین فی المقام؛ لعدم استلزامه اجتماع المثلین، لعدم التماثل بین الأحکام؛ ألا تری أنّه قد تکون طبیعة الماء مطلوبة لرفع العطش بشربها ودفع ضرره، وطبیعة الماء فی ظرفٍ خاصّ ـ نظیفٍ مثلاً ـ أیضاً مطلوبة.
والحاصل : أنّه لاتنافی بین المطلوبتین، بخلاف المطلوبیّة والمبغوضیّة؛ لوضوح التنافی بین مطلوبیّة الطبیعة ومبغوضیّة الطبیعة المقیّدة.
ولکن الإشکال فی المقام : هو أنّ القائل بهذا الوجه وکذا الوجه الآتی ـ أی الترتُّب ـ بصدد تصحیح العبادة؛ أی التمام فی موضع القصر جهلاً، أو الجهر فی موضع الإخفات، وکذلک العکس جهلاً، ومجرّد إثبات وجود الأمر واقعاً لایفید ولایثبت ذلک ـ أی صحة الصلاة مع جهل المکلّف به ـ ؛ فإنّ المناط فی صحّة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 634
العبادة هو وجود الأمر الذی هو منشأ الانبعاث المکلّف بمبادئه الخاصّة، والانبعاث عنه إنّما یتحقّق مع علمه به، وأمّا لو جهل بوجوده واقعاً ـ کما هو المفروض فی ما نحن فیه ـ فلیس العبد منبعثاً عنه لتصحّ العبادة.
نعم یندفع هذا الإشکال لو اُرید إثبات الأمر بعنوان التمام بخصوصه، کما سیأتی بیانه، لکن هذا الوجه غیر ذلک.
الوجه الثالث : ما عن الشیخ کاشف الغطاء قدس سره من تصویر الأمر بالتمام؛ أی فاقد الخصوصیّة بنحو الترتّب، وحاصله: أنّ المأمور به أوّلاً هو الصلاة المقصورة، وعلی فرض الجهل بحکم القصر ولو تقصیراً وعصیاناً، فالمأمور به هو الفاقد للخصوصیّة؛ أی التمام.
واُورد علیه :
أوّلاً کبرویّاً : بعدم صحّة القول بالترتّب.
وثانیاً صغرویّاً: بعدم صحّته فی خصوص المقام.
أمّا الأوّل : وقد تقدّم الکلام فیه مفصّلاً، ولا نعیده.
وأمّا الثانی : فأنکر المیرزا النائینی قدس سره أنّ ما نحن فیه من صُغریات مسألة الترتُّب؛ لأنّه یعتبر فی الترتُّب وجود ملاک الحکم بتمامه فی کلّ واحد من الأمرین، کالأمر بإنقاذ الغریقین الأهمّ والمهمّ، فإنّ ملاک الأمر موجود ومتحقّق فیهما، لکن حیث لایتمکّن المکلّف من إنقاذهما معاً قلنا: بأنّ المهمّ مأمور به بنحو الترتُّب؛ یعنی أنّه مأمور بإنقاذ الأهمّ أوّلاً، وعلی فرض عصیانه له فهو مأمور بإنقاذ المهمّ، والمکلّف فیما نحن فیه متمکّن من الجمع بین صلاة الظهر تماماً وقصراً، وحیث إنّه لا تنافی ولاتضادّ بینهما لابدّ أن یتعلّق الأمر بهما، وعدم تعلّق الأمر بهما معاً یکشف
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 635
بنحو القطع عن عدم وجود الملاک فیهما معاً.
فالفرق بین ما نحن فیه ومسألة الترتّب من وجهین :
أحدهما : عدم التضادّ بین الأمرین وإمکان الجمع بینهما فی ما نحن فیه، مع اعتبار التضادّ وعدم إمکان الجمع بین الأمرین فی الامتثال فی مسألة الترتّب.
ثانیهما : اعتبار وجود الملاک التامّ فی الأمرین فی الترتُّب، بخلاف المقام.
مضافاً إلی أنّه یعتبر فی الخطاب الترتُّبی أن یکون خطاب المهمّ مشروطاً بعصیان خطاب الأهمّ، ولا یمکن ذلک فیما نحن فیه؛ إذ لایعقل أن یخاطَب التارک للقصر بعنوان العاصی، فإنّه غیر ملتفِت إلی هذا العنوان لجهله بالحکم، ولو التفت إلی جهله وعصیانه یخرج عن عنوان الجاهل، فلا تصحّ منه الصلاة التامّة، فلا یندرج تحت صُغری الترتّب، وکأنّ الشیخ قدس سره اعترف وسلّم اندراج ما نحن فیه فی صغری الترتُّب، ومَنع الکبری.
وفیه : أنّا لا نعقل الترتُّب فی المقام. انتهی.
أقول : أمّا ما ذکره : من أنّه یعتبر فی الترتُّب وجود الملاک التامّ فی کلّ واحد من الأمرین، ففیه :
أنّه إن أراد أنّه یعتبر أن یکون الأمران ذوی ملاک تامّ فی عرض واحد، ففیه أنّا لا نُسلّم اعتبار ذلک فی الترتُّب ؛ أی اشتمال کلّ واحد منهما علی ملاک تامّ فی عرض واحد، فلا یعتبر فی الترتُّب ذلک.
وإنْ أراد أنّهما ـ أی القصر والتمام فیما نحن فیه ـ لایشتملان علی الملاک حتی فی الطول أیضاً، فهو ممنوعٌ؛ للإجماع علی صحّة الصلاة التامّة بدل القصر جهلاً بالحکم، وکذلک المجهورة فی موضع الإخفاتیّة، وبالعکس، وهو کاشف عن وجود الملاک فی التمام فی صورة الجهل بالحکم، لکن لا فی عرض وجود الملاک
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 636
فی القصر، وهو کافٍ فی الترتُّب.
وأمّا ما ذکره : من عدم التضادّ المعتبر فی الترتُّب فیما نحن فیه؛ لتمکّن المکلّف من الإتیان بالقصر بعد الإتیان بالتمام.
ففیه : أنّ المقدور فی المقام هو الجمع بین التمام وصورة الصلاة المقصورة جهلاً، لا علی القصر المشتملة علی المصلحة والملاک بعد صلاة التمام جهلاً، فالتضادّ بینهما متحقّق، کما ذکره المحقّق الخراسانی فی «الکفایة»؛ لأنّه مع الإتیان بالصلاة التامّة یتدارک المصلحة الصلاتیة، ویسقط الأمر بالقصر حینئذٍ.
وأمّا ما ذکره : من أنّه یُعتبر فی الترتُّب اشتراط الأمر بالمهمّ بعصیان الأمر بالأهمّ، ولایعقل العصیان فی المقام.
ففیه : أنّا لا نُسلّم اعتبار ذلک فی الترتُّب ، بل یمکن أن یقال: إنّ المعتبر فیه ترتُّب الأمر بالمهمّ علی مخالفة الأمر بالأهمّ، وهو متحقّق فیما نحن فیه، فإنّ المفروض أنّ المکلّف خالَفَ الأمر بالقصر، إلاّ أنّه غیر ملتفت إلی هذه المخالفة وغافل عنها، وهو غیر ضائر فی الترتُّب.
هذا ، لکن بقی هنا إشکال أوردناه علی صحّة أصل الترتّب : وهو أنّه لو کان الأمر بالتمام مشروطاً بمخالفة أمر الأهمّ أو عصیانه ، فإنّه یتوقّف علی مُضیّ الوقت بمقدار لایمکنه الإتیان بالأهمّ؛ ضرورة أنّ الوقت مادام باقیاً لم تتحقّق المخالفة بعدُ، ومع خروج الوقت لا معنی للأمر بالمهمّ؛ لخروج وقته أیضاً؛ لما تقدّم سابقاً من أنّه لایعقل الترتُّب إلاّ فی المضیَّقین.
وإن قلنا : بأنّ الأمر بالمهمّ مشروطٌ بامتناع استیفاء مصلحة الأهمّ، فلایمتنع استیفاء مصلحته إلاّ بعد مضیّ الوقت ومعه یستحیل الأمر بالمهمّ.
وهذا الإشکال جارٍ فیما نحن فیه أیضاً، فإنّ مخالفة الأمر بالقصر لاتتحقّق
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 637
إلاّ بعد خروج الوقت أو مضیّه بمقدار لایمکنه الإتیان بالقصر، ومعه لایعقل الأمر بالتمام حینئذٍ.
ولکن یمکن دفع هذا الإشکال فیما نحن فیه؛ حیث إنّ موضوع الأمر بالمهمّ فی مسألة الترتُّب : إمّا العصیان، أو الذی یعصی، وکلّ واحدٍ منهما لا یتحقّق إلاّ بعد مضیّ الوقت بمقدارٍ لایمکنه الإتیان به، ومعه لامعنی للأمر بالمهمّ أیضاً؛ لانقضاء وقته، وموضوع الأمر بالتمام فیما نحن فیه هو عنوان «الذی لم یأتِ بالقصر، والذی تعلّق به الأمر المطلق»، فمع صدق هذا العنوان یتحقّق موضوع الأمر بالتامّ وملاکه.
والحاصل : أنّ القصر وملاکه علی نحو الإطلاق وملاک التمام مقیّد بعدم الإتیان بالقصر جهلاً.
بقی فی المقام إشکالان آخران لایمکن الذبّ عنهما :
الأوّل : أنّه قد تقدّم فی مسألة الترتُّب : أنّه لو ترک الإتیان بالأهمّ والمهمّ کلیهما فهو مستحقّ لعقوبتین؛ لترکه کلّ واحدٍ منهما بلا عذرٍ، وفیما نحن فیه لیس کذلک، فإنّه لو ترکهما ـ أی القصر والإتمام ـ فإن قلنا باستحقاقه لعقوبة واحدة، فهو خلاف حکم العقل فی مسألة الترتّب؛ لما عرفت من حکمه باستحقاقه لعقوبتین.
وإن قلنا : باستحقاقه لعقوبتین فهو خلاف الإجماع .
الثانی : أنّه إن کان عنوانُ التمام المترتّب علی «الذی یعصی الأمر بالقصر» ذا ملاک ومصلحة، فلابدّ أن یلتزم بأنّ هناک أمرین: أحدهما متعلّق بالقصر، والآخر بالتمام، مع عدم تمکّنه من الإتیان بهما مع وجود الملاک فی کلّ واحدٍ منهما، وإن أمکن الإتیان بصورتیهما فالإشکال فی أصل الترتُّب آتٍ هنا أیضاً.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 638
هذا تمام الکلام فی مباحث القطع والظنّ والبراءة والاشتغال، ویتلوه البحث فی الاستصحاب والتعادل والترجیح والاجتهاد والتقلید إن شاء الله تعالیٰ.
تقریراً لمباحث اُستاذنا الأعظم ومولانا الأفخم آیة الله العظمی الحاج السیّد روح الله الموسوی الخمینی أدام الله أیّام إفاضاته، ومتّع الله المسلمین بطول بقائه آمین.
سنة أربعٍ وسبعین بعد ثلاثمائة والألف من الهجرة النبویّة بالسنین القمریة.
بقلم العبد الفانی الفقیر إلی رحمة الباری تعالی حسین بن یحیی التقوی الاشتهاردی مولداً والقمّی مسکناً عفی عنهما .
والحمد لله ربّ العالمین، وصلّی الله علی محمّد وآله أجمعین.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 639
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 640