المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

مقتضی الأصل فی جانب الزیادة

مقتضی الأصل فی جانب الزیادة

ثمّ إنّه قد یتمسّک فی المقام باستصحاب الصحّة‏ وعدم البطلان للصلاة‏‎ ‎‏بالزیادة؛ للشکّ فی حصول النقص فی الصلاة بسبب هذه الزیادة؛ لأجل تقیید الصلاة‏‎ ‎‏أو الأجزاء بعدمها، أو لأجل مضادّتها للصلاة، فیُشار إلی ماهیّة المزید، کالقهقهة‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ المشکوک فی قاطعیّتها للصلاة، فیقال: إنّها لم تکن مانعةً أو قاطعةً للصلاة‏‎ ‎‏فی الأزل قطعاً، فالأصل بقاؤها علی ذلک إلی الآن، کما تقدّم نظیر ذلک فی‏‎ ‎‏استصحاب عدم القرشیّة من الاُستاذ الحائری ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏، وتقدّم الإشکال فیه أیضاً أوّلاً‏‎ ‎‏بعدم اتّحاد القضیّة المشکوکة والمتیقّنة فی هذا الاستصحاب هنا؛ حیث إنّ الماهیّة‏‎ ‎‏لا تحقُّق لها فی الأزل، وثانیاً بأنّ هذا الاستصحاب لایُثبت أنّ هذا الفرد من القهقهة‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ غیرَ مانعٍ أو غیرَ قاطعٍ، علی فرض الإغماض عن الإشکال الأوّل؛ لأنّ ما‏‎ ‎‏هو المتیقَّن هی السالبة المحصّلة الصادقة بانتفاء الموضوع أیضاً، أو المحمول مع‏‎ ‎‏وجود الموضوع، ولایثبت باستصحاب السلب المحصّل الجامعُ بین القسمین‏‎ ‎‏أحدهما المعیّن، وهو السلب المحصّل مع وجود الموضوع وانتفاء المحمول، کما‏‎ ‎‏سیجیء ـ إن شاء الله تعالی ـ فی مسألة استصحاب الکلّی.‏

وقد یقرّر الاستصحاب :‏ بأنّه یشکّ فی تحقّق المانع أو القاطع بسبب وجود ما‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 518
‏یشکّ فی کونه مانعاً أو قاطعاً، کالقهقهة فی الصلاة المشتغل بها، فیقال: إنّه لم یکن‏‎ ‎‏القاطع واقعاً فی الصلاة قبل ذلک، فیستصحب عدمه.‏

وإن شئت قلت :‏ کانت هذه الصلاة بلا مانعٍ ولا قاطعٍ قبل صدور القهقهة،‏‎ ‎‏فالآن کما کانت؛ لئلاّ یتوهّم عدم إثبات هذا الاستصحاب أنّ هذه الصلاة لم تکن‏‎ ‎‏متّصفة بعدم حصول المانع والقاطع فیها، کما توهّم ذلک الإشکال فی استصحاب‏‎ ‎‏العدالة، فإنّه لایثبت أنّ زیداً عادل، فلدفع هذا التوهّم یقال: أنّ المستصحَب فیها هو‏‎ ‎‏عدالة زید.‏

أقول :‏ لو قلنا : بأنّ مرجع مانعیّة شیء أو قاطعیّته إلی أنّ ذلک الشیء مضادٌّ‏‎ ‎‏للصلاة، وأنّ بطلان الصلاة إنّما هو لمکان المضادّة بینهما واقعاً، کما فی التکوینیّات،‏‎ ‎‏وأنّ الفرق بین المانع والقاطع : هو أنّ القاطع مضادٌ للهیئة الاتّصالیّة للصلاة، والمانع‏‎ ‎‏مضادٌّ لطبیعة الصلاة، وأنّ وجود أحد الضدّین مانع عن وجود الضدّ الآخر لو کان‏‎ ‎‏أقوی منه، فیرد علی هذا الاستصحاب : أنّ استصحاب عدم أحد الضدّین لا یثبت‏‎ ‎‏وجود الآخر، کما لایثبت باستصحاب عدم الحرکة السکونُ وبالعکس،‏‎ ‎‏فباستصحاب عدم تحقّق المانع والقاطع، لایثبت تحقّق الصلاة تامّةً ومصداقاً‏‎ ‎‏للمأمور به.‏

‏وأمّا استصحاب کونها بلا مانعٍ وقاطعٍ قبل ذلک، فهو إنّما یفید لو لم تشتمل‏‎ ‎‏الصلاة فی ابتدائها علی ما یحتمل مانعیّته أو قاطعیّته، وأمّا لو اشتملت فی الابتداء‏‎ ‎‏علیه، کما لو لبس فی أوّل الصلاة ما یحتمل مانعیّته، فلا حالة سابقة متیقّنة له حتّی‏‎ ‎‏تستصحب.‏

‏وأمّا استصحاب العدم الأزلی فقد عرفت ما فیه.‏

هذا کلّه بناءً علی‏ أنّ معنی مانعیّة شیء أو قاطعیّته لها هو ضدّیّته لها تکویناً،‏‎ ‎‏ولذلک نهی عنهما فی الصلاة، فإنّ الأحکام الشرعیّة تابعة للمصالح والمفاسد فی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 519
‏المأموربه والمنهیّ عنه، ولیست جُزافیّة؛ وإن لم تقیّد الصلاة بعدمهما شرعاً، کما‏‎ ‎‏اخترناه سابقاً، ولکنّ التحقیق أنّه لیس کذلک.‏

توضیحه :‏ أنّ الصلاة عبارة عن عدّة أجزاء أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم‏‎ ‎‏فهی عبارة عن مجموع تلک الأجزاء علی الترتیب الخاصّ المعتبر بینها، فلو لم تقیّد‏‎ ‎‏تلک الماهیّة أو أجزاؤها بعدم الموانع والقواطع، یتحقّق الامتثال بمجرّد الإتیان بها‏‎ ‎‏کذلک مع الشرائط المعتبرة فیها وإن اشتملت علی القهقهة وأمثالها، کلبس ما لا‏‎ ‎‏یؤکل لحمه أو التکلّم، فإنّه لا مضادّة تکوینیّة بین هذه وبین أجزاء الصلاة ولأنّ‏‎ ‎‏المفروض اشتمالها علی الأجزاء التی أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم مع رعایة‏‎ ‎‏الترتیب الخاصّ المعتبر فیها، والهیئة الصلاتیّة توجد بذلک؛ من غیر فرقٍ بین الإتیان‏‎ ‎‏بما یعدّ مانعاً أو قاطعاً وعدمه، وحینئذٍ فلا محیص عن الالتزام بأنّ الأجزاء مقیَّدة‏‎ ‎‏بعدم ماهو مانع حال الإتیان بها شرعاً، وأنّه یحصل فی المأمور به ضیق وقید‏‎ ‎‏مسبّب عن تقیید الأجزاء حال إیجادها بعدم ذلک المانع، لا بمعنی أنّ عدمه مؤثّر؛‏‎ ‎‏لیرد علیه: بأنّه غیر معقول، بل بمعنی أنّ وجوده مُخلّ ومُفسد لها.‏

‏هذا فی الموانع .‏

‏وهکذا الکلام فی القاطع فإنّه لو لم یقیّد الهیئة الاتّصالیة المرتکزة فی‏‎ ‎‏الأذهان ـ التی هی أمر ممتدّ یعدّ أنّ المصلّی فیها بعد تکبیرة الإحرام إلی أن یفرغ‏‎ ‎‏منها بالتسلیم، حتّی فی السکنات المتخلّلة بین أجزاء الصلاة ـ بعدم القهقهة‏‎ ‎‏ونحوها، یلزم عدمُ بطلان الصلاة بها؛ وأنّها مثل غمض العین فیها ونحوه ممّا لا‏‎ ‎‏تفسد الصلاة بها، ووقوعُها صحیحةً؛ لأنّ الصحّة عبارة عن موافقة المأتیّ به للمأمور‏‎ ‎‏به، وهی حاصلة علی الفرض، فلو لم تشترط الصلاة بعدم زیادة جزء لزم صحّتها‏‎ ‎‏معها أیضاً، نظیر ما لو اُمر بإتیان الماء، فأتیٰ به مرّتین، فالثانیة وإن کانت لغواً؛‏‎ ‎‏لحصول الغرض بالاُولیٰ، لکنّها لاتضُرّ ولا تُخِلّ بالامتثال الأوّل، فلو کانت مخلّة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 520
‏بالامتثال بالاُولی لابدّ أن یقیّد الاُولی بعدم الثانیة، وما نحن فیه کذلک.‏

فظهر ممّا ذکرناه :‏ أنّ ما استظهرناه فی سابق الزمان، وتقدّم قبل ذلک فی کیفیّة‏‎ ‎‏مانعیّة المانع وقاطعیّة القاطع: من أنّ وجودهما مضادٌّ للصلاة تکویناً لأجل اقتضاء‏‎ ‎‏المصالح والمفاسد الواقعیّة ذلک، لا أنّها مقیّدة شرعاً بعدمهما، غیر مستقیم، بل الحقّ‏‎ ‎‏أنّ الصلاة مقیّدة شرعاً بعدمهما.‏

وظهر أیضاً :‏ أنّ ما أفاده المحقّق العراقی من التفصیل بین المانع والقاطع، وأنّ‏‎ ‎‏عدم المانع شرط للصلاة، ووجود القاطع مضادّ لها‏‎[2]‎‏، أیضاً غیر مستقیم.‏

إذا عرفت ذلک کلّه نقول :‏ إنّ استصحاب عدم المانع والقاطع ـ عند الشکّ فی‏‎ ‎‏مانعیّة الزیادة أو قاطعیّتها ـ لا إشکال فیه؛ بأن یقال: هذه الصلاة لم یکن فیها مانع أو‏‎ ‎‏قاطع فی الابتداء، وشکّ فی تحقّقهما بزیادة جزء؛ للشکّ فی مانعیّتها، فالأصل عدم‏‎ ‎‏حدوث المانع والقاطع، وینقّح به الموضوع للحکم الشرعی.‏

‏نعم بناءً علی الاحتمال الآخر، وهو أنّ المانع والقاطع مضادّان للصلاة‏‎ ‎‏تکویناً، لا أنّ الصلاة مقیّدة بعدمهما فی مقام الأمر والحکم، فلا یجری هذا‏‎ ‎‏الاستصحاب؛ لأنّ استصحاب عدم أحد الضدّین لایُثبت وجود الضدّ الآخر.‏

وأمّا استصحاب بقاء الهیئة الاتّصالیة‏ الذی ذکره الشیخ الأعظم‏‎[3]‎‏، فالأمر فیه‏‎ ‎‏علی العکس ممّا ذکر، وأنّه بناءً علی المختار: من تقیید الصلاة أو أجزائها بعدم‏‎ ‎‏المانع والقاطع، فالاستصحاب المذکور لایثبت أنّ هذه الصلاة ممّا لم یقع فیها المانع‏‎ ‎‏أو القاطع.‏

‏وأمّا بناءً علی الاحتمال الآخر ؛ أی مضادّة المانع والقاطع للصلاة، وعدم‏‎ ‎‏تقییدها بعدمهما شرعاً، وأنّ وجودهما مُخِلّ ومُفسد ومُخرِّب للهیئة الاتّصالیّة، فمع‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 521
‏الشکّ فی مانعیّة الزیادة لا إشکال فی استصحاب بقاء الهیئة الاتصالیّة؛ لعدم تقییدها‏‎ ‎‏بعدم المانع والقاطع حتّی یقال : إنّه لایثبت ذلک.‏

وأمّا الإشکال علیه :‏ بأنّ الهیئة الاتصالیّة من الاُمور المتدرّجة الوجود، وقد‏‎ ‎‏قرّر فی محلّه عدم جریان الاستصحاب فیها، ففیه ما سیجیء ـ إن شاء الله ـ فی باب‏‎ ‎‏الاستصحاب : أنّ الحقّ جریانه فیها أیضاً کالزمان.‏

وأمّا استصحاب الصحّة التأهلیّة‏ فبیانه : أنّ الجزء السابق کالتکبیر ، کان‏‎ ‎‏صالحاً وقابلاً وأهلاً للجزئیّة للصلاة ـ بانضمام سائر الأجزاء ـ یقیناً، ویشکّ فی‏‎ ‎‏بقائها، فتستصحب أهلیّته لذلک بعد الزیادة.‏

فیرد علیه أیضاً :‏ أنّه لایثبت أنّ هذه الصلاة هی المأمور بها.‏

وأورد علیه الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ :‏‏ بأنّ المستصحب : إمّا هو صحّة مجموع‏‎ ‎‏الصلاة ـ أی الأجزاء ـ فهو لم یتحقّق بعدُ، وإمّا هو الأجزاء السابقة المأتیّ بها فهی‏‎ ‎‏غیر مُجدیة؛ لأنّ صحّتها ثابتة قطعاً ـ سواء قلنا: بأنّها عبارة عن مطابقتها للأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بها، أم ترتُّب الآثار علیها ـ لأنّها باقیة علی ما وقعت علیه علیٰ وجهٍ لو‏‎ ‎‏انضمّ إلیها تمام ما یعتبر فی الکلّ حصل الکلّ‏‎[4]‎‏. انتهی ملخّصه.‏

أقول :‏ هذا الإشکال إنّما لو قلنا : بأنّ الأجزاء السابقة لم تقیّد بقید، وأنّها‏‎ ‎‏اُخذت لا بشرط، فإنّها حینئذٍ صحیحة دائماً ، غایة الأمر أنّ الاستدبار ـ مثلاً ـ مانعٌ‏‎ ‎‏عن ضمّ باقی الأجزاء اللاّحقة؛ لأنّ الأجزاء اللاحقة اُخذت بشرط لا، ومقیّدة بعدم‏‎ ‎‏المانع.‏

وأمّا لو قلنا :‏ بأنّ جمیع أجزاء الصلاة حتّی السابقة مقیّدة بعدم القهقهة ـ مثلاً‏‎ ‎‏ـ إلی آخر الصلاة ـ کما هو الظاهر ـ فلا یرد علیه ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏، وحینئذٍ لو شکّ فی‏‎ ‎‏قاطعیّة الزیادة أو مانعیّتها، فاستصحاب الصحّة التأهُّلیّة بمکان من الإمکان لولا‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 522
‏إشکال المُثبِتیّة.‏

فتلخّص :‏ أنّ الأصل فی جانب الزیادة هو عدم البطلان.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 523

  • )) درر الفوائد : 219 ـ 220 مع مراجعة الهامش 1 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 411 .
  • )) فرائد الاُصول : 289 سطر 8 .
  • )) فرائد الاُصول : 289 سطر 23 .