مقتضی الأصل فی جانب الزیادة
ثمّ إنّه قد یتمسّک فی المقام باستصحاب الصحّة وعدم البطلان للصلاة بالزیادة؛ للشکّ فی حصول النقص فی الصلاة بسبب هذه الزیادة؛ لأجل تقیید الصلاة أو الأجزاء بعدمها، أو لأجل مضادّتها للصلاة، فیُشار إلی ماهیّة المزید، کالقهقهة ـ مثلاً ـ المشکوک فی قاطعیّتها للصلاة، فیقال: إنّها لم تکن مانعةً أو قاطعةً للصلاة فی الأزل قطعاً، فالأصل بقاؤها علی ذلک إلی الآن، کما تقدّم نظیر ذلک فی استصحاب عدم القرشیّة من الاُستاذ الحائری قدس سره، وتقدّم الإشکال فیه أیضاً أوّلاً بعدم اتّحاد القضیّة المشکوکة والمتیقّنة فی هذا الاستصحاب هنا؛ حیث إنّ الماهیّة لا تحقُّق لها فی الأزل، وثانیاً بأنّ هذا الاستصحاب لایُثبت أنّ هذا الفرد من القهقهة ـ مثلاً ـ غیرَ مانعٍ أو غیرَ قاطعٍ، علی فرض الإغماض عن الإشکال الأوّل؛ لأنّ ما هو المتیقَّن هی السالبة المحصّلة الصادقة بانتفاء الموضوع أیضاً، أو المحمول مع وجود الموضوع، ولایثبت باستصحاب السلب المحصّل الجامعُ بین القسمین أحدهما المعیّن، وهو السلب المحصّل مع وجود الموضوع وانتفاء المحمول، کما سیجیء ـ إن شاء الله تعالی ـ فی مسألة استصحاب الکلّی.
وقد یقرّر الاستصحاب : بأنّه یشکّ فی تحقّق المانع أو القاطع بسبب وجود ما
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 518
یشکّ فی کونه مانعاً أو قاطعاً، کالقهقهة فی الصلاة المشتغل بها، فیقال: إنّه لم یکن القاطع واقعاً فی الصلاة قبل ذلک، فیستصحب عدمه.
وإن شئت قلت : کانت هذه الصلاة بلا مانعٍ ولا قاطعٍ قبل صدور القهقهة، فالآن کما کانت؛ لئلاّ یتوهّم عدم إثبات هذا الاستصحاب أنّ هذه الصلاة لم تکن متّصفة بعدم حصول المانع والقاطع فیها، کما توهّم ذلک الإشکال فی استصحاب العدالة، فإنّه لایثبت أنّ زیداً عادل، فلدفع هذا التوهّم یقال: أنّ المستصحَب فیها هو عدالة زید.
أقول : لو قلنا : بأنّ مرجع مانعیّة شیء أو قاطعیّته إلی أنّ ذلک الشیء مضادٌّ للصلاة، وأنّ بطلان الصلاة إنّما هو لمکان المضادّة بینهما واقعاً، کما فی التکوینیّات، وأنّ الفرق بین المانع والقاطع : هو أنّ القاطع مضادٌ للهیئة الاتّصالیّة للصلاة، والمانع مضادٌّ لطبیعة الصلاة، وأنّ وجود أحد الضدّین مانع عن وجود الضدّ الآخر لو کان أقوی منه، فیرد علی هذا الاستصحاب : أنّ استصحاب عدم أحد الضدّین لا یثبت وجود الآخر، کما لایثبت باستصحاب عدم الحرکة السکونُ وبالعکس، فباستصحاب عدم تحقّق المانع والقاطع، لایثبت تحقّق الصلاة تامّةً ومصداقاً للمأمور به.
وأمّا استصحاب کونها بلا مانعٍ وقاطعٍ قبل ذلک، فهو إنّما یفید لو لم تشتمل الصلاة فی ابتدائها علی ما یحتمل مانعیّته أو قاطعیّته، وأمّا لو اشتملت فی الابتداء علیه، کما لو لبس فی أوّل الصلاة ما یحتمل مانعیّته، فلا حالة سابقة متیقّنة له حتّی تستصحب.
وأمّا استصحاب العدم الأزلی فقد عرفت ما فیه.
هذا کلّه بناءً علی أنّ معنی مانعیّة شیء أو قاطعیّته لها هو ضدّیّته لها تکویناً، ولذلک نهی عنهما فی الصلاة، فإنّ الأحکام الشرعیّة تابعة للمصالح والمفاسد فی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 519
المأموربه والمنهیّ عنه، ولیست جُزافیّة؛ وإن لم تقیّد الصلاة بعدمهما شرعاً، کما اخترناه سابقاً، ولکنّ التحقیق أنّه لیس کذلک.
توضیحه : أنّ الصلاة عبارة عن عدّة أجزاء أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم فهی عبارة عن مجموع تلک الأجزاء علی الترتیب الخاصّ المعتبر بینها، فلو لم تقیّد تلک الماهیّة أو أجزاؤها بعدم الموانع والقواطع، یتحقّق الامتثال بمجرّد الإتیان بها کذلک مع الشرائط المعتبرة فیها وإن اشتملت علی القهقهة وأمثالها، کلبس ما لا یؤکل لحمه أو التکلّم، فإنّه لا مضادّة تکوینیّة بین هذه وبین أجزاء الصلاة ولأنّ المفروض اشتمالها علی الأجزاء التی أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم مع رعایة الترتیب الخاصّ المعتبر فیها، والهیئة الصلاتیّة توجد بذلک؛ من غیر فرقٍ بین الإتیان بما یعدّ مانعاً أو قاطعاً وعدمه، وحینئذٍ فلا محیص عن الالتزام بأنّ الأجزاء مقیَّدة بعدم ماهو مانع حال الإتیان بها شرعاً، وأنّه یحصل فی المأمور به ضیق وقید مسبّب عن تقیید الأجزاء حال إیجادها بعدم ذلک المانع، لا بمعنی أنّ عدمه مؤثّر؛ لیرد علیه: بأنّه غیر معقول، بل بمعنی أنّ وجوده مُخلّ ومُفسد لها.
هذا فی الموانع .
وهکذا الکلام فی القاطع فإنّه لو لم یقیّد الهیئة الاتّصالیة المرتکزة فی الأذهان ـ التی هی أمر ممتدّ یعدّ أنّ المصلّی فیها بعد تکبیرة الإحرام إلی أن یفرغ منها بالتسلیم، حتّی فی السکنات المتخلّلة بین أجزاء الصلاة ـ بعدم القهقهة ونحوها، یلزم عدمُ بطلان الصلاة بها؛ وأنّها مثل غمض العین فیها ونحوه ممّا لا تفسد الصلاة بها، ووقوعُها صحیحةً؛ لأنّ الصحّة عبارة عن موافقة المأتیّ به للمأمور به، وهی حاصلة علی الفرض، فلو لم تشترط الصلاة بعدم زیادة جزء لزم صحّتها معها أیضاً، نظیر ما لو اُمر بإتیان الماء، فأتیٰ به مرّتین، فالثانیة وإن کانت لغواً؛ لحصول الغرض بالاُولیٰ، لکنّها لاتضُرّ ولا تُخِلّ بالامتثال الأوّل، فلو کانت مخلّة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 520
بالامتثال بالاُولی لابدّ أن یقیّد الاُولی بعدم الثانیة، وما نحن فیه کذلک.
فظهر ممّا ذکرناه : أنّ ما استظهرناه فی سابق الزمان، وتقدّم قبل ذلک فی کیفیّة مانعیّة المانع وقاطعیّة القاطع: من أنّ وجودهما مضادٌّ للصلاة تکویناً لأجل اقتضاء المصالح والمفاسد الواقعیّة ذلک، لا أنّها مقیّدة شرعاً بعدمهما، غیر مستقیم، بل الحقّ أنّ الصلاة مقیّدة شرعاً بعدمهما.
وظهر أیضاً : أنّ ما أفاده المحقّق العراقی من التفصیل بین المانع والقاطع، وأنّ عدم المانع شرط للصلاة، ووجود القاطع مضادّ لها، أیضاً غیر مستقیم.
إذا عرفت ذلک کلّه نقول : إنّ استصحاب عدم المانع والقاطع ـ عند الشکّ فی مانعیّة الزیادة أو قاطعیّتها ـ لا إشکال فیه؛ بأن یقال: هذه الصلاة لم یکن فیها مانع أو قاطع فی الابتداء، وشکّ فی تحقّقهما بزیادة جزء؛ للشکّ فی مانعیّتها، فالأصل عدم حدوث المانع والقاطع، وینقّح به الموضوع للحکم الشرعی.
نعم بناءً علی الاحتمال الآخر، وهو أنّ المانع والقاطع مضادّان للصلاة تکویناً، لا أنّ الصلاة مقیّدة بعدمهما فی مقام الأمر والحکم، فلا یجری هذا الاستصحاب؛ لأنّ استصحاب عدم أحد الضدّین لایُثبت وجود الضدّ الآخر.
وأمّا استصحاب بقاء الهیئة الاتّصالیة الذی ذکره الشیخ الأعظم، فالأمر فیه علی العکس ممّا ذکر، وأنّه بناءً علی المختار: من تقیید الصلاة أو أجزائها بعدم المانع والقاطع، فالاستصحاب المذکور لایثبت أنّ هذه الصلاة ممّا لم یقع فیها المانع أو القاطع.
وأمّا بناءً علی الاحتمال الآخر ؛ أی مضادّة المانع والقاطع للصلاة، وعدم تقییدها بعدمهما شرعاً، وأنّ وجودهما مُخِلّ ومُفسد ومُخرِّب للهیئة الاتّصالیّة، فمع
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 521
الشکّ فی مانعیّة الزیادة لا إشکال فی استصحاب بقاء الهیئة الاتصالیّة؛ لعدم تقییدها بعدم المانع والقاطع حتّی یقال : إنّه لایثبت ذلک.
وأمّا الإشکال علیه : بأنّ الهیئة الاتصالیّة من الاُمور المتدرّجة الوجود، وقد قرّر فی محلّه عدم جریان الاستصحاب فیها، ففیه ما سیجیء ـ إن شاء الله ـ فی باب الاستصحاب : أنّ الحقّ جریانه فیها أیضاً کالزمان.
وأمّا استصحاب الصحّة التأهلیّة فبیانه : أنّ الجزء السابق کالتکبیر ، کان صالحاً وقابلاً وأهلاً للجزئیّة للصلاة ـ بانضمام سائر الأجزاء ـ یقیناً، ویشکّ فی بقائها، فتستصحب أهلیّته لذلک بعد الزیادة.
فیرد علیه أیضاً : أنّه لایثبت أنّ هذه الصلاة هی المأمور بها.
وأورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره : بأنّ المستصحب : إمّا هو صحّة مجموع الصلاة ـ أی الأجزاء ـ فهو لم یتحقّق بعدُ، وإمّا هو الأجزاء السابقة المأتیّ بها فهی غیر مُجدیة؛ لأنّ صحّتها ثابتة قطعاً ـ سواء قلنا: بأنّها عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها، أم ترتُّب الآثار علیها ـ لأنّها باقیة علی ما وقعت علیه علیٰ وجهٍ لو انضمّ إلیها تمام ما یعتبر فی الکلّ حصل الکلّ. انتهی ملخّصه.
أقول : هذا الإشکال إنّما لو قلنا : بأنّ الأجزاء السابقة لم تقیّد بقید، وأنّها اُخذت لا بشرط، فإنّها حینئذٍ صحیحة دائماً ، غایة الأمر أنّ الاستدبار ـ مثلاً ـ مانعٌ عن ضمّ باقی الأجزاء اللاّحقة؛ لأنّ الأجزاء اللاحقة اُخذت بشرط لا، ومقیّدة بعدم المانع.
وأمّا لو قلنا : بأنّ جمیع أجزاء الصلاة حتّی السابقة مقیّدة بعدم القهقهة ـ مثلاً ـ إلی آخر الصلاة ـ کما هو الظاهر ـ فلا یرد علیه ما ذکره قدس سره، وحینئذٍ لو شکّ فی قاطعیّة الزیادة أو مانعیّتها، فاستصحاب الصحّة التأهُّلیّة بمکان من الإمکان لولا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 522
إشکال المُثبِتیّة.
فتلخّص : أنّ الأصل فی جانب الزیادة هو عدم البطلان.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 523