فی تصور الزیادة
وأمّا الزیادة العمدیّة والسهویّة : فقبل التعرّض لبیان مقتضی القواعد العقلیّة والنقلیّة لابدّ من تقدیم أمرٍ: وهو أنـّه لا إشکال فی تصوّر النقیصة فی الصلاة حقیقةً،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 513
فإنّه لو ترک المکلّف بعض أجزاء الصلاة ـ التی هی عبارة عن نفس الأجزاء الکثیرة فی لحاظ الاعتبار، فیأمر بها، فینتزع منه الآمر والمأمور والمأمور به، وکلّ من المأمور به وجزئه وشرطه فی عرضٍ واحد ـ فإنّه یصدق علیه أنّه نقص فی صلاته فی مقام الامتثال، وهذا ممّا لا إشکال فیه.
وإنّما الإشکال فی تصویر الزیادة الحقیقیّة فی المأمور به فی مقام الامتثال، وأنّه هل یمکن تصوّرها أو لا؟
والتحقیق : هو الثانی؛ لأنّ معنی الزیادة فی المأمور به ـ بما أنّه مأمورٌ به ـ هو زیادتها فیها بنحوٍ یصیر جزءً لها بما أنّها مأمور بها، وهو مستحیل، فلو أتی بجزءٍ زائد، کما إذا قرأ الفاتحة فی صلاته مرّتین، فالثانیة لاتصیر جزءً للصلاة المکتوبة؛ کی یعدّ ذلک زیادة فی المکتوبة حقیقةً، بل هو ضمّ شیء خارج عن المأمور به إلیه. نعم یصدق علیه الزیادة فی المأمور به عرفاً؛ حیث إنّ معنی الزیادة عند العرف : هو الإتیان بما هو من سنخ أجزاء الصلاة زائداً علی ما یعتبر فیها، ولا فرق فی ذلک بین اعتبار کلّ واحدٍ من الأجزاء والمرکّب بنحو اللاّ بشرط أو بشرط لا، خلافاً لصاحب الکفایة حیث ذکر : أنّه لابدّ أن یعتبر الماهیّة المرکّبة بشرط لا؛ لتتصوَّر الزیادة فیه، وأن لا یعتبر فی الجزء والشرط ذلک ـ أی بشرط لا ـ فإنّه لو اعتبر الجزء بشرط لا فهو من قبیل النقیصة لا الزیادة، وتبعه فی ذلک المحقّق العراقی قدس سره.
أقول : لو اعتبر الفاتحة فی الصلاة بشرط لا عن فاتحة اُخری جزء للصلاة، فهو ینحلّ إلی جزءٍ وهو الفاتحة، وشرط للجزء وهو قید الوحدة، فلو أخلّ بالشرط، وقرأ الفاتحة مرّتین، یصدق علیه الزیادة العمدیّة عرفاً؛ من حیث إنّه زاد فی صلاته فاتحةً، والنقیصة من حیث الإخلال بشرط الجزء، ویمکن استناد البطلان إلی کلّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 514
واحدٍ منهما.
والحاصل : أنّ الزیادة الحقیقیّة غیر متصوّرة فی المأمور به.
وذهب المحقّق العراقی قدس سره إلی إمکان تصویر الزیادة الحقیقیة أیضاً، ومهّد لذلک مقدّمات :
الاُولیٰ : الزیادة إنّما تتحقّق إذا کان المزید من جنس المزید علیه، فلو صُبّ دبسٌ علی سَمْن فی إناء، فلا یقال: «إنّه زاد السَّمنُ» إلاّ باعتبار ما فی الظرف.
الثانیة : لابدّ فی صدق الزیادة من کون المزید علیه محدوداً بحدٍّ خاصّ.
الثالثة : اعتبار المرکّب وتقدیره قبل تعلّق الأمر به یتصوّر علی أنحاء ثلاثة:
أحدها : أن یعتبر الأجزاء والشرائط فی مقام التقدیر بشرط لا عن الزیادة.
ثانیها : أن یعتبرها لا بشرط عن الزیادة؛ بمعنی أن لا یعتبر البشرط لائیّة، ولایعتبرها فی نفس الطبیعة أیضاً، مثل أن یعتبر الرکوع جزءً للصلاة بدون اعتباره بشرط لا ولا مجرّد الطبیعة.
وثالثها : أن یعتبر الطبیعة ـ أی طبیعة الأجزاء ـ جزءً للصلاة بنحو اللاّبشرط؛ بحیث کلّما تحقّق فرد منها صار جزءً للصلاة، وحینئذٍ فإن اعتبر الأجزاء والشرائط فی مقام الاعتبار قبل تعلیق الأمر بها بشرط لا، فلا تتصوّر الزیادة حینئذٍ، بل یرجع إلی النقیصة، وإن اعتبرها بالنحو الثانی فکذلک لاتصدق الزیادة حقیقةً؛ حیث إنّه وإن لم یلاحظ الأجزاء والشرائط بشرط لا ـ کما فی الفرض الأوّل ـ لکن لیس بنحو اللاّبشرط أیضاً، فالزیادة خارجة عن دائرة الملحوظ، فلا تصدق الزیادة؛ لما عرفت فی المقدّمة الاُولی من أنّه لابدّ فی صدق الزیادة حقیقة من کون المزید من سنخ المزید علیه، ولیس المفروض کذلک، وإن اعتبرها بنحو الفرض الثالث؛ بأن اعتبر طبیعة الأجزاء والشرائط جزءً وشرطاً للصلاة بنحو اللاّبشرط، فیتصوّر الزیادة الحقیقیّة حینئذٍ مطلقاً؛ سواء تعلّق الأمر بها بعد التقدیر بنحو اللاّبشرط بنحو الفرض
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 515
الأوّل، أم الثانی، أم الثالث:
أمّا لو کان تعلّق الأمر بها بنحو الفرض الأوّل فظاهر؛ لأنّ المفروض أنّه اعتُبرت الطبیعة فی مقام التقدیر بنحوٍ کلّما یتحقّق فرد منها صار جزءً للصلاة قبل تعلّق الأمر، وأمّا بعد تعلّق الأمر بها بنحو الفرض الأوّل أو الثانی، فهو وإن لم یصدق الزیادة فی المأمور به، لکن تصدق الزیادة فی الصلاة بصیرورتها جزءً للصلاة، لا للمأمور به، وأمّا إن کان تعلّق الأمر بنحو الفرض الثالث؛ بأن اعتبر الأجزاء والشرائط لا بشرط، وعلّق الأمر بها کذلک، فتحقّق الزیادة حینئذٍ إنّما هو لأجل أنّ الأمر تعلّق بنفس الطبیعة بنحو اللاّبشرط، وهو یقتضی صِرْف الوجود، فتکون الطبیعة محدودة بحدٍّ خاصّ بسبب الأمر، فلو زاد فی الصلاة، کما لو أتی بالرکوع بعد الإتیان به أوّلاً، فقد بدّل الحدّ بحدٍّ آخر، کما أنّه یصدق ـ بصبّ ماءٍ علی ماءٍ آخر محدود ـ أنّه زاد فیه، وبدّل حدّه الخاصّ بحدٍّ آخر.
ثمّ إنّه بعد إمکان تصویر الزیادة حقیقةً فی الصلاة یحمل علیها قوله علیه السلام: (من زاد فی صلاته فعلیه الإعادة)، ولا داعی علی حمله علی الزیادة العرفیّة. انتهی.
أقول : وفی کلامه مواقع للنظر :
الأوّل : أنّ الفرض الثانی الذی ذکره لاعتبار الأجزاء والشرائط ممّا لا محصّل له؛ لأنّه لا یخلو الأمر : إمّا أن یعتبر الرکوع فیه بشرط لا وبقید الوحدة، أو لابشرط.
وبعبارة اُخری : إمّا أن تعتبر الوحدة قیداً للجزء فیه أو لا، والأوّل هو الفرض الأوّل الذی ذکره بعینه، والثانی یرجع إلی الفرض الثالث بعینه، والواقع لایخلو عن
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 516
أحدهما، فلیس ذلک فرضاً آخر غیر الأوّل والثالث.
الثانی : أنّ ما ذکره فی الفرض الثالث : من اعتبار الجزء نفس الطبیعة بنحو اللاّبشرط... إلی آخره، یرد علیه أنّه لو اعتبر نفس طبیعة الجزء أو الشرط جزءً وشرطاً، فمعناه أنّ نفس طبیعة الرکوع ـ مثلاً ـ اعتُبرت جزءً للصلاة، وتتحقّق فی الخارج بأوّل فردٍ یوجد فیه، فیصیر جزءً للصلاة، فتتحقّق الطبیعة بتمامها، وحینئذٍ فلایصیر الفرد الثانی منها جزءً لها.
وبعبارة اُخریٰ : لو جعل الجزئیّة لطبیعة الرکوع بدون اعتبار السریان فیها، یتحقّق ذلک الجزء بالمصداق الأوّل منها، ولا یصیر الفرد الثانی منها جزءً لتحقّق الطبیعة ـ بتمامها بالفرد الأوّل من الرکوع. نعم لو اعتبر الجزء الطبیعة الساریة ـ ولو إلی حدٍّ خاصّ ـ یصیر الفرد الثانی والثالث جزءً للصلاة.
الثالث ـ وهو العمدة ـ : أنّ ما ذکره من الاعتبارات الثلاثة للأجزاء والشرائط فی مقام الاعتبار والتقدیر ـ قبل تعلُّق الأمر بها ـ فیه :
أوّلاً : أنّ مجرّد الاعتبار وتقدیر الأجزاء لا یصیر صلاةً مکتوبة؛ لیصدق علیها أنّها زیادة فی المکتوبة، بل المکتوبة عبارة عن الصلاة المأمور بها، فلو اعتبر الأجزاء لا بشرط عن الزیادة، ولکن أمر بها بنحو البشرط لا، لم یعدّ ما اعتبره وقّدره صلاةً مکتوبةً، فالمکتوبة هی المأمور بها، وقبل تعلّق الأمر بها لاتعدّ مکتوبةً .
وثانیاً : لو فرض أنّ نفس طبیعة الأجزاء اعتبرت جزءً؛ بنحوٍ کلّما أتی به من مصادیقها صار جزءً للصلاة، واُمر بها بأحد الأنحاء الثلاثة، صارت محدودة بالأمر، وحینئذٍ فالزیادة إمّا فی المقدّر أو فی المأمور به:
وعلی الأوّل : فالمفروض أنّه اعتبر الأجزاء نفس الطبیعة؛ بحیث کلّما أتی به من أفرادها صار جزءً للصلاة، فلا تتحقّق الزیادة.
وعلی الثانی : ففیه : أنّ المأمور به محدودٌ بحدٍّ خاصّ یتعلّق الأمر به؛ بحیث
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 517
یمتنع دخْل شیء آخر فیه، فلو فرض أنّه قرأ الفاتحة مرّة اُخری لم تکن هی زیادة فی الصلاة حقیقةً، بل هو ضمّ شیء إلی شیء.
فتلخّص : أنّ ما ذکره فی بیان تصویر الزیادة الحقیقیّة غیر صحیح.
نعم تصدق الزیادة العرفیّة فیما لو رکع ثانیاً بعنوان الجزئیّة للصلاة، ویصدق علیه عرفاً أنّه زاد فی صلاته.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 518