حول انحلال العلم الإجمالی بالبراءة الشرعیّة
ثمّ لو فرض جریان أصالة البراءة الشرعیّة بالنسبة إلی الأکثر؛ بناءً علی هذا المبنی ـ أی القول بعدم انحلاله عقلاً ـ والإغماض عن الإشکالات المتقدّمة، فهل ینحلّ العلم الإجمالیّ بها؛ لجریانها بالنسبة إلی الأکثر، وأنّ الأقلّ واجب نفسیّ تعبّداً، وأنّه تمام المأمور به ومصداق ظاهریّ للطبیعة المأمور بها ـ أی الصلاة ـ إمّا لأنّه مقتضی أدلّة الواجب وحدیث الرفع معاً، کما ذکره بعضهم، وإمّا لتخصیص إطلاقات الأدلّة بحدیث الرفع، کما اختاره فی الکفایة، وإمّا لحکم العرف والعقلاء بأنّ الأقلّ تمام المأمور به بعد نفی وجوب الأکثر بأدلّة البراءة، کما اختاره شیخنا الاُستاذ الحائری قدس سره.
ولایرد علیه ما أورده المحقّق العراقیّ ؛ حیث ذکر الوجوه الثلاثة المشار إلیها لإثبات وجوب الأقلّ فقط، وأورد علی کلّ واحدٍ منها، وحیث إنّه لا یهمّنا إطالة الکلام فی ذلک نذکر الوجه الأوّل الذی ذکره، وأورد علیه، مع ما یرد علیه من الإشکال.
فقال : الأوّل من الوجوه : أنّ الحدیث ناظر إلی إطلاقات أدلّة الجزئیّة واقعاً؛
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 477
بتقیید مفاد فعلیّتها بحال العلم بها، وأنّه برفع فعلیّة التکلیف عن المشکوک واقعاً، مع ضمیمة ظهور أدلّة بقیّة الأجزاء فی الفعلیّة، یرتفع الإجمال فی البین، ویتعیّن کون متعلّق التکلیف الفعلیّ هو الأقلّ، وبالإتیان به یتحقّق الفراغ والخروج عن عهدة التکلیف.
ثمّ أورد علیه : بأنّ حدیث الرفع لا یصلح لرفع فعلیّة التکلیف عن المشکوک واقعاً؛ إذ مفاد الرفع فیه ـ کما أوضحناه فی محلّه؛ عند التعرّض لشرح الحدیث ـ إنّما هو مجرّد الرفع الظاهری الثابت فی المرتبة المتأخّرة عن الجهل بالواقع، ومثله غیر صالحٍ لتقیید إطلاقات أدلّة الجزئیّة الواقعیّة المحفوظة؛ حتّی بمرتبة فعلیّتها فی المرتبة السابقة علی الجهل بها.
والحاصل : أنّ الشکّ فی وجوب الجزء المشکوک متأخّر عنه رتبةً، والرفع الظاهری متأخّر عن الشکّ؛ لأنّه من أحکامه، فالرفع متأخّر عن وجوب الجزء بمرتبتین، ویمتنع تعلّق الرفع بما هو متقدّم علیه برتبتین؛ أی الجزئیّة الواقعیّة المحفوظة فی المرتبة السابقة علی الجهل بها، ولأنّ رفع کلّ شیء عبارة عن نقیضه وبدیله، فلایمکن أن یکون الرفع فی هذه المرتبة نقیضاً لما هو فی المرتبة السابقة؛ لأنّ وحدة الرتبة شرط فی التناقض. انتهی.
وفیه : أنّ الإطلاق لیس عبارة عن لحاظه فی جمیع الحالات وفی جمیع المراتب، بل هو عبارة عن عدم التقیید مع تعلیق الحکم بنفس الطبیعة، وهو بإطلاقه متحقّق فی جمیع الحالات والمراتب حتّیٰ فی مرتبة الجهل بالحکم، ولهذا قلنا: إنّ الحکم الواقعی محفوظ فی مرتبة الحکم الظاهری أیضاً، ومن جملة المراتب مرتبة الشکّ فی وجوب الجزء ورفعه، وحینئذٍ یرتفع الإشکال الذی ذکره بحذافیره؛ من
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 478
حیث إنّ الرفع متعلِّق بالحکم فی مرتبة واحدة.
مضافاً إلی ما تقدّم منّا : من منع ما ذکروه من تأخّر الشکّ فی الحکم عن نفس الحکم؛ لما یلزمه من التوالی الفاسدة المتقدّمة.
هذا کلّه بالنسبة إلی الأقلّ والأکثر فی الأجزاء.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 479