المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

حول الأقوال فی الأقلّ والأکثر بحسب الأجزاء

حول الأقوال فی الأقلّ والأکثر بحسب الأجزاء

‏إذا عرفت ذلک نقول : أمّا القسم الأوّل؛ أی الشکّ فی الأقلّ والأکثر بحسب‏‎ ‎‏الأجزاء الخارجیة، کما لو تردّد الأمر فی أجزاء الصلاة بین التسعة والعشرة بزیادة‏‎ ‎‏الاستعاذة ـ مثلاً ـ ففی جریان البراءة العقلیّة والشرعیّة بالنسبة إلی الأکثر، أو عدم‏‎ ‎‏جریانهما، أو التفصیل بین البراءة العقلیّة، فلا تجری، وبین الشرعیّة، فتجری، أقوالٌ.‏

والحقّ : هو القول الأوّل .

‏وتوضیحه ‏‏ـ علی وجهٍ تندفع الإشکالات الواردة علیه ـ ‏یحتاج إلی بیان‎ ‎اُمور:

‏الأمر الأوّل :‏‏ أنّ المرکّبات الاعتباریّة ـ مثل الصلاة المرکّبة من أجزاء ـ نظیر‏‎ ‎‏المرکّبات الحقیقیّة فی أنّه کما أنّ الأجزاء فی المرکّبات الحقیقیّة ـ کالعقیق ونحوه‏‎ ‎‏من المعادن ـ لیست باقیة علی فعلیّتها الأوّلیّة، بل طرأت علیها فعلیّة اُخری غیر‏‎ ‎‏الصورة الفعلیّة للأجزاء، کذلک مثل الصلاة المرکّبة من الرکوع والسجود وغیرهما‏‎ ‎‏فی عالم الاعتبار واللحاظ.‏

الأمر الثانی :‏ أنّ المتبادر إلی أذهان المکلّفین من مثل الصلاة فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال، هو نفس الماهیّة المأمور بها أوّلاً، ثمّ ینتقل إلی لحاظ أجزائها کلّ واحدٍ‏‎ ‎‏منها، بخلاف ذلک فی نظر الآمر ولحاظه من الموالی العرفیّة، فإنّه یلاحظ کلّ واحدٍ‏‎ ‎‏من الأجزاء أوّلاً، ثمّ یلاحظ أنّ لمجموعها مصلحة ـ مثلاً ـ فیأمر بالمرکّب منها‏‎ ‎‏لقیام الغرض به.‏

الأمر الثالث :‏ أنّ الأمر المتعلّق بنفس المرکّب واحد لا یدعو إلاّ إلی نفس‏‎ ‎‏هذا المرکّب، فهنا أمرٌ واحد متعلّق بأمرٍ وحدانیّ فی اللحاظ، فیبعث المکلّف‏‎ ‎‏ویدعوه إلیه، لا أوامر متعدّدة وأبعاث ودعوات متعدّدة حسب تعدّد الأجزاء؛ تعلّق‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 460
‏کلّ واحدٍ منها بجزء؛ بأن یتعلّق بکلّ جزء أمرٌ، لکن حیث إنّ هذا المرکّب منحلٌّ إلی‏‎ ‎‏الأجزاء، بل هو عین الأجزاء الکثیرة، لکن فی لباس الوحدة ولحاظها، کما أنّ‏‎ ‎‏الأجزاء الکثیرة عین ذلک الواحد بحسب اللحاظ فی لباس الکثرة، فالأمر والبعث‏‎ ‎‏إلی هذا المرکّب أمرٌ وبعثٌ إلی هذه الأجزاء، والدعوة إلیه عین الدعوة إلی الأجزاء،‏‎ ‎‏فداعویّة الأمر إلی المرکّب هی داعویّته إلی الأجزاء بعینها، لا أنّ الأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالمرکّب ینبسط علی أجزائه؛ بأن یتعلّق بکلّ جزء منه جزء من الأمر؛ سواء قلنا:‏‎ ‎‏إنّ الأجزاء مقدّمات داخلیّة؛ یعنی کلّ واحد منها مقدّمة، وتعلّق الأمر الغیری بها،‏‎ ‎‏کما ذکره المحقّق العراقی فی المقدّمات الخارجیّة‏‎[1]‎‏ أم لا، فإنّ وجوب الإتیان‏‎ ‎‏بالأجزاء علی فرض مقدّمیّتها الداخلیّة إنّما هو بحکم العقل؛ لیتحقّق امتثال أمر‏‎ ‎‏المرکّب، لا أنّه یترشّح من الأمر بالمرکّب أمرٌ بالمقدّمات.‏

‏وممّا ذکرنا یظهر : أنّه إنّما یدعو إلی الأجزاء التی هو مشتمل علیها، لا إلی‏‎ ‎‏أمرٍ خارج عنه.‏

الأمر الرابع :‏ أنّ ما ذکرنا : من أنّ دعوة الأمر إلی المرکّب دعوة إلی الأجزاء،‏‎ ‎‏إنّما هو فیما إذا علم جزئیّته، وأمّا لو شکّ فی جزئیّة شیء للمأمور به فلا یدعو‏‎ ‎‏الأمر إلیه؛ لعدم قیام الحجّة علی وجوب الإتیان به، فالعقاب علیه عقاب بلا بیان،‏‎ ‎‏بل الأمر کذلک وإن قلنا : بأنّ وجوب الأجزاء عقلیّ من باب المقدّمیّة.‏

وبالجملة :‏ قد عرفت أنّ الصلاة المأمور بها وإن لاحظها الآمر بعنوان‏‎ ‎‏وحدانیّ حین الأمر بها، لکن عرفت أیضاً فی الأمر الثالث أنّها عین الأجزاء‏‎ ‎‏والکثرات فی لحاظ الوحدة، فالأمر المتعلّق بها متعلّق بالأجزاء، فمرجع الشکّ فی‏‎ ‎‏جزئیّة شیء للمأمور به إلی الشکّ فی اعتبار المولی هذا الجزء فی المرکّب مع سائر‏‎ ‎‏الأجزاء التی تنحلّ الصلاة إلیها، ولم تقم حجّة علی وجوبه، فأصالة البراءة فیه‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 461
‏محکّمة، والفرض صدق الصلاة علی المأتیّ به من سائر الأجزاء المعلومة؛ بناءً علی‏‎ ‎‏القول بالأعمّ، کما هو مبنی البحث فی الأقلّ والأکثر.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 462

  • )) نهایة الأفکار 3 : 375 ـ 376 .