المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

أدلّة عدم جواز ارتکاب ملاقی أحد أطراف الشبهة المحصورة

أدلّة عدم جواز ارتکاب ملاقی أحد أطراف الشبهة المحصورة

فنقول :‏ استدلّ لعدم جواز ارتکاب ملاقی أحد أطراف الشبهة المحصورة‏‎ ‎‏ووجوب الاجتناب عنه بقوله تعالیٰ : ‏‏«‏والرُجْزَ فاهْجُرْ‏»‏‎[1]‎‏ بناءً علی أنّ الاجتناب‏‎ ‎‏عن النجس یعمّ الاجتناب عن ملاقیه أیضاً ولو بوسائط، بل هو عینه؛ ولذا نقل‏‎ ‎‏الاستدلال به عن السیّد أبی المکارم ابن زهرة‏‎[2]‎‏ علی تنجّس الماء القلیل بمجرّد‏‎ ‎‏ملاقاته للنجس.‏

‏واستدلّ‏‎[3]‎‏ له أیضاً بما رواه عمرو بن شمر، عن جابر الجعفی، عن أبی‏‎ ‎‏جعفر ‏‏علیه السلام‏‏: أتاه رجل فقال له: وقعت فأرة فی خابیة فیها سمن أو زیت، فما تری‏‎ ‎‏فی أکله؟ قال: فقال له أبو جعفر  ‏‏علیه السلام‏‏ : (‏لا تأکله‏).‏

‏فقال له الرجل : الفأرة أهون علیّ من أن أترک طعامی من أجلها.‏

‏قال فقال له أبو جعفر : (‏إنّک لم تستخفّ بالفأرة، وإنّما استخْفَفْتَ بدینک، إنّ‎ ‎الله حرّم المیتة من کلّ شیء)‎[4]‎‏.‏

‏ولکنّ الحقّ عدم صلاحیّة الاستدلال بهما : أمّا الآیة فلأنّ سببیّة الملاقاة‏‎ ‎‏للنجس لتنجّس الملاقی لیست تکوینیّة، ولا بنحو السرایة الحقیقیّة؛ بأن توجب‏‎ ‎‏اتّساع دائرة النجس؛ لتکون نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ فی عرض نجاسة الملاقی‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ ولا عینها؛ لیکون الحکم بوجوب الهجر عن النجس حکماً بوجوبه عن‏‎ ‎‏ملاقیه، بل هی نجاسة اُخری تعبّداً من الشارع، غیر النجاسة التی فی الملاقی‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 436
‏ـ بالفتح ـ فإنّ سببیته وقوع مقدار رأس إبرة من البول فی أقلّ من مقدار الکرّ بقلیل‏‎ ‎‏لتنجس ذلک الماء، ووجوب الاجتناب عنه لیس إلاّ مجرّد التعبّد، وإلاّ فهو لیس‏‎ ‎‏بنجس، بل متنجّس‏‎[5]‎‏، ولا تدلّ الآیة علی وجوب هجره؛ لأنّها لا تدلّ علی وجوب‏‎ ‎‏الاجتناب عن المتنجّس، بل عن نفس النجس، وما نحن فیه کذلک.‏

‏وأمّا الروایة فهی ضعیفة السند بعمرو بن شمر، بل قیل: إنّه من الجعّالین فی‏‎ ‎‏کتاب جابر‏‎[6]‎‏.‏

‏مضافاً إلی أنّه یمکن أن یقال : إنّ المفروض فی السؤال فیها: أنّ الفأرة أنبثّت‏‎ ‎‏وتشتّتت فی السمن، واختلطت أجزاؤها فیه، وأراد السائل أکله کذلک؛ فلذا حکم‏‎ ‎‏الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ بأنّ ذلک استخفاف بحکم حرمة المیتة.‏

‏وهذا المعنی وإن بعُد فی بادئ النظر، لکنّه بعد ملاحظة حالات الأعراب فی‏‎ ‎‏ذلک الزمان، وکیفیّة أطعمتهم ومأکولاتهم، غیر بعید.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 437

  • )) المدّثر (74) : 5 .
  • )) الغنیة ، ضمن سلسلة الینابیع الفقهیة 2 : 379 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 79 ـ 80 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 420 / 1327 ، الاستبصار 1 : 24 / 3، وسائل الشیعة 1 : 149، کتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 5 ، الحدیث2.
  • )) ذکر بعض أعاظم أساتیذنا فی درسه : أنّ عنوان المتنجّس عنوان حادث فی الأزمنة المتأخّرة، وشاع بین المتأخّرین ، وإلاّ فالنجس شامل للمتنجّس أیضاً ، وأنـّهما واحدٌ، ولذا اُطلق فی کلمات القدماء لفظ النجس علی الأعمّ منهما، فتدبّر . المقرّر حفظه الله .
  • )) رجال النجاشی : 287 / 765 .