فیما لو شکّ بأنّ الشبهة محصورة أو غیر محصورة
ثمّ إنّه لو علم : بأنّ الشبهة محصورة أو غیر محصورة فهو، وأمّا لو شکّ فی ذلک بنحو الشبهة المصداقیّة أو المفهومیّة فالعمدة من الوجوه التی استدلّ بها لجواز ارتکاب أطراف الغیر المحصورة ـ کما عرفت ـ وجهان : منها أحدهما أخبار الحِلّ، وثانیهما الطریقة العقلائیّة؛ فنذکر ما هو المطابق للقواعد فی حکم الشکّ بناءً علی هذین الوجهین، (وأمّا الوجوه الاُخر فحیث إنّها ضعیفة فلا جدوی للتعرّض لحکمها
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 430
فی صورة الشکّ).
أمّا بناءً علی الاستدلال بأخبار الحِلّ : فإن کان المخصِّص لها وإخراج الشبهة المحصورة هو الإجماع، وکان مفهوم معقد الإجماع مبیَّناً، فالشبهة مصداقیّة ـ کما لو فرض أنّ الألف غیر محصورة والمئاة محصورة، وشکّ فی مورد أنّ أطرافه ألفٌ أو مئآة؛ لیجب الاجتناب عنه علی الثانی دون الأوّل ـ فحکمه حکم سائر موارد الشبهات المصداقیّة للمخصِّص فی عدم جواز التمسُّک بواحدٍ منهما؛ لعدم العلم بأنّه مصداق للمخصِّص، ولا للباقی تحت العامّ؛ للعلم بخروج المحصور، ولعلّه منه.
ولا یجوز التمسّک فیه بالأدلّة الأوّلیّة أیضاً، مثل : «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمیْتَةُ وَالْدَّمُ...» إلی آخره؛ لأنّه وإن کان المختار بقاء الحکم الفعلی فی جمیع الموارد، لکن المفروض قیام الدلیل علی جواز الارتکاب والترخیص فی الشبهات الغیر المحصورة.
نعم، لو شُکّ فی أصل الترخیص أمکن التمسّک بها، نظیر ما لو شکّ فی أصل تخصیص العامّ، لکن المفروض فی المقام العلم بأصل الترخیص ولکن لم یعلم أنّ هذا المورد من المرخَّص فیه، أو لا، کما فی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص بعد العلم بأصل الترخیص.
وأمّا فی الشبهة المفهومیّة ، کما لو لم یعلم معنی ومفهوم المخرَج بالإجماع من أخبار الحِلّ، فهو مثل سائر موارد الشبهات المفهومیّة للمخصِّص فی عدم صحّة التمسّک فیه بالمخصِّص؛ لعدم حجّیّته بالنسبة إلی المشکوک شموله له، لکن یجوز التمسّک بالعموم؛ لأنّه حجّة بالنسبة إلیه؛ فیجوز التمسُّک فیه بقوله علیه السلام: (کلّ شیء
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 431
یکون فیه حلال وحرام فهو لک حلال).
إلاّ أن یقال : إنّ المخصِّص لتلک الأخبار هو العقل؛ لأنّه ترخیص فی المعصیة بالنسبة إلی الشبهة المحصورة، فلا یجوز التمسّک فیه بأخبار الحلّ ولا المخصِّص؛ لأنّه وإن کان منفصلاً، لکنّه یکشف عن أنّ العامّ صدر من المولی محفوفاً بالمخصِّص المجمل، فیصیر هو أیضاً مجملاً.
لکن لا مانع من التمسُّک بالأدلّة الأوّلیّة؛ لأنّ الإجمال إنّما هو فی أدلّة الترخیص.
وأمّا بناءً علی أنّ الدلیل علی جواز الارتکاب فی الغیر المحصورة هی الأمارة العقلائیّة ـ أی الوجه الأخیر الذی نقلناه عن الاُستاذ الحائری قدس سره ـ فالکلام فی المقام ـ بناءً علیه ـ أیضاً کذلک، ففی الشبهة المصداقیّة لایجوز التمسّک بالمخصِّص ولا بالعامّ ولا بالأدلّة الأوّلیّة، کما لو فرض أنّ العقلاء لایجتنبون ما بلغت أطرافه ألفاً، دون ما إذا کانت مائة، ولم یعلم فی عددٍ أنّه ألف أو مائة، فإنّ الظاهر عدم جواز التمسّک بواحد من العامّ والمخصّص والأدلّة الأوّلیّة، کما فی نظائره من الشبهات المصداقیّة للمخصِّص؛ لعدم إحراز بناء العقلاء فی ذلک؛ لا بالارتکاب، ولا بعدمه.
وأمّا فی الشبهة المفهومیّة، کما لو علم أنّ المُخرَج من أخبار الحلّ عنوان مجمل بحسب المفهوم؛ کبناء العقلاء علی عدم جواز الارتکاب فیه، فمقتضی القاعدة جواز التمسُّک بأخبار الحلّ، کما فی نظائره من الشبهات المفهومیّة للمخصِّص؛ لأنّها حجّة بالنسبة إلی المشکوک خروجه منها، والخاصّ المخرِج للعنوان المذکور لیس حجّةً فیه، ولا ترفع الید من الحجّة باللاّحجّة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 432
ثمّ إنّ الموارد التی جوّزنا فیها ارتکاب أطراف الشبهة الغیر المحصورة، هل هی من قبیل الشبهات البَدْویّة، فلا یجوز الوضوء من أطراف الغیر المحصورة التی یعلم بأنّ أحدها نجس، إلاّ إذا أحرزت الطهارة بأصل آخر، أو هی أدون من الشبهة البَدْویّة، فیجوز الوضوء منها أیضاً ؟
فیختلف ذلک باختلاف الوجوه المستدلّ بها لجواز الارتکاب، فإن کان المتمسَّک به فیه أخبار الحلّ فمقتضاه مجرّد حلّیّتها والأکل منها، وأنّها بمنزلة المشکوک بَدْواً، فلا یجوز الوضوء منها؛ لعدم دلالة أخبار الحلّ علی طهارة کلّ واحد من الأطراف، بل مجرّد جواز الأکل والشرب.
بخلاف ما لو تمسّکنا له ببناء العقلاء ؛ فإنّ مقتضاه جواز الوضوء لبنائهم علی أنّها طاهرة، ویجوز الوضوء بالماء الطاهر.
والعجب من المیرزا النائینی قدس سره فإنّه ـ مع أنّ مبناه فی ضابطة الغیر المحصورة عدم إمکان الجمع بین الأطراف ـ نقل عنه المقرّر جواز الوضوء من أطرافها، مع أنّ مقتضی مبناه فی ذلک عدم جواز الوضوء؛ لأنّ جواز الارتکاب حینئذٍ إنّما هو لعدم إمکان الجمع بین الأطراف، لا لطهارتها.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433