المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

فیما لو شکّ بأنّ الشبهة محصورة أو غیر محصورة

فیما لو شکّ بأنّ الشبهة محصورة أو غیر محصورة

‏ثمّ إنّه لو علم : بأنّ الشبهة محصورة أو غیر محصورة فهو، وأمّا لو شکّ فی‏‎ ‎‏ذلک بنحو الشبهة المصداقیّة أو المفهومیّة فالعمدة من الوجوه التی استدلّ بها لجواز‏‎ ‎‏ارتکاب أطراف الغیر المحصورة ـ کما عرفت ـ وجهان : منها أحدهما أخبار الحِلّ،‏‎ ‎‏وثانیهما الطریقة العقلائیّة؛ فنذکر ما هو المطابق للقواعد فی حکم الشکّ بناءً علی‏‎ ‎‏هذین الوجهین، (وأمّا الوجوه الاُخر فحیث إنّها ضعیفة فلا جدوی للتعرّض لحکمها‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 430
‏فی صورة الشکّ).‏

‏أمّا بناءً علی الاستدلال بأخبار الحِلّ : فإن کان المخصِّص لها وإخراج‏‎ ‎‏الشبهة المحصورة هو الإجماع، وکان مفهوم معقد الإجماع مبیَّناً، فالشبهة مصداقیّة‏‎ ‎‏ـ کما لو فرض أنّ الألف غیر محصورة والمئاة محصورة، وشکّ فی مورد أنّ أطرافه‏‎ ‎‏ألفٌ أو مئآة؛ لیجب الاجتناب عنه علی الثانی دون الأوّل ـ فحکمه حکم سائر‏‎ ‎‏موارد الشبهات المصداقیّة للمخصِّص فی عدم جواز التمسُّک بواحدٍ منهما؛ لعدم‏‎ ‎‏العلم بأنّه مصداق للمخصِّص، ولا للباقی تحت العامّ؛ للعلم بخروج المحصور،‏‎ ‎‏ولعلّه منه.‏

‏ولا یجوز التمسّک فیه بالأدلّة الأوّلیّة أیضاً، مثل : ‏‏«‏حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمیْتَةُ‎ ‎وَالْدَّمُ...‏»‏‎[1]‎‏ إلی آخره؛ لأنّه وإن کان المختار بقاء الحکم الفعلی فی جمیع‏‎ ‎‏الموارد، لکن المفروض قیام الدلیل علی جواز الارتکاب والترخیص فی الشبهات‏‎ ‎‏الغیر المحصورة.‏

‏نعم، لو شُکّ فی أصل الترخیص أمکن التمسّک بها، نظیر ما لو شکّ فی أصل‏‎ ‎‏تخصیص العامّ، لکن المفروض فی المقام العلم بأصل الترخیص ولکن لم یعلم أنّ‏‎ ‎‏هذا المورد من المرخَّص فیه، أو لا، کما فی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص بعد العلم‏‎ ‎‏بأصل الترخیص.‏

‏وأمّا فی الشبهة المفهومیّة ، کما لو لم یعلم معنی ومفهوم المخرَج بالإجماع‏‎ ‎‏من أخبار الحِلّ، فهو مثل سائر موارد الشبهات المفهومیّة للمخصِّص فی عدم صحّة‏‎ ‎‏التمسّک فیه بالمخصِّص؛ لعدم حجّیّته بالنسبة إلی المشکوک شموله له، لکن یجوز‏‎ ‎‏التمسّک بالعموم؛ لأنّه حجّة بالنسبة إلیه؛ فیجوز التمسُّک فیه بقوله ‏‏علیه السلام‏‏: (‏کلّ شیء

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 431
یکون فیه حلال وحرام فهو لک حلال)‎[2]‎‏.‏

إلاّ أن یقال :‏ إنّ المخصِّص لتلک الأخبار هو العقل؛ لأنّه ترخیص فی المعصیة‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الشبهة المحصورة، فلا یجوز التمسّک فیه بأخبار الحلّ ولا المخصِّص؛‏‎ ‎‏لأنّه وإن کان منفصلاً، لکنّه یکشف عن أنّ العامّ صدر من المولی محفوفاً‏‎ ‎‏بالمخصِّص المجمل، فیصیر هو أیضاً مجملاً.‏

‏لکن لا مانع من التمسُّک بالأدلّة الأوّلیّة؛ لأنّ الإجمال إنّما هو فی أدلّة‏‎ ‎‏الترخیص.‏

‏وأمّا بناءً علی أنّ الدلیل علی جواز الارتکاب فی الغیر المحصورة هی‏‎ ‎‏الأمارة العقلائیّة ـ أی الوجه الأخیر الذی نقلناه عن الاُستاذ الحائری ‏‏قدس سره‏‏ ـ فالکلام‏‎ ‎‏فی المقام ـ بناءً علیه ـ أیضاً کذلک، ففی الشبهة المصداقیّة لایجوز التمسّک‏‎ ‎‏بالمخصِّص ولا بالعامّ ولا بالأدلّة الأوّلیّة، کما لو فرض أنّ العقلاء لایجتنبون ما‏‎ ‎‏بلغت أطرافه ألفاً، دون ما إذا کانت مائة، ولم یعلم فی عددٍ أنّه ألف أو مائة، فإنّ‏‎ ‎‏الظاهر عدم جواز التمسّک بواحد من العامّ والمخصّص والأدلّة الأوّلیّة، کما فی‏‎ ‎‏نظائره من الشبهات المصداقیّة للمخصِّص؛ لعدم إحراز بناء العقلاء فی ذلک؛ لا‏‎ ‎‏بالارتکاب، ولا بعدمه.‏

‏وأمّا فی الشبهة المفهومیّة، کما لو علم أنّ المُخرَج من أخبار الحلّ عنوان‏‎ ‎‏مجمل بحسب المفهوم؛ کبناء العقلاء علی عدم جواز الارتکاب فیه، فمقتضی‏‎ ‎‏القاعدة جواز التمسُّک بأخبار الحلّ، کما فی نظائره من الشبهات المفهومیّة‏‎ ‎‏للمخصِّص؛ لأنّها حجّة بالنسبة إلی المشکوک خروجه منها، والخاصّ المخرِج‏‎ ‎‏للعنوان المذکور لیس حجّةً فیه، ولا ترفع الید من الحجّة باللاّحجّة.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 432
ثمّ إنّ الموارد التی جوّزنا فیها ارتکاب أطراف الشبهة الغیر المحصورة،‏ هل‏‎ ‎‏هی من قبیل الشبهات البَدْویّة، فلا یجوز الوضوء من أطراف الغیر المحصورة التی‏‎ ‎‏یعلم بأنّ أحدها نجس، إلاّ إذا أحرزت الطهارة بأصل آخر، أو هی أدون من الشبهة‏‎ ‎‏البَدْویّة، فیجوز الوضوء منها أیضاً ؟‏

‏فیختلف ذلک باختلاف الوجوه المستدلّ بها لجواز الارتکاب، فإن کان‏‎ ‎‏المتمسَّک به فیه أخبار الحلّ فمقتضاه مجرّد حلّیّتها والأکل منها، وأنّها بمنزلة‏‎ ‎‏المشکوک بَدْواً، فلا یجوز الوضوء منها؛ لعدم دلالة أخبار الحلّ علی طهارة کلّ‏‎ ‎‏واحد من الأطراف، بل مجرّد جواز الأکل والشرب.‏

‏بخلاف ما لو تمسّکنا له ببناء العقلاء ؛ فإنّ مقتضاه جواز الوضوء لبنائهم علی‏‎ ‎‏أنّها طاهرة، ویجوز الوضوء بالماء الطاهر.‏

‏والعجب من المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فإنّه ـ مع أنّ مبناه فی ضابطة الغیر المحصورة‏‎ ‎‏عدم إمکان الجمع بین الأطراف ـ نقل عنه المقرّر جواز الوضوء من أطرافها‏‎[3]‎‏، مع‏‎ ‎‏أنّ مقتضی مبناه فی ذلک عدم جواز الوضوء؛ لأنّ جواز الارتکاب حینئذٍ إنّما هو‏‎ ‎‏لعدم إمکان الجمع بین الأطراف، لا لطهارتها.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433

  • )) المائدة (5) : 3 .
  • )) الکافی 5 : 313 / 39، تهذیب الأحکام 7 : 226 / 988، وسائل الشیعة 12 : 59، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 4، الحدیث 1.
  • )) فوائد الاُصول 4 : 122 .