التنبیه الثانی : تنجیز العلم الإجمالی فی التدریجیّات
لو کان أطراف العلم الإجمالی متدرجة الوجود أی التی لایوجد الطرف الثانی فیه إلاّ بعد انعدام الأوّل ـ فهل هو کغیر متدرّجة الوجود فی وجوب مراعاة العلم الإجمالی، أو لا؟
کما لو علم إمّا بوجوب إکرام زید الیوم، أو إکرامه غداً، وفرض أنّ الغد ظرف إکرامه، لا أنّه قید للحکم أو الموضوع.
وقد یکون فی الطرف الثانی فی المثال بنحو الشرطیة؛ کأن علم إمّا بوجوب إکرام زید الیوم، وإمّا بوجوب إکرامه غداً لو طلعت الشمس؛ أی بنحو یجعل طلوع
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 401
الشمس شرطاً لوجوب إکرامه، فلا یتحقّق الوجوب مادام لم یتحقّق طلوع الشمس فی الغد.
وقد یکون أحد الأطراف بنحو الواجب التعلیقی؛ بأن یجعل الغد فی المثال قیداً للموضوع ـ أی الواجب ـ وحینئذٍ لا مانع من تعلّق الوجوب والإرادة بإکرام زیدٍ غداً.
فهذه أقسام ثلاثة :
أمّا القسم الأوّل والثالث ـ أی ما لو علم بالحکم مطلقاً منجّزاً فی الأوّل، ومعلّقاً فی الثالث فی بعض الأطراف؛ بأن یکون الوجوب فعلیّاً والواجب مقیّداً ـ فلا فرق بینهما وبین الأطراف الغیر المتدرّجة فی لزوم مراعاته؛ للعلم بتوجّه تکلیف مطلق إلیه، فوجب علیه مراعاته بإتیان جمیع الأطراف أو ترکها؛ لأنّ الحکم فی الواجب المعلّق أیضاً فعلیّ، والواجب مقیّد.
وأمّا القسم الثانی : فمع العلم الوجدانی بالتکلیف المردّد بین الحکم المطلق الفعلیّ وبین المشروط بالغد، فیجب مراعاته عقلاً؛ لأنّه وإن لم یعلم بتوجّه تکلیف فعلیّ إلیه ـ لاحتمال عدم تحقّق شرطه، واحتمال أنّه الطرف المشروط ـ لکنّه یعلم بوجود الغرض الملزم فی أحد هذه الأطراف، فمع العلم بأنّ للمولی غرضاً فی حکم ما یجب اتّباعه، وإن لم یؤمر به للغفلة عنه ونحوها فی الموالی العرفیّة، کما لو علم بغرق ابن المولی والمولی غافل أو نائم، ولکن یعلم بأنّه لو علم به لأمره بإنقاذه، فإنّه یجب علی العبد إنقاذه، کما لا یخفیٰ.
بل لو أمره بقتل شخص لزعمه أنّه عدوّه، لکن علم العبد خطاءه، وأنّه صدیقه، لا یجب ـ بل لایجوز له ـ قتله.
فحیث إنّ المفروض أنّه عالم بوجود غرضٍ للمولی فی أحد الأطراف، وجبت علیه مراعاته.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 402
وأمّا مع عدم العلم الوجدانی بالتکلیف ، لکن قامت أمارة معتبرة: إمّا علی وجوب هذا بالفعل، أو ذاک مشروطاً بشرط لم یتحقّق شرطه بعدُ، فیمکن أن یقال: بعدم وجوب الاحتیاط؛ لعدم العلم بالتکلیف الفعلیّ المنجَّز قبل تحقّق الشرط ولا بعده؛ لأنّه بعد تحقّقه یحتمل کون الواجب هو الطرف الآخر الغیر المشروط، المفروض مضیّ وقته، والمفروض عدم علمه بوجود غرضٍ له لأنّ المفروض عدم العلم الوجدانی فیه.
ولکنّ الإنصاف خلافه؛ وذلک لأنّه مع قیام الأمارة: إمّا علی وجوب هذا بالفعل، أو وجوب ذلک مشروطاً بشرط سیتحقّق قطعاً، فهو غیر معذور فی المخالفة عند العرف والعقلاء، فإنّه لو علم تفصیلاً بوجوب فعلٍ مشروطاً بشرط یتحقّق بعد ذلک قطعاً، فترک مقدّماته ولو قبل تحقّق الشرط، فتعذّر علیه الامتثال بعد تحقّقه؛ لترکه مقدّماته، لما کان معذوراً عند العقلاء، بل یعدّ عاصیاً.
ففیما نحن فیه؛ أی ما لو قامت الأمارة المعتبرة علی نحو ما ذکر من التکلیف المردّد بین الواجب الفعلیّ والمشروط، أیضاً کذلک مع العلم بأنّه یتحقّق الشرط، فلابدّ من مراعاة کلٍّ منهما، ولا یقبل عذره فی المخالفة.
وحینئذٍ فلا فرق بین الأقسام الثلاثة کلّها فی وجوب مراعاة العلم الإجمالی، خلافاً للشیخ الأعظم قدس سره حیث اختار جواز الارتکاب والمخالفة؛ لأجل خروج الطرف الآخر عن مورد ابتلاء المکلّف.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403