المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

حول أصالة عدم التذکیّة

حول أصالة عدم التذکیّة

‏ولکن وقع الکلام بین الأعلام فی جریان أصالة عدم قابلیّة الحیوان‏‎ ‎‏المشکوک فی قابلیّته للتذکیة، وکذلک أصالة عدم التذکیة وعدمه، ولا بأس بصرف‏‎ ‎‏عنان الکلام إلیٰ ما هو مقتضیٰ القواعد الاُصولیّة وإن کان خارجاً عن المقام، فنقول:‏

الشبهة فی المقام :‏ إمّا حکمیّة، کما لو شکّ فی حیوان ـ کالأرنب ـ أنّه قابل‏‎ ‎‏للتذکیة أو لا، وکذلک الحیوان المتولّد من المأکول لحمه کالغنم والغیر المأکول‏‎ ‎‏کالکلب، ولم یتبع أحدهما فی الاسم، بل کان طبیعة ثالثة، ومثل الشبهة المفهومیّة،‏‎ ‎‏کما لو شکّ فی صدق مفهوم الکلب علیٰ الجرّی، وکما لو شکّ فی شرطیّة شیء فی‏‎ ‎‏التذکیة وتحقّقها، کاستقبال الذابح، وکما لو شکّ فی مانعیّة شیء کالجلل، فإنّ الشبهة‏‎ ‎‏فی جمیع هذه الصور حکمیّة.‏

‏وإمّا موضوعیّة، کما لو شکّ فی حیوان أنـّه کلب أو غنم، وکما لو وجد لحم‏‎ ‎‏مطروح لم یعلم أنـّه مِن مذکّیً أو لا، وکما لو شکّ فی تحقّق ما هو شرط للتذکیة‏‎ ‎‏المعلوم شرطیّته، کالاستقبال بالمذبوح المعلوم شرطیّته، أو شکّ فی وجود مانع‏‎ ‎‏کالجلل المعلوم مانعیّته، فإنّ الشبهة فی تلک الموارد موضوعیّة.‏

‏ثمّ إنّ فی حقیقة التذکیة وجوهاً واحتمالات :‏

أحدها :‏ أنّها أمرٌ مرکّب من اُمور ستّة :‏

1 ـ‏ استقبال المذبوح.‏

2 ـ‏ التسمیة.‏

3 ـ‏ الذبح بالحدید.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
4 ـ‏ إسلام الذابح.‏

5 ـ‏ فَرْی الأوداج الأربعة.‏

6 ـ‏ قابلیّة الحیوان للتذکیة.‏

الثانی :‏ أنّها عنوان بسیط یحصل ویتحقّق بهذه الاُمور الستّة ، وهذه الاُمور‏‎ ‎‏محصّلة ومحقّقة لها .‏

الثالث :‏ أنّها عبارة عن عنوان منتزع من هذه الاُمور الستّة متّحد معها فی‏‎ ‎‏الخارج.‏

الرابع :‏ أنّها مرکّبة من الاُمور الخمسة المذکورة، سویٰ قابلیّة المحل لکنّها‏‎ ‎‏متقیِّدة بها فی تحقّقها.‏

الخامس :‏ أنّها عبارة عن عنوان منتزع عن اُمور خمسة مقیَّدة بقابلیّة المحلّ‏‎ ‎‏لها.‏

السادس :‏ أنّها عبارة عن عنوان بسیط یحصل من الاُمور الخمسة بشرط‏‎ ‎‏قابلیّة المحلّ لها.‏

إذا عرفت ذلک نقول :‏ لابدّ من البحث فی جریان أصالة عدم قابلیّة المحلّ لها‏‎ ‎‏وعدمه، ثمّ البحث ـ علیٰ فرض جریانها ـ فی جریان أصالة عدم التذکیة وعدمه.‏

ذکر شیخنا الحائری ‏قدس سره‏‎[1]‎‏ فی بیان جریان أصالة عدم القرشیّة ما یستلزم‏‎ ‎‏القول بجریان أصالة عدم قابلیّة الحیوان للتذکیة فیما نحن فیه، وإن لم یتعرّض له‏‎ ‎‏فی خصوص هذا المقام، لکنّ المسألتین من وادٍ واحد.‏

وحاصله :‏ أنّ العوارض علیٰ قسمین: عارض الوجود، وعارض الماهیّة،‏‎ ‎‏وعلیٰ أیّ تقدیر فالعرض: إمّا لازم أو مفارق، فالعرض اللاّزم للماهیّة کالزوجیّة‏‎ ‎‏للأربعة، علیٰ إشکال ومسامحة فی التعبیر عن ذلک بالعرض، والعارض المفارق لها‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321
‏کعروض الوجود لها، أو عوارض الوجود المفارقة، فإنّها عارضة للماهیّة ـ أیضاً ـ‏‎ ‎‏بالتبع للوجود علیٰ مسامحةٍ فی التعبیر فی جمیع ذلک، والعرض اللاّزم للوجود‏‎ ‎‏کنوریّته ومُظهریّته بنفسه، والعرض المفارق له کالبیاض والسواد.‏

‏إذا عرفت ذلک فلاریب فی أنّ القرشیّة وقابلیة المحلّ للتذکیة لیستا من‏‎ ‎‏عوارض ماهیّة المرأة والحیوان، وهو واضح، بل هما من عوارض الوجود، فإذا شکّ‏‎ ‎‏فی امرأة أنّها قرشیّة أو لا، یُشار إلیها، فیقال: هذه المرأة لم تکن قرشیّة فی الأزل؛‏‎ ‎‏لأنّ القرشیّة من عوارض الوجود، فقبل وجودها لا یمکن أن تکون قرشیّة،‏‎ ‎‏فیستصحب عدم قرشیّتها إلی الآن، وکذلک فی الحیوان المشکوک قابلیّته للتذکیة‏‎ ‎‏وعدمها.‏

أقول : یرد علیه أوّلاً :‏ أنّ هذا الأصل غیر صحیح؛ وذلک لأنّ الموضوع للحکم‏‎ ‎‏برؤیة الدم فی المرأة والنجاسة والحرمة فی الحیوان ـ فیما نحن فیه ـ إمّا هو المرأة‏‎ ‎‏الغیر القرشیّة أو الحیوان الغیر القابل للتذکیة بنحو الإیجاب العدولی؛ أی معدولة‏‎ ‎‏المحمول.‏

‏وإمّا هو بنحو الموجبة السالبة المحمول؛ أی المرأة التی لیست قرشیّة أو‏‎ ‎‏الحیوان الذی لیس قابلاً للتذکیة.‏

‏وإمّا بنحو السالبة المحصّلة مع حفظ الموضوع ووجوده؛ أی الحیوان‏‎ ‎‏الموجود الغیر القابل للتذکیة والمرأة الموجودة الغیر القرشیّة.‏

‏وإمّا بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من صورة عدم الموضوع وعدم المحمول،‏‎ ‎‏لکن هذا الفرض الأخیر مستحیل؛ لأنّه یمتنع أن یثبُت حکمٌ ثبوتیّ ـ کالحرمة‏‎ ‎‏والنجاسة ورؤیة الدم ـ لموضوعٍ عدمیّ؛ لأنّ مع عدم وجود الحیوان والمرأة کیف‏‎ ‎‏یمکن الحکم بنجاسته وحرمته ورؤیتها الدم؟!‏

‏فلابدّ أن یکون الموضوع هو أحد الأنحاء الثلاثة المتقدّمة، وحینئذٍ فلیس‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322
‏للمستصحب حالة سابقة متیقّنة فیها؛ لأنّه لم یتحقّق فی الزمان السابق وجود‏‎ ‎‏الحیوان متّصفاً بعدم قابلیّته للتذکیة، ولا المرأة متّصفة بعدم القرشیّة؛ کی یستصحب.‏

فإن قلت :‏ یمکن استصحاب عدم القرشیّة ولو فی حال عدم وجود المرأة فی‏‎ ‎‏الزمان السابق ـ أی العدم الأزلی ـ وکذلک فی الحیوان.‏

قلت :‏ استصحاب هذا العدم الأزلی لا یثبت أنّ هذه المرأة الموجودة متّصفة‏‎ ‎‏بعدم القرشیّة، وهکذا استصحاب کلّ عامّ أو کلّیّ لإثبات خاصٍّ وفرد، فإنّه مُثبِت.‏

فإن قلت :‏ یمکن أن یؤخذ الموضوع مرکّباً من المرأة وعدم قرشیّتها، لا بنحو‏‎ ‎‏التقیید، بل هما معاً، فأحد جزءی الموضوع متحقّق بالوجدان، وهی المرأة، والآخر‏‎ ‎‏یُحرز بالاستصحاب ؛ أی استصحاب العدم الأزلی للقرشیّة.‏

قلت :‏ نعم، لکن لابدّ من ملاحظة الأدلّة، وأنّ الموضوع فیها اُخذ کذلک أو لا،‏‎ ‎‏ولیس فی الأدلّة الشرعیّة ما یدلّ علیٰ ذلک.‏

‏مضافاً إلیٰ أنّه لا یمکن استصحاب عدم القرشیّة فی الجزء الآخر بنحو الأعمّ‏‎ ‎‏من عدم الموضوع؛ لأنّ فرض عدم الموضوع منافٍ لفرض وجود المرأة؛ أی الجزء‏‎ ‎‏الآخر.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ فرض انتفاء القرشیّة بانتفاء موضوعها مناقض لفرض وجود‏‎ ‎‏المرأة، فلابدّ فی استصحاب عدم القرشیّة فی المقام من حفظ وجود الموضوع،‏‎ ‎‏ویجیء فیه ما ذکرناه: من عدم وجود الحالة السابقة فی المقام.‏

وثانیاً :‏ لو سلّمنا ذلک لکن یشترط فی الاستصحابات الموضوعیّة أن یترتّب‏‎ ‎‏علیها أثر شرعیّ؛ بأن یکون هناک کبریٰ کلّیّة تنطبق علیٰ الموضوع المستصحب،‏‎ ‎‏کما لو فرض أنـّه ورد فی الشرع: أنّ کلّ ما لا یقبل التذکیة فهو غیر مذکّیً،‏‎ ‎‏فباستصحاب عدم قبوله للتذکیة یترتّب علیه الحکم المذکور فی الکبریٰ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المستصحب من مصادیق موضوعها، لکن لم یرد فی الشریعة کبریٰ کذلک موضوعها‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323
‏الحیوان الغیر القابل للتذکیة، بل الأحکام الواردة فی الأدلّة الشرعیّة هی أنّ المذکّیٰ‏‎ ‎‏حلال وطاهر، والغیر المذکّیٰ حرام ونجس، ولا یثبت باستصحاب عدم قبول التذکیة‏‎ ‎‏ان الحیوان غیر مذکّی یترتّب علیه حرمته ونجاسته لأنّه حکم عقلی لحکم العقل‏‎ ‎‏بانتفاء المرکّب بانتفاء أحد جزءیه أو شرطه، ولا فرق فی ذلک بین الوجوه الستّة‏‎ ‎‏المتقدّمة فی معنیٰ التذکیة وحقیقتها.‏

فتلخّص :‏ أنّ أصالة عدم قابلیّة الحیوان للتذکیة : إمّا غیر جاریة، أو غیر‏‎ ‎‏نافعة.‏

وأمّا أصالة عدم التذکیة :‏ فهی ـ أیضاً ـ کذلک : إمّا غیر جاریة، أو غیر مفیدة؛‏‎ ‎‏لأنّها مثبِتة؛ وذلک لأنّ موضوع الحرمة والنجاسة: إمّا هو الحیوان المیتة، أو الحیوان‏‎ ‎‏الغیر المذکّیٰ بنحو الموجبة المعدولة المحمول وإمّا الحیوان الذی لیس بمذکّیً بنحو‏‎ ‎‏الموجبة السالبة المحمول، أو الحیوان مسلوباً عنه التذکیة مع حفظ وجود‏‎ ‎‏الموضوع.‏

ثمّ إنّ التذکیة :‏ عبارة عن إزهاق روح الحیوان بکیفیّة خاصّة بیّنها الشارع،‏‎ ‎‏وهی اجتماع الاُمور الستّة.‏

وأمّا عدم التذکیة فهی :

‏إمّا عبارة عن عدم إزهاق الروح بنحو السلب المطلق.‏

‏أو أنّها عبارة عن إزهاق الروح بکیفیّة اُخریٰ غیر ما عیّنها الشارع.‏

‏أو إزهاق الروح بغیر الکیفیّة الخاصّة بنحو الموجبة المعدولة المحمول.‏

‏أو الإزهاق الذی لیس بالکیفیّة الخاصّة بنحو الموجبة السالبة المحمول.‏

‏أو الإزهاق مسلوباً عنه الکیفیّة الخاصّة بنحو السالبة المحصّلة، مع حفظ‏‎ ‎‏وجود الموضوع لا بنحو التقیید.‏

‏هذا بحسب التصوّر العقلی.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324
وأمّا بحسب التصدیق والإمکان :‏ فلا یمکن أن یکون عدم التذکیة عبارة عن‏‎ ‎‏عدم إزهاق الروح بنحو السلب المطلق الأعمّ من عدم الموضوع، وهو الحیوان، أو‏‎ ‎‏مع وجوده وحیاته، أو بعد موته، مع إزهاقه بغیر الکیفیّة الخاصّة، فإنّه لایمکن‏‎ ‎‏اعتبار ذلک موضوعاً لحکمٍ ثبوتیّ فی مقام الجعل.‏

‏وکذلک بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من عدم الموضوع والمحمول؛ فإنّه لا‏‎ ‎‏یمکن أن یؤخذ موضوعاً لحکم شرعیّ.‏

‏وکذلک لو فرض أنّه مرکّب من إزهاق الروح وعدم الکیفیّة الخاصّة .‏

مضافاً إلی إشکال آخر فیه :‏ وهو أنه لا یمکن اعتبار ذلک موضوعاً إن اُرید‏‎ ‎‏من عدم الکیفیّة الأعمُّ من عدم الموضوع، وهو الإزهاق، فإنّه یُنافی فرض وجود‏‎ ‎‏الجزء الآخر؛ أی الإزهاق.‏

إذا عرفت ذلک نقول :‏ إن اُرید من استصحاب عدم التذکیة استصحاب عدمها‏‎ ‎‏الأعمّ من عدم الموضوع وعدم المحمول ـ أی استصحاب العدم الأزلی ولو قبل‏‎ ‎‏وجود الحیوان أو حال حیاته ـ فهو مثبِت؛ لما عرفت من أنّ استصحاب العامّ أو‏‎ ‎‏الکلّی لا یثبت الخاصّ والجزئی، وما نحن فیه من هذا القبیل؛ لأنّه لا أثر شرعیّ‏‎ ‎‏یترتّب علی القدر المشترک، بل هو مترتّب علیٰ إزهاق روح الحیوان بغیر الکیفیّة‏‎ ‎‏الشرعیّة، أو الذی لیس بالکیفیّة الخاصّة، أو بنحو السالبة المحصّلة مع حفظ وجود‏‎ ‎‏الموضوع، واستصحاب الأعمّ لا یثبت ذلک.‏

‏وإن اُرید استصحاب عدم التذکیة مع حفظ الموضوع فلاحالة سابقة متیقّنة له.‏

ویظهر ممّا ذکرنا :‏ حال التفصیلات التی ذکرها القوم، مثل التفصیل بین کون‏‎ ‎‏التذکیة وعدمها أمرین وجودیّین فلا تجری، وبین غیره من الصور فتجری فیها، کما‏‎ ‎‏اختاره فی «الکفایة»‏‎[2]‎‏.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 325
‏وکالتفصیل بین الأحکام الوجودیّة المترتِّبة علیٰ الغیر المذکّیٰ فلا تجری،‏‎ ‎‏وبین الأحکام العدمیّة فتجری، کما اختاره الفقیه الهمدانی ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏.‏

‏وکذلک التفصیل بین أن یفسَّر عدم التذکیة بإزهاق الروح بغیر الکیفیّة الخاصّة‏‎ ‎‏بنحو الموجبة المعدولة المحمول، وبین تفسیره بنحو السالبة المحصّلة، فتجری علیٰ‏‎ ‎‏الثانی دون الأوّل، کما اختاره الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏.‏

ولا بأس بالتعرّض لما اختاره الفقیه الهمدانی ‏قدس سره‏‏ فی طهارته‏‎[5]‎‏ وتعلیقته علیٰ‏‎ ‎‏الفرائد: من التفصیل بین الأحکام الوجودیّة وبین العدمیّة، الاُولیٰ مثل الحلّیّة‏‎ ‎‏والطهارة وجواز الصلاة فیه، والثانیة إعدامها‏‎[6]‎‏.‏

‏ویظهر هذا التفصیل من الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[7]‎‏ أیضاً.‏

‏توضیحه بتقریر منّا : أنّ الأحکام الوجودیة المذکورة مسبّبة عن أسباب‏‎ ‎‏حادثة، وهی التذکیة، ومع عدمها تنعدم تلک الأحکام، ومع الشکّ فی التذکیة ـ التی‏‎ ‎‏هی سبب لها ـ یستصحب عدمها فیترتّب علیه عدم الطهارة والحلّیّة وعدم جواز‏‎ ‎‏الصلاة فیه، فإنّه یکفی فیه عدم وجود سببها المحرز بالأصل.‏

أقول : یرد علیه أوّلاً :‏ أنّه إن أراد أنّ موضوع الأحکام العدمیّة المذکورة، هو‏‎ ‎‏عدمُ التذکیة بنحو السلب المطلق الصادق مع عدم وجود الحیوان، ومع وجوده‏‎ ‎‏وحیاته، ومع وجوده وإزهاق روحه لا مع الشرائط المعتبرة فیها شرعاً، فقد تقدّم‏‎ ‎‏استحالة ذلک، والظاهر أنّه لم یُرد ذلک أیضاً.‏

‏وإن أراد أنّه لمّا کان سبب الأحکام الوجودیّة المذکورة هی التذکیة، فمع‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 326
‏عدمها المحرز بالأصل یحکم بعدم تلک الأحکام؛ ضرورة عدم المسبَّب عند عدم‏‎ ‎‏السبب.‏

‏ففیه : أنّک قد عرفت : أنّ لعدم التذکیة ـ أی عدم إزهاق الروح مع الکیفیّة‏‎ ‎‏المعتبرة الخاصّة ـ ثلاثة مصادیق ؛ أی یتحقّق فی ثلاثة موارد:‏

‏الأوّل : فی مورد عدم وجود الحیوان رأساً .‏

‏الثانی : فی صورة وجوده وحیاته .‏

‏الثالث : فی مورد وجوده وإزهاق روحه لا مع الشرائط الستّة، وحینئذٍ فإن‏‎ ‎‏أراد استصحاب عدم التذکیة بنحو العموم الشامل لجمیع الأقسام الثلاثة فقد عرفت‏‎ ‎‏ـ أیضاً ـ أنّ استصحاب العامّ والسلب المطلق لا یثبت الخاصّ والسلب الرابط.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ استصحاب عدم التذکیة بنحو الإطلاق، الشامل لصورة عدم‏‎ ‎‏وجود الموضوع رأساً، لا یثبت أنّ هذا الحیوان الخاصّ الذی زهق روحه غیر‏‎ ‎‏مذکّیً.‏

‏وإن أراد استصحاب خصوص هذا القسم أی عدم تذکیة هذا الحیوان الذی‏‎ ‎‏زهق روحه، فلا حالة سابقة له متیقّنة؛ لأنّه لم یکن فی السابق زمان تیقّن فیه وجود‏‎ ‎‏هذا الحیوان الزاهق روحه بدون الکیفیّة الخاصّة لیستصحب.‏

وثانیاً :‏ ما ذکره : من أنّ الأسباب إنّما هی للحلّیّة والطهارة وجواز الصلاة لا‏‎ ‎‏لعدمها، یمکن منعه، فإنّ المجعول هو الحرمة؛ لقوله تعالیٰ: ‏‏«‏حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ‎ ‎الْمَیْتَةُ‏»‏‎[8]‎‏، وکذلک عدم جواز الصلاة فیه، ویکفی فی جواز الصلاة فی کلّ شیء لم‏‎ ‎‏یرد فیه النهی، وکذلک الطهارة.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327

  • )) اُنظر درر الفوائد: 218 ـ 220.
  • )) کفایة الاُصول : 397 ـ 398 .
  • )) یأتی التعرض له عن قریب .
  • )) فرائد الاُصول : 223 سطر 8 .
  • )) مصباح الفقیه، الطهارة : 653 سطر 20 .
  • )) حاشیة المحقّق الهمدانی علی الرسائل : 91 سطر 28 .
  • )) اُنظر فرائد الاُصول : 373 ـ 374.
  • )) المائدة (5) : 3 .