الأمر الثانی : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیّة
هل یختصّ الحدیث برفع الأمر الوجودی، أو أنّه یعمّ الأمر العدمی أیضاً، فلو نذر أن یشرب من ماء دجلة، فاُکره علیٰ ترکه أو ترک ما یُعتبر وجوده فی الصلاة جزءً نسیاناً، فهل یشمله حدیث الرفع؛ بأن یرفع حرمة الحَنث أو الکفّارة فی الأوّل،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 227
أو جزئیّة شیء أو شرطیّته فی الثانی؟ ویشمله حدیث الرفع کما یشمل الأمر الوجودی أولا؟ وجهان .
فذهب المیرزا النائینی قدس سره : إلی أنّه لا یشمله، وأنّه لا یرفع العدم؛ لأنّ شأن الحدیث تنزیل الموجود منزلة المعدوم، لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود؛ لأنّ تنزیل المعدوم منزلة الموجود وضعٌ لا رفع، والمفروض أنّ المکلّف ترک الفعل عن إکراه أو نسیان، فلم یصدر منه أمر وجودیّ قابل للرفع.
والحاصل : أنّه فرق بین الوضع والرفع، فإنّ الوضع یتعلّق بالمعدوم، فیجعله بمنزلة الموجود، والرفع یتعلّق بالموجود، فیجعله بمنزلة المعدوم، وحدیث الرفع لایشمل الوضع.
وأورد علیه المحقّق العراقی قدس سره : بأنّ المرفوع فی الحدیث هو موضوعیّة الشیء للحکم والأثر، وإخراج الشیء عن موضوعیّته للحکم؛ سواء کان ذلک الشیء أمراً وجودیّاً أو عدمیّاً، فما ذکره صحیح فی نفسه، لکن لا یضرّ بما نحن فیه؛ لأنّ المرفوع فی الجمیع أمر وجودیّ لا عدمیّ. انتهیٰ.
وفیه نظر؛ لأنّ الرفع فی الحدیث الشریف قد تعلّق بنفس الخطأ والنسیان، فالمرفوع هو ذلک، غایة الأمر أنّه رفعٌ ادّعائیّ یحتاج إلیٰ المصحِّح ـ کما تقدّم ـ لا رفع موضوعیّتهما للحکم، وإلاّ فلو تعلّق الرفع بموضوعیّتهما فالرفع فی الحدیث حقیقیّ لا ادّعائی، وهو قدس سره معترف بأنّه ادّعائیّ.
ولکن ما ذکره المیرزا النائینی قدس سره من اختصاص الحدیث برفع الأمر الوجودی، أیضاً غیرُ صحیح :
أمّا أوّلاً : فلما تقدّم من أنّ هذا الرفع ادّعائیّ یصحّحه انتفاء جمیع الآثار،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228
ولا فرق فیه بین المرفوع الوجودی والعدمی، ولیس رفع العدم عبارة عن الوضع حتّیٰ لایشمله الحدیث.
وثانیاً : أنّ الموضوع للأثر لیس هو العدم المطلق، بل عدم خاصّ، فله نحو من الوجود الإضافی.
وثالثاً : أنّ الحاکم إذا حکم بحکم علیٰ العدم لابدّ أن یلاحظه ویتصوّره أوّلاً، ثمّ یحکم علیه، وهذا اللحاظ نحو وجودٍ له، فیکون وجودیّاً.
ورابعاً : أنّ المرفوع هو عنوان «ما لا یعلمون» أو «ما اضطُرّوا إلیه» ونحوه بنحو الکلّیّ، والموصول إشارة إجمالیة إلیٰ الأفراد ومنطبق علیها، ولیس مستعمَلاً فی الأفراد الخارجیّة؛ بحیث تکون منظوراً إلیها بخصوصها، وعنوان «ما اضطُرّوا إلیه» و «ما لا یعلمون» ونحوهما ـ المنطبق علیٰ الموجود والمعدوم ـ هو المرفوع، لا خصوص المعدوم.
فانقدح من ذلک : أنّه لا مانع من شمول حدیث الرفع للاُمور العدمیّة ـ أیضاً ـ بنحو ما ذکرناه، نعم فی مسألة نسیان الأجزاء أو شرائط الصلاة کلام آخر لعلّه یأتی إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229