المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

الأمر الثانی : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیّة

الأمر الثانی : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیّة

‏هل یختصّ الحدیث برفع الأمر الوجودی، أو أنّه یعمّ الأمر العدمی أیضاً، فلو‏‎ ‎‏نذر أن یشرب من ماء دجلة، فاُکره علیٰ ترکه أو ترک ما یُعتبر وجوده فی الصلاة‏‎ ‎‏جزءً نسیاناً، فهل یشمله حدیث الرفع؛ بأن یرفع حرمة الحَنث أو الکفّارة فی الأوّل،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 227
‏أو جزئیّة شیء أو شرطیّته فی الثانی؟ ویشمله حدیث الرفع کما یشمل الأمر‏‎ ‎‏الوجودی أولا؟ وجهان .‏

فذهب المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ :‏‏ إلی أنّه لا یشمله، وأنّه لا یرفع العدم؛ لأنّ شأن‏‎ ‎‏الحدیث تنزیل الموجود منزلة المعدوم، لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود؛ لأنّ‏‎ ‎‏تنزیل المعدوم منزلة الموجود وضعٌ لا رفع، والمفروض أنّ المکلّف ترک الفعل عن‏‎ ‎‏إکراه أو نسیان، فلم یصدر منه أمر وجودیّ قابل للرفع.‏

والحاصل :‏ أنّه فرق بین الوضع والرفع، فإنّ الوضع یتعلّق بالمعدوم، فیجعله‏‎ ‎‏بمنزلة الموجود، والرفع یتعلّق بالموجود، فیجعله بمنزلة المعدوم، وحدیث الرفع‏‎ ‎‏لایشمل الوضع‏‎[1]‎‏.‏

وأورد علیه المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ :‏‏ بأنّ المرفوع فی الحدیث هو موضوعیّة‏‎ ‎‏الشیء للحکم والأثر، وإخراج الشیء عن موضوعیّته للحکم؛ سواء کان ذلک الشیء‏‎ ‎‏أمراً وجودیّاً أو عدمیّاً، فما ذکره صحیح فی نفسه، لکن لا یضرّ بما نحن فیه؛ لأنّ‏‎ ‎‏المرفوع فی الجمیع أمر وجودیّ لا عدمیّ‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

وفیه نظر؛‏ لأنّ الرفع فی الحدیث الشریف قد تعلّق بنفس الخطأ والنسیان،‏‎ ‎‏فالمرفوع هو ذلک، غایة الأمر أنّه رفعٌ ادّعائیّ یحتاج إلیٰ المصحِّح ـ کما تقدّم ـ لا‏‎ ‎‏رفع موضوعیّتهما للحکم، وإلاّ فلو تعلّق الرفع بموضوعیّتهما فالرفع فی الحدیث‏‎ ‎‏حقیقیّ لا ادّعائی، وهو ‏‏قدس سره‏‏ معترف بأنّه ادّعائیّ.‏

ولکن ما ذکره المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ من اختصاص الحدیث برفع الأمر‏‎ ‎‏الوجودی، أیضاً غیرُ صحیح :‏

أمّا أوّلاً :‏ فلما تقدّم من أنّ هذا الرفع ادّعائیّ یصحّحه انتفاء جمیع الآثار،‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228
‏ولا فرق فیه بین المرفوع الوجودی والعدمی، ولیس رفع العدم عبارة عن الوضع‏‎ ‎‏حتّیٰ لایشمله الحدیث.‏

وثانیاً :‏ أنّ الموضوع للأثر لیس هو العدم المطلق، بل عدم خاصّ، فله نحو‏‎ ‎‏من الوجود الإضافی‏‎[3]‎‏.‏

وثالثاً :‏ أنّ الحاکم إذا حکم بحکم علیٰ العدم لابدّ أن یلاحظه ویتصوّره أوّلاً،‏‎ ‎‏ثمّ یحکم علیه، وهذا اللحاظ نحو وجودٍ له، فیکون وجودیّاً.‏

ورابعاً :‏ أنّ المرفوع هو عنوان «ما لا یعلمون» أو «ما اضطُرّوا إلیه» ونحوه‏‎ ‎‏بنحو الکلّیّ، والموصول إشارة إجمالیة إلیٰ الأفراد ومنطبق علیها، ولیس مستعمَلاً‏‎ ‎‏فی الأفراد الخارجیّة؛ بحیث تکون منظوراً إلیها بخصوصها، وعنوان «ما اضطُرّوا‏‎ ‎‏إلیه» و «ما لا یعلمون» ونحوهما ـ المنطبق علیٰ الموجود والمعدوم ـ هو المرفوع،‏‎ ‎‏لا خصوص المعدوم.‏

فانقدح من ذلک :‏ أنّه لا مانع من شمول حدیث الرفع للاُمور العدمیّة ـ أیضاً ـ‏‎ ‎‏بنحو ما ذکرناه، نعم فی مسألة نسیان الأجزاء أو شرائط الصلاة کلام آخر لعلّه یأتی‏‎ ‎‏إن شاء الله تعالیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229

  • )) فوائد الاُصول 3 : 352 ـ 353 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 219 .
  • )) وهذا منافٍ لما تقدّم منه ـ دام ظلّه ـ مراراً من أنّ العدم ـ سواء المطلق منه، أو المضاف، أو العدم والملکة ـ لا حظّ له من الوجود أصلاً، وأنّ الوجود إنّما هو للمضاف إلیه أو الملکة. المقرّر حفظه الله .