الفصل الأوّل ترتیب مباحث الاُصول
اختلف القوم فی بیان مجاری الاُصول العملیّة وتقسیمها، والتحقیق فیه أن یقال: إنّ المکلّف إذا التفت إلی الحکم الشرعی الواقعی فإمّا أن یحصل له القطع به تفصیلاً، أو إجمالاً کأن یقطع بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر مثلاً.
وإمّا أن یحصل له القطع بقیام الأمارة علی الحکم الواقعی: إمّا تفصیلاً کالقطع بقیام الأمارة علیٰ وجوب صلاة الجمعة، أو إجمالاً کما لو قطع بقیام الأمارة إمّا علیٰ وجوب صلاة الظهر أو صلاة الجمعة.
وإمّا أن لا یحصل له القطع ؛ لا بالحکم الواقعی، ولا بالأمارة علیه؛ لا إجمالاً، ولا تفصیلاً. وحینئذٍ فإمّا أن تقوم هناک حجّة علیٰ الواقع، کما لو فرض لشکّه حالة سابقة ملحوظة، وإمّا أن لا تقوم هناک حجّة علیٰ الواقع، کما فیما لیس لشکّه حالة سابقة ملحوظة، فالأوّل مجریٰ الاستصحاب، وهو حجّة علیٰ الواقع، والثانی مجریٰ البراءة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 199
وانقدح بذلک : أنّ بعض مباحث الاشتغال داخل فی مباحث القطع، وهو العلم الإجمالی بالحکم الواقعی من غیر فرق بین الشبهة المحصورة والغیر المحصورة، ولا وجه للبحث عنه فی باب آخر، ولا معنیٰ لاحتمال الرُّخصة فیه فی بعض الأطراف، فإنّ الاحتمال المذکور ممّا لا یمکن اجتماعه مع العلم الإجمالی بالحکم الواقعی الفعلی کما لایخفیٰ.
کما أنّ بعض مباحث الاشتغال داخل فی مبحث الظنّ والأمارات، مثل ما إذا تعلّق العلم الإجمالی بقیام أمارة معتبرة علیٰ الحکم الواقعی، فلا وجه لجعل باب الاشتغال باباً علیٰ حِدَة.
وأمّا البحث فی دوران الأمر بین المحذورین فلا ینبغی أن یُجعل له بابٌ مستقلّ علی الانفراد، وسیأتی الکلام فیه فی ضمن المباحث الآتیة.
وأمّا مبحث التعادل والترجیح فهو من متعلّقات مبحث الأمارات.
فتلخّص : أنّ أبواب المباحث فی الکتاب أربعة :
الأوّل : باب القطع.
الثانی : باب الأمارات والظنّ.
الثالث : باب البراءة .
الرابع : باب الاستصحاب .
ولابدّ من مراعاة هذا الترتیب بحسب العمل ـ أیضاً ـ فإنّ القطع متیٰ حصل لابدّ من العمل علیٰ وفقه، ولا تصل النوبة معه إلی العمل بالأمارات، والأمارات مقدَّمة بحسب العمل علیٰ الاستصحاب، ثمّ البراءة، فمباحثها متأخّرة عن الجمیع، وذلک فی القطع واضح؛ لانتفاء موضوع الأمارات والاُصول معه، وإنّما الکلام فی غیره من المراتب، وهی تقدُّم العمل بالأمارات علیٰ الاستصحاب، والاستصحاب علیٰ البراءة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200