الأمر الثانی فی الإجماع المنقول
ممّا قیل بخروجه عن أصالة حرمة التعبّد بالظنّ بالخصوص: الإجماع المنقول بخبر الواحد، ولیس المراد من خروجه بالخصوص هو الخروج فی قبال خروج خبر الواحد، بل المراد أنّه من الظنون التی قام دلیل خاصّ ـ غیر دلیل الانسداد ـ علیٰ حجّیّته؛ ولو لأجل شمول الأدلّة الدالّة علیٰ حجّیّة خبر الواحد.
وقبل الخوض فی البحث عنه وبیان ما هو الحقّ المختار لابدّ من تقدیم اُمور:
الأمر الأوّل : أنّ الإجماع فی اصطلاح الخاصّة غیره فی اصطلاح العامّة موضوعاً ومناطاً، فإنّ الإجماع عندهم : عبارة عن اجتماع اُمّة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم علیٰ شیء، کما عرّفه الغزالی، أو اجتماع أهل الحلّ والعقد من اُمّته صلی الله علیه و آله وسلم کما عن الفخر الرازی، أو اجتماع المجتهدین کما فسّره الحاجبی.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 136
ولعلّ وجه عدول الفخر والحاجبی عن تعریف الغزالی، هو أنّه حیث کان مستند الخلافة عندهم هو الإجماع، وکان یرد علی تعریف الغزالی بعدم اجتماع اُمّة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم علیٰ خلافة أبی بکر؛ لمخالفة علیّ بن أبی طالب علیه السلام وابن عبّاس وسلمان وعدّة اُخریٰ من المسلمین، عدل عنه الفخر إلی تعریفه بأنّه عبارة عن اجتماع أهل الحلّ والعقد منهم ـ أی السیاسیون ـ لا مطلق الاُمّة وجمیعها.
وعلیٰ أیّ تقدیر فالإجماع عندهم هو ذلک الاتّفاق الخاص وأنّ المناط فی حجّیّته هو نفس الاتّفاق فی قبال الأدلّة الثلاثة، واستدلّوا علیه: بأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم قال: (لاتجتمع اُمّتی علیٰ خطاء) وببعض الأخبار الاُخر.
وأمّا الإجماع عند الإمامیّة ـ رضوان الله تعالیٰ علیهم ـ فهو بنفسه لیس حجّة مستقلّة فی قبال الأدلّة الثلاثة، بل الحجّة هی السُّنّة، غایة الأمر أنّ الطریق إلیها: إمّا خبر الواحد، وإمّا الإجماع الکاشف عن السُّنّة، فالإجماع عندنا حجّة إذا کشف عن قول المعصوم علیه السلام أو عن دلیل معتبر، فإنّ المعصومین علیهم السلام هم أهل الحلّ والعقد الذین اُمرنا بتلقّی الأحکام منهم؛ بمقتضیٰ حدیث الثقلین المتواتر عند الفریقین، ولا ملازمة بین وجوب أخذ الأحکام منهم علیهم السلام وبین مسألة الخلافة، فلو فرض عدم تسلیم واحد لخلافتهم علیهم السلام فهو مأمور بأخذ الأحکام منهم للحدیث القطعی المذکور، ولهذا قال فی المعتبر: لو اجتمع اثنان أحدهما الإمام فهو حجّة.
وبالجملة : فحجّیّة الإجماع عندنا إنّما هی لکشفه عن قول المعصوم؛ لقاعدة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 137
اللُّطف أو غیرها، وإلاّ فالإجماع من حیث هو لیس حجّة عندنا، والسرّ فی تسمیة ذلک إجماعاً: هو التحفُّظ علیٰ ما جرت به السیرة فی قبال العامّة.
الأمر الثانی : أنـّه سیجیء أنّ الدلیل التامّ علیٰ حجّیّة أخبار الآحاد هو استقرار بناء العقلاء علیٰ العمل بها، وأمّا الآیات والروایات التی استدلّ بها ـ علیها علیٰ فرض تمامیّتها ـ فهی إرشاد إلیٰ ذلک وإمضاء لطریقتهم، وحیث إنّ بناء العقلاء دلیل لبّیّ، لابدّ من إحرازه بنحو القطع ببنائهم علیها واتکالهم علیها، فمع عدم إحراز بنائهم علیٰ عملهم بها، أو عدم إحراز إمضاء الشارع لبنائهم، فهو لا یصلح دلیلاً علیٰ حجّیّتها.
والأخبار مختلفة باعتبار اختلاف المُخبَر به، فإنّ المُخبَر به: إمّا أمر محسوس بنحو المتعارف، مثل: سماع زرارة لقول الإمام علیه السلام وإمّا محسوس، لکن لا بالنحو المتعارف؛ لکونه من الغرائب، کرؤیة الجنّ ونحو ذلک من النوادر.
وإمّا غیر محسوس، لکن له مبادٍ محسوسة، وذلک مثل الشجاعة وملکة العدالة والسخاوة ونحوها.
وإمّا غیر محسوس له مبادٍ محسوسة، لکنها بعیدة عن الحسّ مثل الاجتهاد.
لا إشکال فی حجّیّة خبر الواحد فی القسم الأوّل والثالث، وأمّا الثانی والرابع فلیس بناء العقلاء علیٰ القبول بمجرّد إخبار الواحد؛ لقرب احتمال الاشتباه وقوّته ولو فرض ثقة المخبِر؛ لاحتمال التباس الأمر علیه وتصویر صورة الجنّ فی ذهنه بسبب بعض التخیُّلات، ومن هذا القبیل أخبار رؤیة ولیّ العصر ـ عجّل الله تعالیٰ فرجه ـ فإنّه مع ورود الروایات فی تکذیب مدّعی ذلک کیف یمکن تشخیص المدّعی لکون من رآه هو الحجّة ـ عجّل الله تعالیٰ فرجه ـ ابتداءً؟! ولا یخفیٰ علیٰ من لاحظ الکتب المعتبرة المنقول فیها حکایات کثیرة فی غایة الکثرة المشتملة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 138
علیٰ وصول بعض الأعاظم من العلماء وتشرّفه لخدمته واستفادتهم منه علیه السلامبحیث لایمکن إنکار جمیعها، والأخبار الدالّة علیٰ تکذیب رؤیته منزَّلة علیٰ دعویٰ رؤیته بدعویٰ نیابته الخاصّة من قبله علیه السلام کنیابة الحسین بن روح وغیره من النوّاب الأربعة. وعلیٰ فرض ثقته یزول الوثوق بنفس هذه الدعویٰ إذا صدرت منه مکرّراً، (وعلیٰ فرض عدم زوال الوثوق منه) فباب الاشتباه والخطاء مفتوح، ولا دافع له؛ لقوّة هذا الاحتمال، وعدم بناء العقلاء علیٰ ترتیب الأثر علیه بمجرّد الإخبار به.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 139