المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

الأمر الثانی فی الإجماع المنقول

الأمر الثانی فی الإجماع المنقول

‏ ‏

‏ممّا قیل بخروجه عن أصالة حرمة التعبّد بالظنّ بالخصوص: الإجماع‏‎ ‎‏المنقول بخبر الواحد‏‎[1]‎‏، ولیس المراد من خروجه بالخصوص هو الخروج فی قبال‏‎ ‎‏خروج خبر الواحد، بل المراد أنّه من الظنون التی قام دلیل خاصّ ـ غیر دلیل‏‎ ‎‏الانسداد ـ علیٰ حجّیّته؛ ولو لأجل شمول الأدلّة الدالّة علیٰ حجّیّة خبر الواحد.‏

‏وقبل الخوض فی البحث عنه وبیان ما هو الحقّ المختار لابدّ من تقدیم اُمور:‏

الأمر الأوّل :‏ أنّ الإجماع فی اصطلاح الخاصّة غیره فی اصطلاح العامّة‏‎ ‎‏موضوعاً ومناطاً، فإنّ الإجماع عندهم : عبارة عن اجتماع اُمّة محمّد ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ علیٰ‏‎ ‎‏شیء، کما عرّفه الغزالی‏‎[2]‎‏، أو اجتماع أهل الحلّ والعقد من اُمّته ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ کما عن‏‎ ‎‏الفخر الرازی‏‎[3]‎‏، أو اجتماع المجتهدین کما فسّره الحاجبی‏‎[4]‎‏.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 136
‏ولعلّ وجه عدول الفخر والحاجبی عن تعریف الغزالی، هو أنّه حیث کان‏‎ ‎‏مستند الخلافة عندهم هو الإجماع، وکان یرد علی تعریف الغزالی بعدم اجتماع اُمّة‏‎ ‎‏محمّد ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ علیٰ خلافة أبی بکر؛ لمخالفة علیّ بن أبی طالب ‏‏علیه السلام‏‏ وابن عبّاس‏‎ ‎‏وسلمان وعدّة اُخریٰ من المسلمین، عدل عنه الفخر إلی تعریفه بأنّه عبارة عن‏‎ ‎‏اجتماع أهل الحلّ والعقد منهم ـ أی السیاسیون ـ لا مطلق الاُمّة وجمیعها.‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر فالإجماع عندهم هو ذلک الاتّفاق الخاص وأنّ المناط فی‏‎ ‎‏حجّیّته هو نفس الاتّفاق فی قبال الأدلّة الثلاثة، واستدلّوا علیه: بأنّ النبیّ ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‎ ‎‏قال: (‏لاتجتمع اُمّتی علیٰ خطاء)‎[5]‎‏ وببعض الأخبار الاُخر‏‎[6]‎‏.‏

وأمّا الإجماع عند الإمامیّة‏ ـ رضوان الله تعالیٰ علیهم ـ فهو بنفسه لیس حجّة‏‎ ‎‏مستقلّة فی قبال الأدلّة الثلاثة، بل الحجّة هی السُّنّة، غایة الأمر أنّ الطریق إلیها: إمّا‏‎ ‎‏خبر الواحد، وإمّا الإجماع الکاشف عن السُّنّة، فالإجماع عندنا حجّة إذا کشف عن‏‎ ‎‏قول المعصوم ‏‏علیه السلام‏‏ أو عن دلیل معتبر، فإنّ المعصومین ‏‏علیهم السلام‏‏ هم أهل الحلّ والعقد‏‎ ‎‏الذین اُمرنا بتلقّی الأحکام منهم؛ بمقتضیٰ حدیث الثقلین المتواتر عند الفریقین‏‎[7]‎‏،‏‎ ‎‏ولا ملازمة بین وجوب أخذ الأحکام منهم ‏‏علیهم السلام‏‏ وبین مسألة الخلافة، فلو فرض‏‎ ‎‏عدم تسلیم واحد لخلافتهم ‏‏علیهم السلام‏‏ فهو مأمور بأخذ الأحکام منهم للحدیث القطعی‏‎ ‎‏المذکور، ولهذا قال فی المعتبر: لو اجتمع اثنان أحدهما الإمام فهو حجّة‏‎[8]‎‏.‏

وبالجملة :‏ فحجّیّة الإجماع عندنا إنّما هی لکشفه عن قول المعصوم؛ لقاعدة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 137
‏اللُّطف أو غیرها، وإلاّ فالإجماع من حیث هو لیس حجّة عندنا، والسرّ فی تسمیة‏‎ ‎‏ذلک إجماعاً: هو التحفُّظ علیٰ ما جرت به السیرة فی قبال العامّة.‏

الأمر الثانی :‏ أنـّه سیجیء أنّ الدلیل التامّ علیٰ حجّیّة أخبار الآحاد هو‏‎ ‎‏استقرار بناء العقلاء علیٰ العمل بها، وأمّا الآیات والروایات التی استدلّ بها ـ علیها‏‎ ‎‏علیٰ فرض تمامیّتها ـ فهی إرشاد إلیٰ ذلک وإمضاء لطریقتهم، وحیث إنّ بناء العقلاء‏‎ ‎‏دلیل لبّیّ، لابدّ من إحرازه بنحو القطع ببنائهم علیها واتکالهم علیها، فمع عدم إحراز‏‎ ‎‏بنائهم علیٰ عملهم بها، أو عدم إحراز إمضاء الشارع لبنائهم، فهو لا یصلح دلیلاً علیٰ‏‎ ‎‏حجّیّتها.‏

‏والأخبار مختلفة باعتبار اختلاف المُخبَر به، فإنّ المُخبَر به: إمّا أمر محسوس‏‎ ‎‏بنحو المتعارف، مثل: سماع زرارة لقول الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ وإمّا محسوس، لکن لا بالنحو‏‎ ‎‏المتعارف؛ لکونه من الغرائب، کرؤیة الجنّ ونحو ذلک من النوادر.‏

‏وإمّا غیر محسوس، لکن له مبادٍ محسوسة، وذلک مثل الشجاعة وملکة‏‎ ‎‏العدالة والسخاوة ونحوها.‏

‏وإمّا غیر محسوس له مبادٍ محسوسة، لکنها بعیدة عن الحسّ مثل الاجتهاد.‏

‏لا إشکال فی حجّیّة خبر الواحد فی القسم الأوّل والثالث، وأمّا الثانی والرابع‏‎ ‎‏فلیس بناء العقلاء علیٰ القبول بمجرّد إخبار الواحد؛ لقرب احتمال الاشتباه وقوّته‏‎ ‎‏ولو فرض ثقة المخبِر؛ لاحتمال التباس الأمر علیه وتصویر صورة الجنّ فی ذهنه‏‎ ‎‏بسبب بعض التخیُّلات، ومن هذا القبیل أخبار رؤیة ولیّ العصر ـ عجّل الله تعالیٰ‏‎ ‎‏فرجه ـ فإنّه مع ورود الروایات فی تکذیب مدّعی ذلک‏‎[9]‎‏ کیف یمکن تشخیص‏‎ ‎‏المدّعی لکون من رآه هو الحجّة ـ عجّل الله تعالیٰ فرجه ـ ابتداءً؟! ولا یخفیٰ علیٰ‏‎ ‎‏من لاحظ الکتب المعتبرة المنقول فیها حکایات کثیرة فی غایة الکثرة المشتملة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 138
‏علیٰ وصول بعض الأعاظم من العلماء وتشرّفه لخدمته واستفادتهم منه ‏‏علیه السلام‏‏بحیث‏‎ ‎‏لایمکن إنکار جمیعها، والأخبار الدالّة علیٰ تکذیب رؤیته منزَّلة علیٰ دعویٰ رؤیته‏‎ ‎‏بدعویٰ نیابته الخاصّة من قبله ‏‏علیه السلام‏‏ کنیابة الحسین بن روح وغیره من النوّاب‏‎ ‎‏الأربعة. وعلیٰ فرض ثقته یزول الوثوق بنفس هذه الدعویٰ إذا صدرت منه مکرّراً،‏‎ ‎‏(وعلیٰ فرض عدم زوال الوثوق منه) فباب الاشتباه والخطاء مفتوح، ولا دافع له؛‏‎ ‎‏لقوّة هذا الاحتمال، وعدم بناء العقلاء علیٰ ترتیب الأثر علیه بمجرّد الإخبار به.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 139

  • )) معالم الدین : 182 ، المحصول 2 : 73 .
  • )) المستصفی 1 : 181 .
  • )) المحصول 2 : 3 .
  • )) شرح العضدی (لمختصر المنتهی لابن الحاجب) 1 : 122.
  • )) الدرر المنتثرة : 180 .
  • )) راجع المحصول 2 : 37 ـ 39 .
  • )) اُنظر إحقاق الحق 4 : 436 ـ 443، بحار الأنوار 4: 104 و 5: 21، المستدرک علی الصحیحین 3: 109 ـ 110.
  • )) المعتبر : 6 سطر 22 . وفی نسخة المقرّر «الغنیة» ؛ فانظر الغنیة، ضمن الجوامع الفقهیة: 478 سطر8 .
  • )) کتاب الغیبة ، الشیخ الطوسی : 395 .