الأمر الأوّل حجیّة ظواهر الألفاظ
فنقول : صحّة احتجاج العبد علی المولیٰ أو بالعکس یتوقّف علیٰ اُمور :
الأوّل : صدور الکلام الذی یحتجّ به من المولیٰ.
الثانی : تعیین ظهوره.
الثالث : إثبات إرادته لهذا الظهور.
الرابع : توافق الإرادة الجدّیّة مع الاستعمالیّة.
أمّا الأوّل : فالبحث فیه : إمّا فی أنّ الراوی الذی نسبه إلی المولیٰ ثقة أو لا، وإمّا فی حجّیّة قول الثقة، والمتکفّل للأوّل هو علم الرجال، وللثانی علم الاُصول أی مسألة حجّیّة خبر الواحد.
وأمّا الثانی : فالمتکفّل لبیانه وإثباته هو التبادر وعدم صحّة السلب أو الرجوع إلیٰ أهل اللغة.
وأمّا الثالث والرابع : وهو أنّ ظاهر اللفظ مراد للمولیٰ استعمالاً، فلیس الوجه فی إثباته أصالة الظهور، أو أصالة الحقیقة، أو أصالة عدم القرینة، أو أصالة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124
الإطلاق، ونحو ذلک ممّا ذکروه فی المقام؛ وذلک لما عرفت سابقاً فی باب الحقیقة والمجاز: أنّ اللفظ فی المجازات لا یستعمل فی غیر الموضوع له، بل هو مستعمل فی معناه الموضوع له، لکن بادّعاء أنّه الموضوع له وتقدّم أنّ حسن المجازات إنّما هو لذلک، وإلاّ فمجرّد استعمال «أسد» فی «زید» لا حسن فیه.
وعلیٰ أیّ تقدیر فتخصیص العامّ وتقیید المطلق لیس مجازاً بأیّ معنیً اُرید منه؛ لأنّ لفظ العامّ والمطلق لم یستعملا فی الخاصّ والمقیّد حتیٰ یصیرا مجازاً، بل هما مستعملان فی معناهما العامّ والمطلق بالإرادة الاستعمالیّة، لکن بعد الظفر بالمخصِّص والمقیِّد یستکشف عدم توافق الإرادة الجدّیّة مع الاستعمالیّة بالنسبة إلی الخاصّ والمقیّد.
والحاصل : أنّ ما ذکروه فی المقام : من التمسّک بأصالة الظهور، کما ذهب إلیه المحقّق صاحب الکفایة قدس سره واختاره شیخنا الحائری قدس سره فی أواخر عمره الشریف، أو بأصالة عدم القرینة، کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدس سره أو بأصالة عدم التخصیص أو التقیید فی باب العمومات والمطلقات، کما ذهب إلیه المحقّق العراقی قدس سره فی المقام، غیر صحیح ؛ لأنّ الدافع للشکوک المتصوّرة فی المقام لیس واحد ممّا ذکروه؛ لأنّ الشکّ : إمّا فی أنّه هل صدر الکلام من المولیٰ مع الالتفات والقصد، أو أنّه صدر منه غفلة وسهواً؟ فالدافع لهذا الشکّ أصل خاصّ عقلائیّ، وهو أصالة عدم الغفلة والسهو؛ لعدم اعتناء العقلاء بهذا الشکّ، وإمّا فی أنّه هل صدر منه لغرض، أو أنّه صدر عنه عبثاً ولعباً؟ فإنّ بناءهم مستقرّ علیٰ الحمل علیٰ أنّه لغرض
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125
لا عَبَثاً، وإمّا فی أنّه هل صدر منه لتفهیم المخاطب أو لا؟ فهو ـ أیضاً ـ کذلک إذا خاطبه المولیٰ بلا واسطة.
وأمّا إذا أخبر عنه بواسطة أو وسائط، کالأخبار التی بأیدینا من الأئمّة الأطهار علیهم السلام فإنّ هذه الاحتمالات متصوّرة بالنسبة إلیٰ الراوی الأوّل للثانی، کإخبار زرارة لحریز، فالدافع للشکوک المذکورة فیها هو الاُصول العقلائیّة المذکورة ـ أیضاً ـ بعینها.
وأمّا احتمال تعمّده الکذب فی النقل فیدفعه وثاقة الراوی وعدالته کما هو المفروض.
وأمّا احتمال أن یکون هناک قرینة حالیّة أو مقالیّة صارفة للظهور ، واحتفاف الکلام بها، ولم یبیّنها الراوی عمداً، فهو ـ أیضاً ـ کذلک، وأمّا احتمال عدم بیانها سهواً وغفلةً فهو مدفوع بأصالة عدم السهو والخطاء.
وهکذا الکلام بالنسبة إلیٰ الوسائط التی بعد الواسطة الاُولیٰ، وحینئذٍ فلا مورد لجریان أصالة الحقیقة أو أصالتی الظهور وعدم القرینة.
مع أنّه لا معنیٰ لأصالة الظهور ؛ لأنّ الأصل لابدّ أن یضاف إلیٰ الجملة لا المفرد، فإن اُرید بها أصالة تحقّق الظهور فالمفروض أنّه ظاهر فیه بالوجدان.
وإن اُرید منها أصالة حجّیّته فهو مصادرة.
وإن اُرید منها أصالة صدور هذا الظاهر فمرجعه إلی حجّیّة خبر الواحد.
والعجب من المحقّق العراقی حیث إنّه اعترف : بأنّ العامّ المخصَّص والمطلق المقیَّد مستعملان فی العموم والإطلاق بالإرادة الاستعمالیّة، إذ علیٰ ما ذکره قدس سره فدافع احتمال التخصیص والتقیید هو أصالة تطابق الجدّ والاستعمال، لا أصالة العموم والإطلاق، أو أصالة عدم التخصیص والتقیید، أو أصالتا الحقیقة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126
والظهور.
فتلخّص : أنّه لا مورد للاُصول التی ذکرها الأعاظم المتقدّم ذکرهم قدس سرهم.
ثمّ إنّ فی المقام خلافین :
أحدهما : ما نُسب إلیٰ الأخباریّین: من عدم حجّیّة ظواهر الکتاب.
والثانی : ما نُسب إلیٰ المحقّق القمی رحمه الله من عدم حجّیّته بالنسبة إلیٰ من لم یقصد إفهامه.
فنقول : لاریب ولا إشکال فی حجّیّة الظواهر مطلقاً؛ سواء حصل منها الظنّ أم لا، وسواء قام الظنّ الغیر المعتبر علیٰ خلافه أم لا؛ لاستقرار سیرة العقلاء علی الأخذ بالظواهر والتمسُّک بها فی جمیع الأعصار والأمصار فی الدعاویٰ والأقاریر والوصایا والمکاتبات، ویحتجّون بها؛ بحیث لا یقبل الاعتذار بعدم حجّیّة الظواهر؛ إمّا لإفادتها الظنّ النوعی لهم، أو لأجل اختلال نظامهم مع عدم العمل بها، أو لغیر ذلک، ولا یهمّ لنا بیان منشأ هذا البناء منهم.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127