المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

الأمر الأوّل حجیّة ظواهر الألفاظ

الأمر الأوّل حجیّة ظواهر الألفاظ

‏ ‏

‏فنقول : صحّة احتجاج العبد علی المولیٰ أو بالعکس یتوقّف علیٰ اُمور :‏

الأوّل :‏ صدور الکلام الذی یحتجّ به من المولیٰ.‏

الثانی :‏ تعیین ظهوره.‏

الثالث :‏ إثبات إرادته لهذا الظهور.‏

الرابع :‏ توافق الإرادة الجدّیّة مع الاستعمالیّة.‏

أمّا الأوّل :‏ فالبحث فیه : إمّا فی أنّ الراوی الذی نسبه إلی المولیٰ ثقة أو لا،‏‎ ‎‏وإمّا فی حجّیّة قول الثقة، والمتکفّل للأوّل هو علم الرجال، وللثانی علم الاُصول أی‏‎ ‎‏مسألة حجّیّة خبر الواحد.‏

وأمّا الثانی :‏ فالمتکفّل لبیانه وإثباته هو التبادر وعدم صحّة السلب أو‏‎ ‎‏الرجوع إلیٰ أهل اللغة.‏

وأمّا الثالث والرابع :‏ وهو أنّ ظاهر اللفظ مراد للمولیٰ استعمالاً، فلیس‏‎ ‎‏الوجه فی إثباته أصالة الظهور، أو أصالة الحقیقة، أو أصالة عدم القرینة، أو أصالة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124
‏الإطلاق، ونحو ذلک ممّا ذکروه فی المقام؛ وذلک لما عرفت سابقاً فی باب الحقیقة‏‎ ‎‏والمجاز: أنّ اللفظ فی المجازات لا یستعمل فی غیر الموضوع له، بل هو مستعمل‏‎ ‎‏فی معناه الموضوع له، لکن بادّعاء أنّه الموضوع له وتقدّم أنّ حسن المجازات إنّما‏‎ ‎‏هو لذلک، وإلاّ فمجرّد استعمال «أسد» فی «زید» لا حسن فیه.‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر فتخصیص العامّ وتقیید المطلق لیس مجازاً بأیّ معنیً اُرید‏‎ ‎‏منه؛ لأنّ لفظ العامّ والمطلق لم یستعملا فی الخاصّ والمقیّد حتیٰ یصیرا مجازاً، بل‏‎ ‎‏هما مستعملان فی معناهما العامّ والمطلق بالإرادة الاستعمالیّة، لکن بعد الظفر‏‎ ‎‏بالمخصِّص والمقیِّد یستکشف عدم توافق الإرادة الجدّیّة مع الاستعمالیّة بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الخاصّ والمقیّد.‏

والحاصل :‏ أنّ ما ذکروه فی المقام : من التمسّک بأصالة الظهور، کما ذهب‏‎ ‎‏إلیه المحقّق صاحب الکفایة ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ واختاره شیخنا الحائری ‏‏قدس سره‏‎[2]‎‏ فی أواخر عمره‏‎ ‎‏الشریف، أو بأصالة عدم القرینة، کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ أو بأصالة عدم‏‎ ‎‏التخصیص أو التقیید فی باب العمومات والمطلقات، کما ذهب إلیه المحقّق‏‎ ‎‏العراقی ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ فی المقام، غیر صحیح ؛ لأنّ الدافع للشکوک المتصوّرة فی المقام لیس‏‎ ‎‏واحد ممّا ذکروه؛ لأنّ الشکّ : إمّا فی أنّه هل صدر الکلام من المولیٰ مع الالتفات‏‎ ‎‏والقصد، أو أنّه صدر منه غفلة وسهواً؟ فالدافع لهذا الشکّ أصل خاصّ عقلائیّ، وهو‏‎ ‎‏أصالة عدم الغفلة والسهو؛ لعدم اعتناء العقلاء بهذا الشکّ، وإمّا فی أنّه هل صدر منه‏‎ ‎‏لغرض، أو أنّه صدر عنه عبثاً ولعباً؟ فإنّ بناءهم مستقرّ علیٰ الحمل علیٰ أنّه لغرض‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125
‏لا عَبَثاً، وإمّا فی أنّه هل صدر منه لتفهیم المخاطب أو لا؟ فهو ـ أیضاً ـ کذلک إذا‏‎ ‎‏خاطبه المولیٰ بلا واسطة.‏

‏وأمّا إذا أخبر عنه بواسطة أو وسائط، کالأخبار التی بأیدینا من الأئمّة‏‎ ‎‏الأطهار ‏‏علیهم السلام‏‏ فإنّ هذه الاحتمالات متصوّرة بالنسبة إلیٰ الراوی الأوّل للثانی،‏‎ ‎‏کإخبار زرارة لحریز، فالدافع للشکوک المذکورة فیها هو الاُصول العقلائیّة المذکورة‏‎ ‎‏ـ أیضاً ـ بعینها.‏

‏وأمّا احتمال تعمّده الکذب فی النقل فیدفعه وثاقة الراوی وعدالته کما هو‏‎ ‎‏المفروض.‏

‏وأمّا احتمال أن یکون هناک قرینة حالیّة أو مقالیّة صارفة للظهور ، واحتفاف‏‎ ‎‏الکلام بها، ولم یبیّنها الراوی عمداً، فهو ـ أیضاً ـ کذلک، وأمّا احتمال عدم بیانها‏‎ ‎‏سهواً وغفلةً فهو مدفوع بأصالة عدم السهو والخطاء.‏

‏وهکذا الکلام بالنسبة إلیٰ الوسائط التی بعد الواسطة الاُولیٰ، وحینئذٍ فلا‏‎ ‎‏مورد لجریان أصالة الحقیقة أو أصالتی الظهور وعدم القرینة.‏

‏مع أنّه لا معنیٰ لأصالة الظهور ؛ لأنّ الأصل لابدّ أن یضاف إلیٰ الجملة لا‏‎ ‎‏المفرد، فإن اُرید بها أصالة تحقّق الظهور فالمفروض أنّه ظاهر فیه بالوجدان.‏

‏وإن اُرید منها أصالة حجّیّته فهو مصادرة.‏

‏وإن اُرید منها أصالة صدور هذا الظاهر فمرجعه إلی حجّیّة خبر الواحد.‏

والعجب من المحقّق العراقی‎[5]‎‏ حیث إنّه اعترف : بأنّ العامّ المخصَّص‏‎ ‎‏والمطلق المقیَّد مستعملان فی العموم والإطلاق بالإرادة الاستعمالیّة، إذ علیٰ ما‏‎ ‎‏ذکره ‏‏قدس سره‏‏ فدافع احتمال التخصیص والتقیید هو أصالة تطابق الجدّ والاستعمال، لا‏‎ ‎‏أصالة العموم والإطلاق، أو أصالة عدم التخصیص والتقیید، أو أصالتا الحقیقة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126
‏والظهور.‏

فتلخّص :‏ أنّه لا مورد للاُصول التی ذکرها الأعاظم المتقدّم ذکرهم ‏‏قدس سرهم‏‎[6]‎‏.‏

‏ثمّ إنّ فی المقام خلافین :‏

أحدهما :‏ ما نُسب إلیٰ الأخباریّین: من عدم حجّیّة ظواهر الکتاب‏‎[7]‎‏.‏

والثانی :‏ ما نُسب إلیٰ المحقّق القمی ‏‏رحمه الله‏‏ من عدم حجّیّته بالنسبة إلیٰ من لم‏‎ ‎‏یقصد إفهامه‏‎[8]‎‏.‏

فنقول :‏ لاریب ولا إشکال فی حجّیّة الظواهر مطلقاً؛ سواء حصل منها الظنّ‏‎ ‎‏أم لا، وسواء قام الظنّ الغیر المعتبر علیٰ خلافه أم لا؛ لاستقرار سیرة العقلاء علی‏‎ ‎‏الأخذ بالظواهر والتمسُّک بها فی جمیع الأعصار والأمصار فی الدعاویٰ والأقاریر‏‎ ‎‏والوصایا والمکاتبات، ویحتجّون بها؛ بحیث لا یقبل الاعتذار بعدم حجّیّة الظواهر؛‏‎ ‎‏إمّا لإفادتها الظنّ النوعی لهم، أو لأجل اختلال نظامهم مع عدم العمل بها، أو لغیر‏‎ ‎‏ذلک، ولا یهمّ لنا بیان منشأ هذا البناء منهم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127

  • )) کفایة الاُصول : 323 ـ 324 .
  • )) درر الفوائد : 361 .
  • )) فرائد الاُصول : 34 سطر 2 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 85 ـ 86 وقد تمسّک بذلک إلی جانب تمسّکه بأصالة عدم القرینة.
  • )) نهایة الأفکار 2 : 513 ـ 514 .
  • )) لو احتملنا اعتماد المتکلّم علیٰ قرینة منفصلة عن العام لم تصل إلینا، لا لأجل الغفلة والنسیان أو العمد ، بل لاُمور خارجیّة، فالظاهر أنّه لا دافع لهذا الاحتمال إلاّ أصالة عدم القرینة. المقرّر حفظه الله .
  • )) هدایة الأبرار : 162 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 398 سطر 22 .