الفصل الثامن فی أقسام القطع وأحکامها
متعلّق القطع : إمّا حکم أو موضوع ذو حکم أو غیر ذی حکم، وهو طریق إلیٰ متعلّقه، وقد یؤخذ موضوعاً لحکم، ولا إشکال فی أنّ الأوّل حجّة مطلقاً، بخلاف الثانی، فإنّه تابع للدلیل الذی أخذه موضوعاً للحکم، فقد یدلّ علیٰ موضوعیّته بنحو الإطلاق، وقد یقیَّد فی لسان الدلیل بحصوله من سبب خاصّ أو من شخص خاصّ، وهذا ممّا لا کلام فیه.
وإنّما الکلام فیما یتصوّر من الأقسام للقطع الموضوعی:
فنقول : إنّ العلم من الصفات الحقیقیّة ذات الإضافة، وهو ظاهر بنفسه مُظهر لغیره، فمن جهة الحقیقة هو صفة قائمة بنفس القاطع من حیث قیام الصورة بنفسه، والإضافة إلیٰ هذه الصورة إشراقیة، وهذه الصورة معلومة بالذات، ولها إضافة إلیٰ الخارج إضافة عَرَضیّة، ویسمّیٰ الخارج بالمعلوم بالعَرَض، وهذه الجهة هی کاشفیّته عن الواقع، والکشف : إمّا تامّ وإمّا ناقص وإمّا مطلق، فهنا ثلاثة أشیاء :
الأوّل : العلم من حیث إنّه صفة خاصّة قائمة بنفس القاطع مع قطع النظر عن
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 37
کشفه عن الواقع.
الثانی : کشفه عن الواقع.
الثالث : کشفه التامّ عن الواقع، فإنّ للکشف مرتبتین : إحداهما التامّة، مثل کشف القطع عنه، وثانیتهما الناقصة، مثل کاشفیّة الأمارات عنه.
فللحاکم أن یجعل القطع بإحدیٰ هذه الجهات موضوعاً لحکمه؛ بأن یأخذه ـ من حیث إنّه صفة خاصّة ـ فی موضوع حکمه، وأن یأخذه بما أنّه کاشف تامّ عن الواقع فی موضوع حکمه، وأن یأخذه بما أنّه کاشف بنحو الإطلاق، فهذه أقسام ثلاثة.
وعلیٰ أیّ تقدیر : إمّا أن یؤخذ تمام الموضوع للحکم؛ سواء صادف الواقع أم لا، أو جزء الموضوع، فالأقسام ستّة.
ثمّ إنّه قد یؤخذ تمام الموضوع أو جزء الموضوع لحکمٍ مماثلٍ لحکم متعلّقه، أو مضادٍّ له، أو مخالف :
فالأوّل : مثل أن یقول : «إذا قطعت بوجوب الصلاة یجب علیک الصلاة»، فهناک وجوبان تعلّق أحدهما بالصلاة، وثانیهما بالصلاة المقطوع بها بأحد الأنحاء المتقدّمة.
والثانی : مثل أن یقول : «الخمر المقطوع الخمریّة مکروه، أو مباح» .
والثالث : مثل أن یقول : «إذا قطعت بوجوب الصلاة وجب علیک التصدُّق».
ثمّ إنّه هل یمکن القسم الأوّل والثانی؛ أی أخذه فی موضوع حکمٍ مماثلٍ أو مضادٍّ لحکم متعلَّقه أو لا یمکن ؟
ذهب فی «الکفایة» إلیٰ الثانی؛ حیث قیّد الحکم الذی اُخذ القطع فی موضوعه بعدم کونه مماثلاً أو مضادّاً لحکم متعلَّقه، وعلّله باستلزامه اجتماع المِثْلین
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 38
أو الضدّین، وهو محال.
ولکنّ الحقّ : هو الأوّل فیما إذا کان القطع تمام الموضوع؛ وذلک لأنّ موضوع حکم المتعلَّق هو عنوان الخمر أو الصلاة، وموضوع الحکم المماثل أو المضادّ هو القطع بهما، وهما عنوانان متغایران، لکن بینهما عموم من وجه، ولا یستلزم ذلک اجتماع المِثلین أو الضدّین فی موضوع واحد؛ لتعدّد العنوانین فی عالم العنوانیّة، وأمّا فی الخارج فهما وإن تصادقا فی مورد الاجتماع، لکن الخارج لیس متعلَّقاً للحکم، کما تقدّم بیانه فی باب اجتماع الأمر والنهی.
نعم لو جُعل القطع جزء الموضوع فالحقّ هو الثانی، فإنّه لا یمکن حرمة طبیعة الخمر وحرمة الطبیعة المقیَّدة بالقطع بها أو حلّیّتها؛ لأنّ المقیّد عین المطلق بزیادة قید إلیها، ولیسا عنوانین متغایرین علیٰ وجه الطریقیّة.
ثمّ إنّه قد یظهر من کلام بعض الأعاظم ـ وهو المحقّق المیرزا النائینی علیٰ ما فی التقریرات ـ : أنّه لا یمکن أخذه تمام الموضوع علیٰ وجه الطریقیّة؛ لأنّ أخذه تمام الموضوع کذلک یستدعی عدم لحاظ الواقع وذی الصورة بوجهٍ من الوجوه، وأخذُهُ علیٰ وجه الطریقیّة لحاظُهُ ولحاظ ذی الصورة.
وبعبارة اُخریٰ : أخذه علیٰ وجه الطریقیّة یستدعی لحاظه آلیّاً، وأخذه تمام الموضوع یستدعی لحاظه استقلالیّاً، والجمع بین اللحاظین ممتنع.
ولکنّه من الأعاجیب ؛ لما فیه :
أوّلاً : النقض بما لو اُخذ کذلک جزء الموضوع، مع أنّه قدس سره لم یذهب إلیٰ امتناعه.
وثانیاً : بالحلّ بأنّ امتناع لحاظ القطع آلیّاً واستقلالیّاً معاً، إنّما هو بالنسبة إلیٰ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 39
نفس القاطع حین القطع، وأمّا بالنسبة إلیٰ شخص آخر غیر قاطع فلا امتناع له، وما نحن فیه کذلک، فإنّ الحاکم یُلاحظ قطع القاطع بوصف الکاشفیّة، ویجعله موضوعاً لحکمٍ من الأحکام؛ ألا تریٰ أنّه عُلِّق وجوب الإتمام علیٰ من قصد الإقامة عشراً، لا الإقامة واقعاً، مع أنّ القصد آلة للحاظ المقصود، وقد جعله تمام الموضوع للحکم، فعلیٰ ما ذکره یلزم أن یمتنع ذلک.
ثمّ إنّه هل یمکن أخذه موضوعاً بالنسبة إلیٰ نفس الحکم الذی تعلّق به العلم وشخصه، أولا؟
لا ریب فی إمکانه فی بعض الفروض ، وهو ما لو فرض صدور أحکام إنشائیّة لا فعلیّة من المولیٰ، ثمّ أمر المجتهد بالاستنباط والاجتهاد وعلّق الوجوب العقلی ـ مثلاً ـ علیٰ ما إذا قطع به الذی صدر منه إنشاءً، وحینئذٍ تصیر الأحکام الفعلیّة تابعة لآراء المجتهدین، وهذا وإن یرجع إلیٰ التصویب، لکنّه ممکن، ولیس بممتنع، لکنّه تصویب باطل.
وإنّما الإشکال فیما لو اُخذ العلم بالحکم الفعلی موضوعاً لشخص هذا الحکم؛ لاستلزامه الدور الواضح؛ فإنّ العلم بالحکم ـ حینئذٍ ـ موقوف علیٰ وجود الحکم الفعلی قبله، والفرض أنّ وجوده موقوف علیٰ العلم به، وهو محال.
وتُفُصِّی عن الإشکال بوجهین :
الأوّل : ما ذکره المحقّق المیرزا النائینی قدس سره وهو ما تفصّیٰ به عن الإشکال فی مسألة الجهر والإخفات والقصر والإتمام، وهو أنّه یمکن تصحیحه بنحو نتیجة التقیید.
توضیح ذلک :
أنّ العلم بالحکم لمّا کان من الانقسامات اللاحقة للحکم، فلا یمکن فیه الإطلاق والتقیید اللحاظی؛ لاستلزامه الدور المذکور، فإنّه لا یمکن أخذ العلم ـ وکلّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 40
ما هو من الانقسامات اللاحقة للمتعلَّق ـ قیداً ـ جزءً أو شرطاً أو مانعاً ـ فی مرتبة الجعل، وإذا امتنع التقیید امتنع الإطلاق أیضاً؛ لأنّ التقابل بینهما هو تقابل العدم والملکة، ولکن الإهمال الثبوتی ـ أیضاً ـ غیر معقول، بل لابدّ فیه إمّا من نتیجة الإطلاق أو من نتیجة التقیید، فإنّ الملاک الذی اقتضیٰ تشریع الحکم إمّا أن یکون محفوظاً فی حالة العلم فقط، فلابدّ من نتیجة التقیید، أو فی کلتا حالتی العلم والجهل، فلابدّ من نتیجة الإطلاق، وحیث یمتنع تکفّل الجعل الأوّلی لذلک وبیانه، فلابدّ من جعلٍ آخر یُستفاد منه نتیجة الإطلاق أو التقیید، وهو المصطلح علیه بمتمِّم الجعل.
وقد ادّعیٰ تواتر الأدلّة علیٰ اشتراک الأحکام بالنسبة إلیٰ العالم والجاهل، ونحن لم نعثر علیٰ تلک الأدلّة سویٰ بعض الأخبار الآحاد ـ التی ذکرها صاحب الحدائق فی مقدّمات کتابه ـ إلاّ أنّ الظاهر قیام الإجماع ـ بل الضرورة ـ علیٰ ذلک، ویستفاد من تلک الأدلّة نتیجة الإطلاق، وأنّ الحکم مطلق بالنسبة إلیٰ العالم والجاهل، لکن تلک الأدلّة عامّة صالحة للتخصیص، وقد خُصِّصت فی غیر مورد، کما فی مورد الجهر والإخفات والقصر والإتمام؛ حیث قام الدلیل علیٰ نتیجة التقیید، واختصاص الحکم فیهما بالعالم فقط، فقد اُخذ العلم شرطاً فی ثبوت الحکم واقعاً، وکما یصحّ ذلک یصحّ أخذ العلم بالحکم من وجه خاصّ وسبب خاصّ مانعاً عن ثبوت الحکم، کما فی باب القیاس؛ حیث قام الدلیل علیٰ أنّه لا عبرة بالعلم الحاصل منه، مثل روایة «أبان» فی دِیَة الأصابع، وکذلک تقیید العلم بحصوله من الکتاب
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 41
والسُّنّة، لا من مثل الرمل والجفر، فإنّه یمکن کلّ ذلک بنتیجة التقیید. انتهیٰ ملخّصاً.
أقول : بعد تسلیم امتناع الإهمال الثبوتی فی الأحکام، کما اعترف قدس سره به هل الحکم فی الواقع ونفس الأمر یتعلّق بالمطلق اللحاظی أو بالمقیّد؟ فلو فرض وجود مناط الحکم فی المقیّد، فلا یمکن تعلُّقه بغیره ممّا لیس فیه هذا المناط، ولا یمکن تقیید متعلَّقه بالعلم بالحکم؛ لاستلزامه الدور المحال. هذا فی مقام الجعل والتشریع.
نعم، یمکن ذلک فی الانقسامات اللاحقة للحکم فی مقام الثبوت، نظیر قصد الأمر ونحوه.
وثانیاً : ما ذکره من أنّه إذا لم یمکن التقیید لم یمکن الإطلاق ـ أیضاً ـ لمکان تقابل الملکة بینهما، فهو مُسلّم، لکن الحکم فی العدم والملکة بما ذکره، إنّما هو فیما إذا کان عدم قبوله للتقیید لعدم إمکانه ذاتاً، کتقیید زیدٍ بفردٍ دون فرد، فإنّه لا یقبل هذا التقیید، فلا یصحّ إطلاقه اللحاظی، أمّا لو کان عدم إمکان التقیید لأجل محذور آخر وعلل اُخریٰ، مع صلاحیّته لذلک ذاتاً، فلا نُسلّم عدم إمکان الإطلاق فیه، کما فیما نحن فیه، فإنّ عدم إمکان أخذ العلم قیداً للحکم إنّما هو لأجل لزوم الدور، لا لعدم القابلیّة الذاتیّة.
والحاصل : أنّ التقیید وإن کان یحتاج إلیٰ اللّحاظ، لکن الإطلاق لا یحتاج إلیٰ اللّحاظ، وحینئذٍ فعدم إمکان الإطلاق إنّما هو فیما إذا امتنع التقیید ذاتاً، وأمّا لو کان عدم إمکان التقیید لا لعدم قبوله له ذاتاً، بل لأجل لزوم محذور آخر، مع قبوله شأناً وذاتاً، کما فی ما نحن فیه، فلا نُسلِّم عدم إمکان الإطلاق فیه، ولذلک یتمسّکون بالإطلاق فی أدلّة التکالیف والأحکام بالنسبة إلیٰ العالم والجاهل.
وأمّا ثالثاً : فلأنّ التفصّی عن الإشکال فی مسألتی الجهر والإخفات والقصر
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 42
والإتمام، لیس بما ذکره من نتیجة التقیید، بل لوجوه اُخر مذکورة فی محلّها.
منها : أنّ ذلک من قبیل تقبُّل الناقص بدل الکامل.
ومنها : شمول حدیث (لاتُعاد) لصورة العمد أیضاً، وأنّ الأرکان الخمسة مُجزیة وإنْ ترک سائر الواجبات، واستحقّ العقوبة ـ أیضاً ـ لعدم إمکان تدارک المصلحة ثانیاً فرضاً.
وأمّا العلم الحاصل من القیاس ومنع العمل به، فلیس لأجل أنّه مانع عن ثبوت الأحکام به، بل لأجل قصور عقول البشر عن الاطّلاع علی الأحکام الواقعیّة، وکذلک الاستحسانات، ولذا ورد فی الخبر أنّه علیه السلام قال لأبی حنیفة : (أتزعم أنّک تقیس؟) قال: نعم، فقال علیه السلام: (البول أشدّ نجاسةً أو المنیّ؟) قال: البول، فقال علیه السلام: (فلِمَ لایوجب البول الغسل ویوجبه المنیّ).
وأمّا ما ذکره : من تقیید العلم بعدم حصوله من الرمل والجفر ونحوهما، ففیه: أنّ العلم طریق إلیٰ الواقع، وحجّة مطلقاً من أیّ سبب حصل.
الوجه الثانی للتفصّی عن الإشکال : ما ذکره المحقّق العراقی قدس سره حیث قال ما حاصله :
إنّه یمکن دفع الإشکال بنتجة التقیید، لکن لا بمتمِّم الجعل ـ کما ذکره بعضهم ـ بل بوجه آخر اطّلعنا علیه: وهو أنّ العلم بالحکم وإن لم یمکن أخذه فی لسان الدلیل فی موضوعه، لکن الحکم متعلّق ـ فی الواقع فی مرتبة متقدّمة علیٰ الحکم تقدّم الموضوع علیٰ الحکم ـ بحصّة ملازمة للعلم بالحکم فی المرتبة المتأخّرة،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 43
فالحرمة ـ مثلاً ـ متعلّقة بحصّة متقدّمة من طبیعة الخمر تقدّم الموضوع علیٰ حکمه، توأمة مع العلم بالحرمة فی المرتبة المتأخّرة، فیمکن أخذ العلم بالحکم فی موضوعه بهذا النحو، وإن لم یمکن أخذه کذلک فی لسان الدلیل، ومن هذا القبیل الأعراض بالنسبة إلی معروضاتها ـ کالبیاض اللاحق للجسم ـ فإنّها تعرض علیٰ حصّة متقدِّمة علیٰ العارض، ملازمة معه فی مرتبة متأخّرة، ولذلک تکون العلّة متقدّمة علی المعلول فی الرتبة، مع أنـّها مع المعلول زماناً. انتهیٰ ملخّص کلامه.
أقول : الحصّة ـ فی الاصطلاح ـ : عبارة عن الطبیعة المقیّدة بقید، کما قال المحقّق السبزواری قدس سره فی المنظومة :
والحصّةُ الکلّی مقیّداً یجی
تقیّدٌ جزءٌ وقیدٌ خارجی
فالطبیعة من حیث هی لیس فیها الحصّة، بل الحصّة تحصل بتقییدها بقید، کتقیید طبیعة الإنسان بالأبیضیّة، فیتحقّق به حصّة من الإنسان، وحینئذٍ فلا یمکن حصول الحصّة فی المقام بدون تقیید الخمر بمعلوم الخمریّة مثلاً؛ لما عرفت من أنّ الطبیعة بدون التقیید، لیس فیها حصّة فی نفس الأمر؛ حتیٰ یتعلّق الحکم بها فی الواقع.
وإن أراد أنّه وإن لم یمکن تقیید الخمر بالعلم بالحرمة، وجعله موضوعاً لها فی لسان الدلیل، ولکنّه متعلِّق بهذه الحصّة واقعاً.
ففیه : أنّه إذا تعلّق الحکم بموضوع مقیّد بالعلم واقعاً وفی مقام الثبوت، فلابدّ أن یتحقّق الحکم قبل نفسه؛ حتّیٰ یتعلّق العلم به، فیبقیٰ الإشکال بحاله.
وأمّا الأعراض فهی تعرض علیٰ نفس الطبیعة، لا علیٰ الحصّة، فالبیاض ـ مثلاً ـ یعرض علیٰ طبیعة الجسم، لا علیٰ حصّة من الجسم ملازمة للبیاض توجد
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
فی مرتبة متأخّرة عن عروض ذلک، ولا أقلّ أنّها فی مرتبة عروض هذا العارض، وأمّا ما ذکره: من تقدُّم العلّة علیٰ المعلول مرتبة، فلا ارتباط له بالمقام، فإنّ العلّة قد تکون بسیطة من جمیع الجهات، فلا یتصوّر فیها الحصّة.
والتحقیق فی المقام : التفصیل بین ما إذا اُخذ القطع تمام الموضوع؛ سواء صادف الواقع أم لا، وبین ما إذا اُخذ جزء الموضوع؛ بأن یجعل الموضوع هو القطع بالحرمة ـ مثلاً ـ إذا صادف الواقع، وتسلیم لزوم الدَّور فیه، دون الأوّل، فإنّه إذا جعل الموضوع هو القطع بها ـ بجعل القطع جزء الموضوع، والجزء الآخر نفس الحرمة ـ یلزم الدور؛ لأنّ الحکم ـ حینئذٍ ـ یتوقّف علیٰ القطع بها توقّف الحکم علیٰ موضوعه، والقطع بها موقوف علیٰ وجودها واقعاً؛ لأنّ المراد منه هو المصادف للواقع، وهو دور واضح، بخلاف ما إذا جعل القطع تمام الموضوع، فإنّ الحکم ـ حینئذٍ ـ وإن کان یتوقّف علیٰ القطع توقّف الحکم علیٰ موضوعه، لکنّ القطع به لا یتوقّف علیٰ ثبوته فی نفس الأمر، فإنّه کثیراً ما یحصل القطع بشیء، ویکون جهلاً مرکّباً، والمفروض أنّ القطع تمام الموضوع، یترتّب علیه الحکم سواء صادف الواقع أم لا.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45