المطلب السادس الأمارات المعتبرة عقلاًوشرعاً

بحث استطرادی حول الطلب والإرادة

بحث استطرادی حول الطلب والإرادة

وأمّا ما ذکره هنا وفی باب الطلب والإرادة :‏ من أنّ السعادة والشقاوة والخبث‏‎ ‎‏الباطنی من ذاتیّات الإنسان، والذاتی لایُعلَّل‏‎[1]‎‏ فهو ـ أیضاً ـ فاسد.‏

‏وتوضیح الفساد یحتاج إلیٰ تقدیم اُمور :‏

الأمر الأوّل :‏ أنّ المفاهیم فی العالَم علیٰ ثلاثة أقسام :‏

‏قسم یحکی عن حقیقة، مثل مفهوم الوجود، فإنّه حاکٍ عن حقیقته.‏

‏وقسم یحکی عمّا لیس له حقیقة، مثل مفهوم العدم.‏

‏وقسم لا یحکی عن ذا ولا ذاک، مثل مفاهیم الماهیّات، کمفهوم الإنسان.‏

الأمر الثانی :‏ المحمول فی کلّ قضیّة: إمّا ضروریّ الثبوت لموضوعها، ولا‏‎ ‎‏ینفکّ عنه، وإمّا ممتنع الثبوت له، وإمّا ممکن الثبوت له، ولا تخلو قضیّة من القضایا‏‎ ‎‏عن إحدیٰ هذه الجهات، والحصر عقلیّ لا رابع لها، والقضایا والجهات المذکورة فی‏‎ ‎‏المنطق من شعب هذه الثلاث.‏

الأمر الثالث :‏ کلّ ما هو ضروریّ لشیء لا یُعلّل؛ لأنّه ذاتیّ له، ولا یمکن أن‏‎ ‎‏تناله ید الجعل، إلاّ أنّه فی ضروریّ الوجود لأجل أنّه فوق الجعل وأجلّ من أن تناله‏‎ ‎‏ید الجاعل، وفی ضروریّ العدم لأجل أنّه دون الجعل وأدون من أن تناله ید‏‎ ‎‏الجاعل، وکلّ ما یمکن ثبوته لشیء فهو معلَّل فی الواقع، محتاج إلیٰ الجعل، فمناط‏‎ ‎‏الافتقار إلیٰ الجعل هو الإمکان الذی هو عین الفقر إلیٰ العلّة، والوجوب عین‏‎ ‎‏الاستغناء عن العلّة.‏

إذا عرفت هذه الاُمور فنقول :‏ لو لاحظنا صفحة الوجود نعلم أنّه لیس فی‏‎ ‎‏عالم الکون ما وجوده ضروریّ الثبوت له؛ بدون الاحتیاج إلیٰ العلّة والجعل، إلاّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34
‏وجود واجب الوجود تعالیٰ، فإنّ الوجود ضروریّ الثبوت له تعالیٰ، وفوق أن تناله‏‎ ‎‏ید الجعل ولا یحتاج إلی العلّة، فإنّه عین التحقّق، وأمّا سائر الموجودات ـ غیر الحقّ‏‎ ‎‏تعالیٰ ـ فلیس فیها ما وجوده ضروریّ الثبوت له، بمعنی استغنائها عن العلّة‏‎ ‎‏والجعل، وإلاّ لکان شریکاً له تعالیٰ، والبرهان القاطع قائم علیٰ استحالته، فثبت أنّ‏‎ ‎‏الوجود الذی هو ضروریّ الثبوت للذات، ومستغنٍ عن العلّة والجعل، هو وجود‏‎ ‎‏واجب الوجود فقط لیس إلاّ، وأنّ وجود سائر الموجودات ممکن الثبوت لذواتها؛‏‎ ‎‏یحتاج إلیٰ العلّة والجعل، وأمّا الماهیّات فذاتها وذاتیّاتها ولوازم ذاتها ضروریة‏‎ ‎‏الثبوت لها؛ بمعنیٰ أنّ ثبوتها لها لا یحتاج إلیٰ الجعل المستقلّ، بل هی مجعولة‏‎ ‎‏بجعلها، فهی لا تُعلّل، لکنّها ذاتها مع ذاتیّاتها ولوازم ذاتها اُمور اعتباریة.‏

وحینئذٍ فإن أراد ‏قدس سره‏‏ أنّ السعادة والشقاوة من ذاتیّات ماهیّة الإنسان أو لوازم‏‎ ‎‏ذاتها، ومع ذلک هما منشآن للآثار من الطاعة والمعصیة والقرب والبعد، فقد عرفت‏‎ ‎‏أنّ الماهیّة وذاتیّاتها ولوازم ذاتها، وإن لم تکن مجعولة بجعلٍ مستقلّ، لکنها اُمور‏‎ ‎‏اعتباریّة لایمکن أن تصیر منشأً للآثار.‏

وإن أراد‏ أنّهما من سِنْخ الوجود، ونحو من أنحائه، وضروریّا الثبوت للإنسان،‏‎ ‎‏فهو یستلزم أن یوجد فی عالم الکون ما هو وجود ضروریّ لذاته سویٰ الحقّ‏‎ ‎‏تعالیٰ، وتقدّم أنّ البراهین القاطعة قائمة علیٰ امتناع ذلک، وأنّه تعالیٰ واحد لا شریک‏‎ ‎‏له.‏

وإن أراد‏ أنّ السعادة والشقاوة من لوازم الوجود للإنسان لا لماهیّته، ففیه:‏

أوّلاً :‏ أنّ لوازم الوجود معلَّلات، وعللها هی ملزوماتها، فلا یصحّ ما ذکره: من‏‎ ‎‏أنّه لا تعلّل ذلک، ولا یُناسبه أیضاً.‏

وثانیاً :‏ لایمکن الالتزام بذلک، فإنّ لوازم الوجود دائمة اللزوم له؛ لاتنفکّ عنه‏‎ ‎‏أصلاً کالحرارة للنار، ولو کانت السعادة والشقاوة کذلک، لَلَزم أن یصدر الحسن من‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 35
‏السعید والقبیح عن الشقیّ دائماً حتّیٰ فی حال النوم، فیلزم أن یکون الشقیّ مُتجرِّیاً‏‎ ‎‏وعاصیاً دائماً، والسعید مطیعاً کذلک، ولا یصدر من السعید القبیح أصلاً، مع أنّا نریٰ‏‎ ‎‏بالعیان خلافه.‏

فالحق :‏ أنّ السعادة والشقاوة أمران اعتباریّان منتزعان عن الأفعال الصادرة‏‎ ‎‏من المکلّف، وأنّ المکلّف الصادر منه الأفعال الحسنة الحمیدة بإرادته واختیاره‏‎ ‎‏یُطلق علیه السعید، والصادر منه الأفعال الذمیمة القبیحة کذلک یطلق علیه الشقیّ،‏‎ ‎‏وهو معنیٰ (‏السعیدُ سعیدٌ فی بطن اُمّه، والشقیُّ شقیٌّ فی بطن اُمّه)‎[2]‎‏، فإنّا لو علمنا‏‎ ‎‏أنّ الحمل فی بطن اُمّه إذا تولّد وبلغ، یصدر منه الأفعال الحسنة الحمیدة أو الذمیمة‏‎ ‎‏القبیحة، علمنا أنّه سعید أو شقیّ.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 36

  • )) کفایة الاُصول : 89 ـ 90 .
  • )) التوحید: 356 / 3 ، فی المصدر تقدیم وتأخیر .