المرحلة الثالثة فی الاشتغال

المقام الأوّل: فیما یقتضیه الأصل العقلی

المقام الأوّل: فیما یقتضیه الأصل العقلی

‏فی أنّه إذا أثبتت جزئیة شیء أو شرطیته للمرکّب، فهل الأصل العقلی هو ‏‎ ‎‏الرکنیة، فیبطل المرکّب لو أخلّ بهما أم لا؟ ‏

‏قبل الورود فی المقصود لابدّ من تنقیح محلّ البحث فنقول: ‏

‏إنّ محلّ البحث فی جریان البراءة أو الاشتغال العقلیین هو ما إذا لم یکن ‏‎ ‎‏لدلیل المرکّب، ولا لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق وإلا لم تصل النوبة إلی ‏‎ ‎‏جریان البراءة أو الاشتغال لأنّه لو کان لدلیل المرکّب إطلاق بالنسبة إلی جزئیة ‏‎ ‎‏الشیء أو شرطیته، فعند الإخلال بأحدهما سهواً یؤخذ بإطلاق دلیل المرکّب ‏‎ ‎‏عند ذلک فیقتصر فی تقیید إطلاق دلیل المرکّب بالإخلال بهما بحال الذکر ‏‎ ‎‏والالتفات، فعند ترکهما سهواً تصحّ الصلاة.‏

‏کما أنّه إذا کان لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق بالنسبة إلی حالتی الذکر ‏‎ ‎‏والنسیان، فمقتضاه ثبوت الجزئیة أو الشرطیة فی حال النسیان، فعلیه یکون المأتیّ ‏‎ ‎‏به باطلاً. ‏

‏وبالجملة: جریان الأصل العملی من الاشتغال أو البراءة إنّما هو إذا لم یکن ‏‎ ‎‏إطلاق لفظی ودلیل اجتهادی لدلیل المرکّب أو لدلیل الجزء أو الشرط ومع ‏‎ ‎‏وجود أحدهما لا تصل النوبة إلی جریان الأصل العملی. ‏

‏ثمّ إنّه هل یکون هناک ضابط کلّی لبیان وجود الإطلاق وعدمه فی المرکّب ‏‎ ‎‏وفی الأجزاء والشرائط أم لا؟ وجهان، بل قولان. ‏

‏الظاهر أنّه لا یکون هناک ضابط کلّی فی ذلک، نعم لا یبعد أن یقال: إنّ الأدلّة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 340
‏المتضمّنة لبیان حکم المرکّبات غالباً بصدد مقام أصل التشریع، لا إطلاق لها ‏‎ ‎‏غالباً، کما أنّ أدلّة الأجزاء والشرائط لها إطلاق غالباً بالنسبة إلی الحالات الطاریة ‏‎ ‎‏ومع ذلک لابدّ من ملاحظة الموارد. ‏

‏ربما یظهر من بعضهم وجود ضابطة فی ذلک فقیل: إنّ أدلّة إثبات الأجزاء أو ‏‎ ‎‏الشرائط وکذا الموانع إن کانت بنحو التکلیف مثل قوله: اغسل ثوبک، وقوله ‏‎ ‎‏تعالی: ‏(فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ.)‎[1]‎‏ وقوله علیه السلام: «‏لا تصلّ فی ‎ ‎وبر ما لا یؤکل لحمه‏» ممّا لا یمکن عمومها وشمولها لحال الغفلة والنسیان، فلا ‏‎ ‎‏یمکن عمومها وشمولها لحالتی الغفلة والنسیان فتخصیص جزئیتها وشرطیتها ‏‎ ‎‏لحال الذکر والالتفات؛ لامتناع انتزاع الوضع المطلق من التکلیف المختصّ بحال ‏‎ ‎‏الذکر والالتفات. ‏

‏وبالجملة: بعد عدم إمکان إتیان الجزء أو الشرط فی حالتی الغفلة والنسیان، ‏‎ ‎‏فلا یمکن تعلّق التکلیف بالغافل والناسی فلا یصحّ انتزاع الجزئیة المطلقة أو ‏‎ ‎‏الشرطیة کذلک من التکلیف المختصّ بحال الذکر. ‏

‏وأنّه إذا کانت بنحو الوضع کقوله علیه السلام: «‏لا صلاة إلا بطهور‏» أو قوله علیه السلام: «‏لا ‎ ‎صلاة إلا بفاتحة الکتاب‏»، فیمکن انتزاع الوضع المطلق والجزئیة أو الشرطیة ‏‎ ‎‏المطلقة؛ لعدم انتزاعهما من الخطاب أو التکلیف المختصّ بحالة الذکر ‏‎ ‎‏والالتفات‏‎[2]‎‏. ‏

‏ولا یخفی أنّ هذا یتمّ لو سلّم امتناع شمول إطلاق أدلّة التکالیف وعمومها ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 341
‏لمثل الساهی والغافل، لکن قد تقدّم مستوفیً فی باب الخروج عن محلّ الابتلاء ‏‎ ‎‏تصحیح تعلّق التکلیف بمثلهم. ‏

‏وبالجملة: ما ذکر إنّما یتمّ فی الخطابات الشخصیة دون الخطابات القانونیة؛ ‏‎ ‎‏لما أشرنا من عدم اعتبار قدرة آحاد المکلّفین فی الخطابات القانونیة. ‏

‏فعلی هذا لا محذور فی شمول قوله تعالی: ‏(فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ...)‏ لحالتی ‏‎ ‎‏الغفلة والنسیان. ‏

‏وعن المحقّق العراقی قدّس سرّه ضابط آخر فی ذلک بعد تسلیم امتناع شمول ‏‎ ‎‏الخطاب لحالتی الغفلة والنسیان حاصله: ‏

‏أنّه یمکن استفادة إطلاق الشرطیة والجزئیة من تلک الأدلّة من جهات. ‏

‏إمّا لما هو الحقّ من ظهور تلک الأدلّة فی الإرشاد إلی الحکم الوضعی وأنّ ‏‎ ‎‏ذلک جزء، أو شرط أو مانع. ‏

‏أو لأجل أنّه لو سلّم ظهورها فی المولویة ولکن امتناع تکلیف الناسی والغافل ‏‎ ‎‏لیس من ضروریات العقول حتّی یکون کالقرینة الحافّة بالکلام مانعة عن ‏‎ ‎‏الظهور، بل هو من النظریات المحتاجة إلی التأمّل فی مبادیها، فیکون حاله، ‏‎ ‎‏کالقرائن المنفصلة المانعة عن حجّیة الظهور لا أصل الظهور. ‏

‏فعلی هذا یمکن أن یقال: إنّ غایة ما یقتضیه العقل المنع عن حجّیة ظهورها ‏‎ ‎‏فی الحکم التکلیفی دون الوضعی، فیؤخذ بظهورها بالنسبة إلی إثبات الجزئیة ‏‎ ‎‏والشرطیة والمانعیة. ‏

‏أو لأجل أنّه علی فرض الإغماض عنه یمکن التمسّک بإطلاق المادّة لدخل ‏‎ ‎‏الجزء أو الشرط فی الملاک والمصلحة مطلقاً فی حالتی الذکر والنسیان. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 342
‏فلا فرق حینئذٍ فی صحّة التمسّک بإطلاق دلیل الجزء مثلاً؛ لعموم الجزئیة ‏‎ ‎‏لحال النسیان والغفلة بین کونه بلسان الحکم التکلیفی أو الوضع‏‎[3]‎‏. ‏

‏وفیما أفاده مواقع للنظر: ‏

‏الأوّل: ما أفاده من أنّ تلک الأوامر والنواهی إرشادات إلی الجزئیة والشرطیة ‏‎ ‎‏والمانعیة؛ فإن أراد قدّس سرّه أنّ الهیئة فیها مستعملة فی إفادة الجزئیة والشرطیة والمانعیة ‏‎ ‎‏من دون أن تستعمل فی البعث إلی الشیء أو الزجر عنه، ففیه أنّه خلاف ‏‎ ‎‏الوجدان؛ ضرورة أنّها غیر منسلخة عن معانیها وحقایقها، غایة الأمر أنّه یفهم ‏‎ ‎‏العرف من البعث إلی جزء المرکّب أو شرطه الإرشاد إلی کونه جزءاً أو شرطاً، ‏‎ ‎‏کما أنّ النهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه مثلاً مستعمل فی الزجر عن ‏‎ ‎‏إیجاد الصلاة فیه ولکن ینتقل منه العرف إلی أنّ النهی لیس لمفسدة ذاتیة فیه، ‏‎ ‎‏بل لأجل مانعیته عنها. ‏

‏وإن أراد‏‏ أنّها وإن کانت مستعملة فی البعث أو الزجر إلا أنّا ننتقل منها إلی ‏‎ ‎‏الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة المطلقة ففیه أنّه غیر صحیح؛ لأنّ استفادة الحکم ‏‎ ‎‏الوضعی بتبع تعلّق التکلیف علی ذات الجزء أو الشرط أو المانع، فحینئذٍ یکون ‏‎ ‎‏الإرشاد بمقدار تعلّق التکلیف وإلا فلا وجه للإرشاد ولا دلیل علیه. ‏

‏الثانی: أنّ استفادة الجزئیة ونحوها تبع للتکلیف فإذا امتنع تکلیف الناسی ‏‎ ‎‏والغافل فکیف یمکن انتزاع الوضع مع فقد منشأه؟ وما قرع الأسماع من التفکیک ‏‎ ‎‏فی حجّیة الظهور بین الملزوم ولازمه لیس فی مثل المقام حتّی یتوهّم الانفکاک ‏‎ ‎‏بین استفادة الجزئیة ونحوها مطلقاً مع امتناع تکلیف الناسی والغافل؛ لأنّ ذلک ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 343
‏فیما إذا کان هناک ظهوران عرضیان لا فیما إذا کان ظهور أحدهما فی طول ‏‎ ‎‏الآخر ومن متفرّعاته بحیث یکون وجود الوضع وإطلاقه تابعاً لوجود التکلیف ‏‎ ‎‏وإطلاقه، فلا یعقل ذلک بعد سقوط المتبوع وارتفاعه. ‏

‏الثالث: إنّ کشف الملاک والمصلحة من إطلاق المادّة إنّما هو فی مورد تعلّق ‏‎ ‎‏التکلیف بها مطلقاً؛ لأنّ کشف المصلحة علی مذهب العدلیة إنّما هو من الأمر ‏‎ ‎‏والطلب الحقیقی ومع سقوط الأمر حال السهو والنسیان کما هو ظاهر مبنی ‏‎ ‎‏القائل والقوم من أین یحصل العلم باشتمالها علی المصلحة التامّة؟ ‏

‏نعم، ربما یقطع بقیام المصلحة بالمادّة الخالیة من الأمر بجهات اُخر، لکنّه ‏‎ ‎‏خارج عمّا نحن فیه، فتدبّر.‏

‏فنحصّل ممّا ذکرنا أنّ الضابط الذی ذکره المحقّق العراقی قدّس سرّه لاستفادة ‏‎ ‎‏الجزئیة والشرطیة والمانعیة مطلقاً، مع کون أدلّة مثبتها بلسان التکلیف غیر وجیه. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 344

  • . المائدة (5): 6.
  • . اُنظر: فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25: 363.
  • . نهایة الأفکار 3: 424.