المقام الأوّل: فیما یقتضیه الأصل العقلی
فی أنّه إذا أثبتت جزئیة شیء أو شرطیته للمرکّب، فهل الأصل العقلی هو الرکنیة، فیبطل المرکّب لو أخلّ بهما أم لا؟
قبل الورود فی المقصود لابدّ من تنقیح محلّ البحث فنقول:
إنّ محلّ البحث فی جریان البراءة أو الاشتغال العقلیین هو ما إذا لم یکن لدلیل المرکّب، ولا لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق وإلا لم تصل النوبة إلی جریان البراءة أو الاشتغال لأنّه لو کان لدلیل المرکّب إطلاق بالنسبة إلی جزئیة الشیء أو شرطیته، فعند الإخلال بأحدهما سهواً یؤخذ بإطلاق دلیل المرکّب عند ذلک فیقتصر فی تقیید إطلاق دلیل المرکّب بالإخلال بهما بحال الذکر والالتفات، فعند ترکهما سهواً تصحّ الصلاة.
کما أنّه إذا کان لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق بالنسبة إلی حالتی الذکر والنسیان، فمقتضاه ثبوت الجزئیة أو الشرطیة فی حال النسیان، فعلیه یکون المأتیّ به باطلاً.
وبالجملة: جریان الأصل العملی من الاشتغال أو البراءة إنّما هو إذا لم یکن إطلاق لفظی ودلیل اجتهادی لدلیل المرکّب أو لدلیل الجزء أو الشرط ومع وجود أحدهما لا تصل النوبة إلی جریان الأصل العملی.
ثمّ إنّه هل یکون هناک ضابط کلّی لبیان وجود الإطلاق وعدمه فی المرکّب وفی الأجزاء والشرائط أم لا؟ وجهان، بل قولان.
الظاهر أنّه لا یکون هناک ضابط کلّی فی ذلک، نعم لا یبعد أن یقال: إنّ الأدلّة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 340
المتضمّنة لبیان حکم المرکّبات غالباً بصدد مقام أصل التشریع، لا إطلاق لها غالباً، کما أنّ أدلّة الأجزاء والشرائط لها إطلاق غالباً بالنسبة إلی الحالات الطاریة ومع ذلک لابدّ من ملاحظة الموارد.
ربما یظهر من بعضهم وجود ضابطة فی ذلک فقیل: إنّ أدلّة إثبات الأجزاء أو الشرائط وکذا الموانع إن کانت بنحو التکلیف مثل قوله: اغسل ثوبک، وقوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ.) وقوله علیه السلام: «لا تصلّ فی وبر ما لا یؤکل لحمه» ممّا لا یمکن عمومها وشمولها لحال الغفلة والنسیان، فلا یمکن عمومها وشمولها لحالتی الغفلة والنسیان فتخصیص جزئیتها وشرطیتها لحال الذکر والالتفات؛ لامتناع انتزاع الوضع المطلق من التکلیف المختصّ بحال الذکر والالتفات.
وبالجملة: بعد عدم إمکان إتیان الجزء أو الشرط فی حالتی الغفلة والنسیان، فلا یمکن تعلّق التکلیف بالغافل والناسی فلا یصحّ انتزاع الجزئیة المطلقة أو الشرطیة کذلک من التکلیف المختصّ بحال الذکر.
وأنّه إذا کانت بنحو الوضع کقوله علیه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» أو قوله علیه السلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الکتاب»، فیمکن انتزاع الوضع المطلق والجزئیة أو الشرطیة المطلقة؛ لعدم انتزاعهما من الخطاب أو التکلیف المختصّ بحالة الذکر والالتفات.
ولا یخفی أنّ هذا یتمّ لو سلّم امتناع شمول إطلاق أدلّة التکالیف وعمومها
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 341
لمثل الساهی والغافل، لکن قد تقدّم مستوفیً فی باب الخروج عن محلّ الابتلاء تصحیح تعلّق التکلیف بمثلهم.
وبالجملة: ما ذکر إنّما یتمّ فی الخطابات الشخصیة دون الخطابات القانونیة؛ لما أشرنا من عدم اعتبار قدرة آحاد المکلّفین فی الخطابات القانونیة.
فعلی هذا لا محذور فی شمول قوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ...) لحالتی الغفلة والنسیان.
وعن المحقّق العراقی قدّس سرّه ضابط آخر فی ذلک بعد تسلیم امتناع شمول الخطاب لحالتی الغفلة والنسیان حاصله:
أنّه یمکن استفادة إطلاق الشرطیة والجزئیة من تلک الأدلّة من جهات.
إمّا لما هو الحقّ من ظهور تلک الأدلّة فی الإرشاد إلی الحکم الوضعی وأنّ ذلک جزء، أو شرط أو مانع.
أو لأجل أنّه لو سلّم ظهورها فی المولویة ولکن امتناع تکلیف الناسی والغافل لیس من ضروریات العقول حتّی یکون کالقرینة الحافّة بالکلام مانعة عن الظهور، بل هو من النظریات المحتاجة إلی التأمّل فی مبادیها، فیکون حاله، کالقرائن المنفصلة المانعة عن حجّیة الظهور لا أصل الظهور.
فعلی هذا یمکن أن یقال: إنّ غایة ما یقتضیه العقل المنع عن حجّیة ظهورها فی الحکم التکلیفی دون الوضعی، فیؤخذ بظهورها بالنسبة إلی إثبات الجزئیة والشرطیة والمانعیة.
أو لأجل أنّه علی فرض الإغماض عنه یمکن التمسّک بإطلاق المادّة لدخل الجزء أو الشرط فی الملاک والمصلحة مطلقاً فی حالتی الذکر والنسیان.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 342
فلا فرق حینئذٍ فی صحّة التمسّک بإطلاق دلیل الجزء مثلاً؛ لعموم الجزئیة لحال النسیان والغفلة بین کونه بلسان الحکم التکلیفی أو الوضع.
وفیما أفاده مواقع للنظر:
الأوّل: ما أفاده من أنّ تلک الأوامر والنواهی إرشادات إلی الجزئیة والشرطیة والمانعیة؛ فإن أراد قدّس سرّه أنّ الهیئة فیها مستعملة فی إفادة الجزئیة والشرطیة والمانعیة من دون أن تستعمل فی البعث إلی الشیء أو الزجر عنه، ففیه أنّه خلاف الوجدان؛ ضرورة أنّها غیر منسلخة عن معانیها وحقایقها، غایة الأمر أنّه یفهم العرف من البعث إلی جزء المرکّب أو شرطه الإرشاد إلی کونه جزءاً أو شرطاً، کما أنّ النهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه مثلاً مستعمل فی الزجر عن إیجاد الصلاة فیه ولکن ینتقل منه العرف إلی أنّ النهی لیس لمفسدة ذاتیة فیه، بل لأجل مانعیته عنها.
وإن أراد أنّها وإن کانت مستعملة فی البعث أو الزجر إلا أنّا ننتقل منها إلی الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة المطلقة ففیه أنّه غیر صحیح؛ لأنّ استفادة الحکم الوضعی بتبع تعلّق التکلیف علی ذات الجزء أو الشرط أو المانع، فحینئذٍ یکون الإرشاد بمقدار تعلّق التکلیف وإلا فلا وجه للإرشاد ولا دلیل علیه.
الثانی: أنّ استفادة الجزئیة ونحوها تبع للتکلیف فإذا امتنع تکلیف الناسی والغافل فکیف یمکن انتزاع الوضع مع فقد منشأه؟ وما قرع الأسماع من التفکیک فی حجّیة الظهور بین الملزوم ولازمه لیس فی مثل المقام حتّی یتوهّم الانفکاک بین استفادة الجزئیة ونحوها مطلقاً مع امتناع تکلیف الناسی والغافل؛ لأنّ ذلک
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 343
فیما إذا کان هناک ظهوران عرضیان لا فیما إذا کان ظهور أحدهما فی طول الآخر ومن متفرّعاته بحیث یکون وجود الوضع وإطلاقه تابعاً لوجود التکلیف وإطلاقه، فلا یعقل ذلک بعد سقوط المتبوع وارتفاعه.
الثالث: إنّ کشف الملاک والمصلحة من إطلاق المادّة إنّما هو فی مورد تعلّق التکلیف بها مطلقاً؛ لأنّ کشف المصلحة علی مذهب العدلیة إنّما هو من الأمر والطلب الحقیقی ومع سقوط الأمر حال السهو والنسیان کما هو ظاهر مبنی القائل والقوم من أین یحصل العلم باشتمالها علی المصلحة التامّة؟
نعم، ربما یقطع بقیام المصلحة بالمادّة الخالیة من الأمر بجهات اُخر، لکنّه خارج عمّا نحن فیه، فتدبّر.
فنحصّل ممّا ذکرنا أنّ الضابط الذی ذکره المحقّق العراقی قدّس سرّه لاستفادة الجزئیة والشرطیة والمانعیة مطلقاً، مع کون أدلّة مثبتها بلسان التکلیف غیر وجیه.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 344