کیفیة الجعل فی المخترعات الشرعیة
هل فی المخترعات الشرعیة یتعلّق الجعل بکلّ واحد من السبب والمسبّب أو یکفی تعلّقه بأحدهما وجهان، بل قولان:
ذهب المحقّق النائینی قدّس سرّه إلی الثانی حیث قال: لو کانت المجعولات الشرعیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324
نفس المسبّبات وترتّبها علی أسبابها کترتّب الطهارة علی الغسلات الثلاث، فالأسباب تکون خارجة عن دائرة الجعل ولا تنالها ید الوضع والرفع التشریعی إذ لا یعقل أن یتعلّق الجعل الشرعی بکلّ من السبب والمسبّب؛ لأنّ جعل أحدهما یغنی عن جعل الآخر، فبناء علی تعلّق الجعل بالمسبّبات تکون الأسباب الشرعیة کالأسباب العقلیة والعادیة غیر قابلة للوضع والرفع الخ.
ولکن فیه: أنّ منشأ ما أفاده مقایسة الأسباب الشرعیة بالعلل والأسباب التکوینیة، فإنّ الجعل التکوینی إنّما یتعلّق بوجود السبب جعلاً بسیطاً وسببیة السبب أو نفس المسبب غیر مجعول إلا بالعرض، فالجاعل جعل النار، لا جعل النار ناراً ومؤثّراً وسبباً للإحراق ولا نفس الإحراق.
ولمّا کان الأمر فی الأسباب التکوینیة کذلک صار منشأً للاشتباه فی الأسباب الشرعیة، فلهذا اشتهر بینهم أنّ الجعل إنّما یتعلّق بالسبب لا بالسببیة مع أنّ الأمر فی التشریع لیس کذلک لأنّ المفروض أنّ المسبّب حیث لم یکن من الاُمور العقلائیة، بل یکون من المخترعات الشرعیة التی لا سابقة لها عند العقلاء، وما کان کذلک لا یعقل أن یکون له مسبّب عقلائی أو عقلی أو عادی فلابدّ وأن یکون سببه أیضاً اختراعیاً، فلابدّ من تعلّق الجعل بالسبب والمسبّب من غیر فرق بین تعلّق الجعل ابتداءً بالسبب أو المسبّب، أو أدّی کلاماً یتکفّل الجعلین.
وبالجملة: فی الأسباب والمسبّبات الجعلیة الاختراعیة لا یمکن أن یتعلّق الجعل بالسبب فقط أو بالمسبّب فقط ولا یکون جعل أحدهما مغنیاً عن جعل الآخر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 325
ولا یخفی أنّ الجعل إنّما یتعلّق بوصف السببیة لا ذات المسبّب علی عکس الأسباب التکوینیة أعنی یجعل الشارع ما لیس سبباً سبباً ویعطیه وصف السببیة.
فلو فرضنا أنّ قول القائل لزوجته: ظهرک کظهر اُمّی لیس عند العقلاء محرّماً، بل جعله الشارع سبباً لحرمة زوجته، فالجعل لم یتعلّق بذات اللفظ ـ أی بتلک الألفاظ، بل بوصف السببیة ـ أی صیّره الشارع سبباً للتحریم بعد ما لم یکن سبباً، لا أنّ الجعل تعلّق بالسبب ویکون وصف السببیة انتزاعیاً، کما هو المشهور.
وبالجملة: لفظة «ظهرک کظهر اُمّی» مثلاً لیست متعلّقة للجعل الشرعی لا مفرداتها ولا جملتها الترکیبیة، بل هی موضوعة بالوضع اللغوی، ولکن لمّا لم یکن قبل اعتبار الشارع وجعله مؤثّرة فی الافتراق بین الزوجین فإعطاء الشارع وصف السببیة بالمعنی الذی ذکرناه.
فإذاً المجعول هو سببیة تلک اللفظة التی کانت مجعولة بالجعل اللغوی.
وهکذا الأمر فی مطلق الاُمور الاعتباریة العقلائیة والشرعیة ولا إشکال فی جواز جعل السببیة الاعتباریة؛ لعدم التأثیر والتأثّر الحقیقی، بل التأثیر فی عالم التشریع عبارة عن کون السبب موضوعاً لاعتبار الشارع المقنّن، وصیرورته کذلک یکون نافذاً فی اُمّته وتابعیه وذلک واضح عند التأمّل فی موارد المجعولات الشرعیة والعقلائیة.
فإذا تمهّد لک ما ذکرنا، فالتحقیق یقتضی عدم جریان البراءة العقلیة والشرعیة فی الأسباب الشرعیة.
أمّا البراءة العقلیة فلتعلّق الأمر بالمفهوم البیّن أعنی المسبّب ویشکّ فی سقوطه بالأقلّ، فلا تجری البراءة العقلیة.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 326
وتوهّم أنّه بعد ما کانت سببیة السبب والمسبّب مجعولین والمفروض أنّ ما وقع تحت البیان فی ناحیة السبب إنّما هو الأقلّ ولو شکّ فی دخالة شیء فیما اعتبره الشارع فعلی تقدیر اعتباره لا یصحّ العقاب علیه؛ لکونه عقاباً بلا بیان، فتجری البراءة العقلیة مدفوع بأنّ المکلّف وإن کان فی نسخة من ناحیة السبب لجریان البراءة العقلیة فی سببیة الجزء المشکوک فیه إلا أنّه من ناحیة تعلّق الأمر بالمسبّب الذی یکون مفهوماً مبیّناً؛ حیث قامت الحجّة علیه، فلا یصحّ رفع الید عن الحجّة إلا بحجّة اُخری، وحکم العقل بقبح العقاب فی ناحیة السبب لا یکون حجّة علی المسبّب.
فمرجع الشکّ إلی فراغ الذمّة عن اشتغال الذمّة بالمسبّب الذی یکون مفهوماً مبیّناً، فالأصل الاشتغال.
وأمّا البراءة الشرعیة، فغایة ما یمکن أن یقال فی جریان البراءة الشرعیة هی أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب وعدمه ناشٍ من اعتبار أمر زائد فی السبب وعدمه وبما أنّ سببیة السبب مجعولة شرعاً، فترفع جزئیة المشکوک للسبب، فیرفع الشکّ من ناحیة المسبّب فیجریان حدیث الرفع فی السبب برفع الشکّ عن المسبّب، فیحکم بتحقّقه لوجود الأقلّ وجداناً ودفع الزیادة بحدیث الرفع، فیرفع الشکّ تحقّق المسبّب، فیحکم أنّه موجود ولیست السببیة عقلیة حتّی تکون من الأصل المثبت.
ولکن فیه، أنّ السببیة وإن کانت شرعیة إلا أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب ناشٍ عن کون الأقلّ تمام المؤثّر، ورفع الزیادة بالحدیث لا یثبت کذلک أی لا یثبت کون الأقلّ تمام السبب إلا بالأصل المثبت.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327
وبالجملة: إنّ المسبّب یترتّب حسب الجعل علی السبب الواقعی التامّ ولیس رفع الزیادة مثبتاً لذلک بالأصل حتّی یرفع الشکّ من السبب.
ولیس عدم الزیادة وحصول الأقلّ سبباً بنحو الترکیب حتّی یحرز أحد الجزئین بالوجدان والآخر بالأصل ویترتّب علیه المسبّب؛ ضرورة أنّ تمام السبب حینئذٍ هو الأقلّ والزیادة لا تکون دخیلة فی حصول المسبّب وجوداً وعدماً حتّی یؤخذ عدمها جزءاً للسبب وإنّما السبب هو تمام السبب، فلابدّ من إثبات سببیة الناقص وأنّ الأقلّ هو تمام السبب حتّی یترتّب علیه تمام المسبّب وذلک لا یمکن بجریان حدیث الرفع فی الزیادة.
نعم، لو دلّ دلیل شرعی بأنّه کلّما وجد الأقلّ ولم تتحقّق الزیادة وجد المسبّب أمکن دعوی إثبات أحد الجزئین بالأصل والآخر بالوجدان، لکنّه خارج عن مبحث الأقلّ والأکثر.
فظهر من جمیع ما ذکرنا أنّ الأصل فی باب الأقلّ والأکثر فی الأسباب والمحصّلات هو الاشتغال ولیس فیه مورد جریان البراءة العقلیة والشرعیة، فتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 328