المرحلة الثالثة فی الاشتغال

کیفیة الجعل فی المخترعات الشرعیة

کیفیة الجعل فی المخترعات الشرعیة

‏هل فی المخترعات الشرعیة یتعلّق الجعل بکلّ واحد من السبب والمسبّب أو ‏‎ ‎‏یکفی تعلّقه بأحدهما وجهان، بل قولان: ‏

‏ذهب المحقّق النائینی قدّس سرّه إلی الثانی حیث قال: لو کانت المجعولات الشرعیة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324
‏نفس المسبّبات وترتّبها علی أسبابها کترتّب الطهارة علی الغسلات الثلاث، ‏‎ ‎‏فالأسباب تکون خارجة عن دائرة الجعل ولا تنالها ید الوضع والرفع التشریعی إذ ‏‎ ‎‏لا یعقل أن یتعلّق الجعل الشرعی بکلّ من السبب والمسبّب؛ لأنّ جعل أحدهما ‏‎ ‎‏یغنی عن جعل الآخر، فبناء علی تعلّق الجعل بالمسبّبات تکون الأسباب الشرعیة ‏‎ ‎‏کالأسباب العقلیة والعادیة غیر قابلة للوضع والرفع الخ‏‎[1]‎‏. ‏

‏ولکن فیه: أنّ منشأ ما أفاده مقایسة الأسباب الشرعیة بالعلل والأسباب ‏‎ ‎‏التکوینیة، فإنّ الجعل التکوینی إنّما یتعلّق بوجود السبب جعلاً بسیطاً وسببیة ‏‎ ‎‏السبب أو نفس المسبب غیر مجعول إلا بالعرض، فالجاعل جعل النار، لا جعل ‏‎ ‎‏النار ناراً ومؤثّراً وسبباً للإحراق ولا نفس الإحراق. ‏

‏ولمّا کان الأمر فی الأسباب التکوینیة کذلک صار منشأً للاشتباه فی الأسباب ‏‎ ‎‏الشرعیة، فلهذا اشتهر بینهم أنّ الجعل إنّما یتعلّق بالسبب لا بالسببیة مع أنّ الأمر ‏‎ ‎‏فی التشریع لیس کذلک لأنّ المفروض أنّ المسبّب حیث لم یکن من الاُمور ‏‎ ‎‏العقلائیة، بل یکون من المخترعات الشرعیة التی لا سابقة لها عند العقلاء، وما ‏‎ ‎‏کان کذلک لا یعقل أن یکون له مسبّب عقلائی أو عقلی أو عادی فلابدّ وأن ‏‎ ‎‏یکون سببه أیضاً اختراعیاً، فلابدّ من تعلّق الجعل بالسبب والمسبّب من غیر فرق ‏‎ ‎‏بین تعلّق الجعل ابتداءً بالسبب أو المسبّب، أو أدّی کلاماً یتکفّل الجعلین. ‏

‏وبالجملة: فی الأسباب والمسبّبات الجعلیة الاختراعیة لا یمکن أن یتعلّق ‏‎ ‎‏الجعل بالسبب فقط أو بالمسبّب فقط ولا یکون جعل أحدهما مغنیاً عن جعل ‏‎ ‎‏الآخر. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 325
‏ولا یخفی أنّ الجعل إنّما یتعلّق بوصف السببیة لا ذات المسبّب علی عکس ‏‎ ‎‏الأسباب التکوینیة أعنی یجعل الشارع ما لیس سبباً سبباً ویعطیه وصف السببیة. ‏

‏فلو فرضنا أنّ قول القائل لزوجته: ظهرک کظهر اُمّی لیس عند العقلاء محرّماً، ‏‎ ‎‏بل جعله الشارع سبباً لحرمة زوجته، فالجعل لم یتعلّق بذات اللفظ ـ أی بتلک ‏‎ ‎‏الألفاظ، بل بوصف السببیة ـ أی صیّره الشارع سبباً للتحریم بعد ما لم یکن سبباً، ‏‎ ‎‏لا أنّ الجعل تعلّق بالسبب ویکون وصف السببیة انتزاعیاً، کما هو المشهور.‏

‏وبالجملة: لفظة «ظهرک کظهر اُمّی» مثلاً لیست متعلّقة للجعل الشرعی لا ‏‎ ‎‏مفرداتها ولا جملتها الترکیبیة، بل هی موضوعة بالوضع اللغوی، ولکن لمّا لم ‏‎ ‎‏یکن قبل اعتبار الشارع وجعله مؤثّرة فی الافتراق بین الزوجین فإعطاء الشارع ‏‎ ‎‏وصف السببیة بالمعنی الذی ذکرناه. ‏

‏فإذاً المجعول هو سببیة تلک اللفظة التی کانت مجعولة بالجعل اللغوی. ‏

‏وهکذا الأمر فی مطلق الاُمور الاعتباریة العقلائیة والشرعیة ولا إشکال فی ‏‎ ‎‏جواز جعل السببیة الاعتباریة؛ لعدم التأثیر والتأثّر الحقیقی، بل التأثیر فی عالم ‏‎ ‎‏التشریع عبارة عن کون السبب موضوعاً لاعتبار الشارع المقنّن، وصیرورته ‏‎ ‎‏کذلک یکون نافذاً فی اُمّته وتابعیه وذلک واضح عند التأمّل فی موارد ‏‎ ‎‏المجعولات الشرعیة والعقلائیة. ‏

‏فإذا تمهّد لک ما ذکرنا، فالتحقیق یقتضی عدم جریان البراءة العقلیة والشرعیة ‏‎ ‎‏فی الأسباب الشرعیة. ‏

‏أمّا البراءة العقلیة فلتعلّق الأمر بالمفهوم البیّن أعنی المسبّب ویشکّ فی سقوطه ‏‎ ‎‏بالأقلّ، فلا تجری البراءة العقلیة. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 326
‏وتوهّم أنّه بعد ما کانت سببیة السبب والمسبّب مجعولین والمفروض أنّ ما ‏‎ ‎‏وقع تحت البیان فی ناحیة السبب إنّما هو الأقلّ ولو شکّ فی دخالة شیء فیما ‏‎ ‎‏اعتبره الشارع فعلی تقدیر اعتباره لا یصحّ العقاب علیه؛ لکونه عقاباً بلا بیان، ‏‎ ‎‏فتجری البراءة العقلیة مدفوع بأنّ المکلّف وإن کان فی نسخة من ناحیة السبب ‏‎ ‎‏لجریان البراءة العقلیة فی سببیة الجزء المشکوک فیه إلا أنّه من ناحیة تعلّق الأمر ‏‎ ‎‏بالمسبّب الذی یکون مفهوماً مبیّناً؛ حیث قامت الحجّة علیه، فلا یصحّ رفع الید ‏‎ ‎‏عن الحجّة إلا بحجّة اُخری، وحکم العقل بقبح العقاب فی ناحیة السبب لا ‏‎ ‎‏یکون حجّة علی المسبّب. ‏

‏فمرجع الشکّ إلی فراغ الذمّة عن اشتغال الذمّة بالمسبّب الذی یکون مفهوماً ‏‎ ‎‏مبیّناً، فالأصل الاشتغال.‏

‏وأمّا البراءة الشرعیة، فغایة ما یمکن أن یقال فی جریان البراءة الشرعیة هی ‏‎ ‎‏أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب وعدمه ناشٍ من اعتبار أمر زائد فی السبب وعدمه ‏‎ ‎‏وبما أنّ سببیة السبب مجعولة شرعاً، فترفع جزئیة المشکوک للسبب، فیرفع الشکّ ‏‎ ‎‏من ناحیة المسبّب فیجریان حدیث الرفع فی السبب برفع الشکّ عن المسبّب، ‏‎ ‎‏فیحکم بتحقّقه لوجود الأقلّ وجداناً ودفع الزیادة بحدیث الرفع، فیرفع الشکّ ‏‎ ‎‏تحقّق المسبّب، فیحکم أنّه موجود ولیست السببیة عقلیة حتّی تکون من الأصل ‏‎ ‎‏المثبت. ‏

‏ولکن فیه، أنّ السببیة وإن کانت شرعیة إلا أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب ناشٍ ‏‎ ‎‏عن کون الأقلّ تمام المؤثّر، ورفع الزیادة بالحدیث لا یثبت کذلک أی لا یثبت ‏‎ ‎‏کون الأقلّ تمام السبب إلا بالأصل المثبت. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327
‏وبالجملة: إنّ المسبّب یترتّب حسب الجعل علی السبب الواقعی التامّ ولیس ‏‎ ‎‏رفع الزیادة مثبتاً لذلک بالأصل حتّی یرفع الشکّ من السبب. ‏

‏ولیس عدم الزیادة وحصول الأقلّ سبباً بنحو الترکیب حتّی یحرز أحد ‏‎ ‎‏الجزئین بالوجدان والآخر بالأصل ویترتّب علیه المسبّب؛ ضرورة أنّ تمام السبب ‏‎ ‎‏حینئذٍ هو الأقلّ والزیادة لا تکون دخیلة فی حصول المسبّب وجوداً وعدماً حتّی ‏‎ ‎‏یؤخذ عدمها جزءاً للسبب وإنّما السبب هو تمام السبب، فلابدّ من إثبات سببیة ‏‎ ‎‏الناقص وأنّ الأقلّ هو تمام السبب حتّی یترتّب علیه تمام المسبّب وذلک لا ‏‎ ‎‏یمکن بجریان حدیث الرفع فی الزیادة. ‏

‏نعم، لو دلّ دلیل شرعی بأنّه کلّما وجد الأقلّ ولم تتحقّق الزیادة وجد ‏‎ ‎‏المسبّب أمکن دعوی إثبات أحد الجزئین بالأصل والآخر بالوجدان، لکنّه خارج ‏‎ ‎‏عن مبحث الأقلّ والأکثر. ‏

‏فظهر من جمیع ما ذکرنا أنّ الأصل فی باب الأقلّ والأکثر فی الأسباب ‏‎ ‎‏والمحصّلات هو الاشتغال ولیس فیه مورد جریان البراءة العقلیة والشرعیة، فتدبّر. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 328

  • . فوائد الاُصول 4: 145 ـ 146.