المرحلة الثالثة فی الاشتغال

القول فی الأسباب الشرعیة

القول فی الأسباب الشرعیة 

‏وأمّا الأسباب الشرعیة فقد یقال: بجریان البراءة الشرعیة فی الأسباب الشرعیة ‏‎ ‎‏فلابدّ أوّلاً من الإشارة الإجمالیة إلی کیفیة جعل الأسباب والمحصّلات الشرعیة ‏‎ ‎‏حتّی یظهر جریان البراءة الشرعیة وعدمها فیها، تفصیلها یطلب من مباحث ‏‎ ‎‏الاستصحاب فنقول: إنّ السببیة والمسبّبیة فی الشرعیات والاُمور الاعتباریة ‏‎ ‎‏العقلائیة لیست بمعنی کون الأسباب مؤثّرات حقیقة فی المسبّبات بحیث لم ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322
‏یکن المسبّب قبل تحقّق السبب موجوداً فی عالم التکوین وبعد تحقّق السبب ‏‎ ‎‏یوجد المسبّب حقیقة فی الخارج وهذا واضح. ‏

‏وکذا لیست أیضاً بمعنی تأثیر الأسباب فی إیجاد المسبّبات فی عالم الاعتبار ـ ‏‎ ‎‏لا فی اعتبار العقلاء ولا فی اعتبار الموجد للسبب ـ لأنّ اعتبار العقلاء أمر قائم ‏‎ ‎‏بأنفسهم وله أسباب خاصّة ولیس إنشاء المنشئ للسبب مؤثّراً وعلّة موحدة ‏‎ ‎‏لاعتبار العقلاء ولا فی اعتبار نفسه؛ فإنّ لاعتبار العقلاء والمعتبر أسباباً خاصّة من ‏‎ ‎‏قبیل مبادئ الإرادة ولیس وراء وجود الحقیقی والاعتباری شیء آخر یؤثّر ‏‎ ‎‏السبب فیه نحو تأثیر الأسباب فی المسبّبات بل معنی السببیة والمسبّبیة العقلائیة ‏‎ ‎‏أنّ الأسباب تکون موضوعات لاعتبار العقلاء، فإذا قال الرجل: بعت داری من ‏‎ ‎‏زید بکذا... بما له من المعنی الإنشائی أی بداعی الجدّ یصیر موضوعاً لاعتبار ‏‎ ‎‏العقلاء فإنّ الدار التی کانت مضافة إلی البائع قبل إنشائه بالإضافة الاعتباریة ‏‎ ‎‏صارت مضافة إلی زید بواسطة بیعه له، فالبائع إذا علم اعتبار العقلاء عقیب ‏‎ ‎‏إنشائه الجدّی للبیع، ویؤیّد بیع داره لزید یستعمل الصیغة ویرید تحقّق المعنی ‏‎ ‎‏الاعتباری، فیکون موضوعاً لاعتبار نفسه وسائر العقلاء. ‏

‏وبالجملة: إذا استعمل لفظ موضوع للإنشاء بداعی تحقّق المنشأ یصیر اللفظ ‏‎ ‎‏بما له من المعنی موضوعاً للاعتبار المذکور من غیر أن یصیر اللفظ علّة لتحقّق ‏‎ ‎‏الاعتبار ولا لتحقّق شیء آخر. ‏

‏إذا تمهّد لک ما ذکرنا نقول: إنّ المجعولات الشرعیة فی باب الأسباب ‏‎ ‎‏والمسبّبات لیست علی وتیرة واحدة: ‏

‏فتارة یکون إمضاء للسبب والمسبّب العقلائی وسببیتهما للمسبّب الاعتباری ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323
‏ولم یتصرّف فیه إلا تصرّفاً طفیفاً من زیادة جزء أو شرط. ‏

‏واُخری یکون سلب السببیة عن الأسباب العقلائیة وحصر السببیة فی سبب ‏‎ ‎‏واحد کما فی باب الطلاق، فإنّ الطلاق ـ بمعنی الهجران عن الزوجة ـ والزوجیة ‏‎ ‎‏أمر عقلائی کسائر الاُمور العقلائیة متعارف عند العقلاء فی کلّ ملّة منتحلة بدین ‏‎ ‎‏وغیره ولم یتصرّف الشارع فی تلک الحقیقة العقلائیة وإنّما تصرّف الشارع فی ‏‎ ‎‏سببها وسلب السببیة عن الأسباب المتعارفة العقلائیة وردعهم عن ترتیب الآثار ‏‎ ‎‏علی تلک الأسباب، وحصر السببیة علی لفظة خاصّة أعنی: «هی طالق» فاعتبر ‏‎ ‎‏السببیة الاعتباریة لتلک اللفظة دون غیرها. ‏

‏وبالجملة: خلع سائر الأسباب عن السببیة من غیر تصرّف فی المسبّب وحصر ‏‎ ‎‏السببیة علی لفظة خاصّة وهی: «هی طالق». ‏

‏وثالثة: یکون بسط دائرة السببیة والسبب ممّا لیس له منه بین العقلاء عین ولا ‏‎ ‎‏أثر، کما فی باب الضمان فقد بسط الشارع دائرة الضمان، بحیث یحصل الضمان ‏‎ ‎‏بمجرّد وضع الید المستفادة من قاعدة الید ممّا لیس منه بین العقلاء عین ولا أثر. ‏

‏ورابعة: یکون المسبّب من المخترعات المحضة التی لیس لها سابقة عند ‏‎ ‎‏العقلاء کالظهار إذا قال الزوج لزوجته: ظهرکِ کظهر اُمّی، حیث جعله الشارع ‏‎ ‎‏سبباً لحرمة زوجته ولم یکن له سابقة عند العقلاء.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 324