ذکر وتعقیب
إذا أحطت خبراً بما ذکرنا یظهر لک ضعف ما أفاده المحقّقین النائینی والخراسانی فی المقام:
أمّا المحقّق النائینی قدّس سرّه فذهب إلی الاحتیاط ونفی البراءة إذا کان الأقلّ والأکثر من قبیل الجنس والنوع فقال:
إنّ التردید بین الجنس والنوع وإن کان یرجع بالتحلیل العقلی إلی الأقلّ والأکثر إلا أنّه خارجاً بنظر العرف یکون من التردید بین المتباینین؛ لأنّ الإنسان بما له من المعنی المرتکز فی الذهن مباین للحیوان عرفاً، فلو علم إجمالاً بوجوب إطعام الإنسان أو الحیوان، فاللازم هو الاحتیاط بإطعام خصوص الإنسان؛ لأنّ نسبة حدیث الرفع إلی کلّ من وجوب إطعام الإنسان أو الحیوان علی حد سواء، وأصالة البراءة فی کلّ منهما تجری وتسقط بالمعارضة مع الاُخری فیبقی العلم الإجمالی علی حاله، فلابدّ من العلم بالخروج عن عهدة التکلیف ولا یحصل ذلک إلا بإطعام خصوص الإنسان؛ لأنّه جمع بین الأمرین؛ فإنّ إطعام الإنسان یستلزم إطعام الحیوان أیضاً.
توضیح الضعف أوّلاً: أنّ مرجع ما أفاده إلی المناقشة فی المثال؛ لأنّ الإنسان والحیوان وإن کانا بنظر العرف من قبیل المتباینین إلا أنّه لیس فی جمیع موارد التردید بین النوع والجنس کذلک، کما إذا دار الأمر بین الحیوان والفرس؛ فإنّهما لیسا بنظر العرف من قبیل المتباینین، فلو دار الأمر بینهما، فلا مناص من
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 316
البراءة، کما لو دار الأمر بین مطلق اللون واللون الأبیض أو مطلق الرائحة ورائحة المسک، فإنّ الجمیع من قبیل الأقلّ والأکثر.
وبالجملة: مرجع إشکاله إلی المناقشة فی المثال.
وثانیاً: أنّه لو کان الدوران بین الإنسان والحیوان من قبیل المتباینین فطریق الاحتیاط هو الجمع بینهما فی الإطعام لا إطعام خصوص الإنسان کما ذکره.
وما ذکره من أنّ إطعام الإنسان یستلزم إطعام الحیوان أشبه شیء بالمناقضة، بل ما ذکره هو الدلیل علی انحلال العلم الإجمالی؛ لأنّ إطعام الإنسان إذا کان إطعام الحیوان أیضاً لابدّ وأن یکون عنوان الحیوان منطبقاً علیه ومعه یکون الحیوان متیقّناً والزائد مشکوکاً فیه، فتدبّر.
وأمّا المحقّق الخراسانی قدس سره فقال: إنّ الصلاة مثلاً فی ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصّة موجودة بعین وجودها وفی ضمن صلاة اُخری فاقدة لشرطها وخصوصیاتها تکون متباینة للمأمور بها کما لا یخفی.
توضیح الضعف: هو أنّ فیما أفاده خلطاً واضحاً لما أشرنا إلیه آنفاً من أنّ الکلّی الطبیعی موجود فی الخارج بنعت الکثرة لا بنعت التباین؛ لأنّ الطبیعی لمّا لم یکن فی حدّ ذاته واحداً ولا کثیراً فلا محالة یکون مع الواحد واحداً ومع الکثیر کثیراً، فیکون الطبیعی موجوداً مع کلّ فرد بتمام ذاته ویکون متکثّراً بتکثّر الأفراد غیر مباین.
فزید إنسان وعمرو إنسان آخر وخالد إنسان ثالث وهکذا لا أنّهم متباینون فی الإنسانیة، بل متکثّرون فیها وإنّما التباین فی لحوق عوارض مصنّفة ومشخّصة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 317
کما لا یخفی، وواضح أنّ التباین فی الخصوصیات لا یجعل المهیة المتّحدة مع کلّ فرد وخصوصیة متباینة مع الاُخری؛ فإنّ الإنسان بحکم کونه مهیة بلا شرط شیء غیر مرهون بالوحدة والکثرة وهو مع الکثیر کثیر، فالإنسان بتمام حقیقته متّحد مع کلّ خصوصیة والإنسان متکثّر بتکثّر الأفراد غیر متباین مع الکثرة هذا إجمال المقال وتفصیله یطلب من أهله ومحلّه، فتدبّر.
أضف إلی ذلک أنّ کون الطرفین متباینین غیر مفید أصلاً لما أشرنا من أنّ المیزان فی ذلک هو ما یقع تحت دائرة الطلب وقد أشرنا إلی أنّ متعلّق الأحکام إنّما هو العناوین والمهیات ومن الواضح أنّ مطلق الصلاة أو الصلاة المشروطة بالطهارة مثلاً من قبیل الأقلّ والأکثر، فتدبّر جیّداً.
بقی أمران:
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 318