المرحلة الثالثة فی الاشتغال

المرجع فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین

المرجع فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین

‏توضیح المختار یستدعی تقدیم اُمور: ‏

الأمر الأوّل:‏ إنّ وزان المرکّبات الاعتباریة فی عالم الاعتبار من بعض ‏‎ ‎‏الجهات وزان المرکّبات الحقیقیة فی الخارج، فکما أنّ المرکّب الحقیقی إنّما ‏‎ ‎‏یحصل بعد کسر صورة الأجزاء بواسطة التفاعل الواقع بینها، بحیث تخرج ‏‎ ‎‏الأجزاء عن الاستقلال لأجل الفعل والانفعال والکسر والانکسار وتحصل صورة ‏‎ ‎‏مستقلّة اُخری هی صورة المرکّب فیکون لها وجود ووحدة غیر ما للأجزاء، ‏‎ ‎‏فکذلک المرکّب الاعتباری من جهة کالقوم والفوج، فیحصل له فی عالم ‏‎ ‎‏الاعتبار بعد ملاحظة وانضمام بعضها ببعض واندکاکها فی الهیئة الترکیبیة بحیث ‏‎ ‎‏لها صورة ذهنیة وراء صورة الأجزاء. ‏

‏وکذا الأمر فی الأعمال العبادیة کالصلاة والحجّ والمرکّبات الصناعیة ‏‎ ‎‏کالبیت والمسجد، فإنّ کلّ جزء منها وإن کان باقیاً علی فعلیته بحسب التکوین ‏‎ ‎‏ولا یکسر عن سورة الأجزاء فی الخارج شیء إلا أنّها فی عالم الاعتبار لمّا کان ‏‎ ‎‏شیئاً واحداً ووجوداً فارداً تکسر سورة الأجزاء وتخرج الأجزاء عن الاستقلالیة ‏‎ ‎‏فی عالم الاعتبار وتفنی فی الصورة الحاصلة للمرکّب فی عالم الاعتبار فما لم ‏‎ ‎‏یحصل للمرکّب الاعتباری أو الصناعی وحدة اعتباریة لصورتها لم یکن له ‏‎ ‎‏وجود فی ذلک اللحاظ، فإنّ ما لا وحدة له لا وجود له تکویناً واعتباراً، وإنّما ‏‎ ‎‏تحصل الوحدة بذهاب فعلیة الأجزاء وحصول صورة اُخری مجملة غیر صورة ‏‎ ‎‏الأجزاء المنفصلة. ‏

‏وبالجملة: کما أنّه فی المرکّب الحقیقی تکسر سورة الأجزاء، فکذلک فی ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 281
‏المرکّب الاعتباری تکسر سورة الأجزاء، لکنّه فی عالم الاعتبار، فتخرج عن ‏‎ ‎‏استقلال الوجود اللحاظی وفنائها فی صورة المرکّب وحصول الوحدة ‏‎ ‎‏الاعتباریة، فما لم یحصل للمرکّب صورة وحدانیة فی عالم الاعتبار لم یکن له ‏‎ ‎‏وجود، فإنّ ما لا وحدة له لا وجود له وإنّما تحصل الوحدة بذهاب حکم ‏‎ ‎‏الأجزاء وحصول صورة اُخری مجملة غیر صورة الأجزاء المفصّلات. ‏

‏والحاصل أنّ النفس بعد ما شاهدت أنّ الغرض قائم بالهیئة الاعتباریة من ‏‎ ‎‏الفرج وبالصورة المجتمعة من الأفعال والأذکار، فینزع عند ذلک وحدة اعتباریة ‏‎ ‎‏وتبلغ فعلیة الأجزاء وأحکامها فی عالم الاعتبار، فیکون الفرق بین الصورة ‏‎ ‎‏المرکّبة والأجزاء هو الفرق بین الإجمال والتفصیل. ‏

‏فظهر أنّ المرکّبات الاعتباریة والصناعیة وإن کانت تفارق المرکّبات ‏‎ ‎‏الحقیقیة خارجاً وتکویناً إلا أنّها من جهة اشتمالها علی الصورة الاعتباریة أو ‏‎ ‎‏الصناعیة أشبه شیء بها والتفصیل یطلب من محلّه. ‏

الأمر الثانی:‏ أنّ الآمر إذا همّ بتعلّق الأمر بالمرکّب فلابدّ له غالباً من تصوّر ‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط والمعدّات، ثمّ ترتیبها حسب ما تقتضی المصلحة والملاک ‏‎ ‎‏النفس الأمریین، ثمّ یلاحظها علی نعت الوحدة وإفناء الکثرات فیها؛ لیحصل ‏‎ ‎‏المرکّب الاعتباری، ثمّ یجعله موضوعاً للإرادة والبعث، فالأمر ینتهی من الکثرة ‏‎ ‎‏إلی الوحدة غالباً.‏

‏وأمّا المأمور والآتی بالمرکّب خارجاً فبعکس ذلک؛ لأنّه ینتهی غالباً من ‏‎ ‎‏الوحدة إلی الکثرة، فإنّ الإنسان إذا أراد إتیان المرکّب فی الخارج وتعلّقت ‏‎ ‎‏إرادته بإیجاد المرکّب یتصوّر المرکّب بنعت الوحدة أوّلاً ویجد فی نفسه شوقاً ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 282
‏إلیه ولما یری أنّه لا یحصل فی الخارج إلا بإتیان أجزائها وشرائطها ومعدّاتها ‏‎ ‎‏حسب ما قرّره الآمر یجد فی نفسه إرادات تبعیة متعلّقة بها، فالمأمور علی عکس ‏‎ ‎‏الآمر ینتهی من الوحدة إلی الکثرة. ‏

الأمر الثالث:‏ أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب الاعتباری واحد متعلّق بأمر واحد ‏‎ ‎‏ولیست الأجزاء والشرائط عند ذلک متعلّقة للأمر؛ لعدم شیئیة لها فی لحاظ الآمر ‏‎ ‎‏عند لحاظ المرکّب ولا یری الآمر عند البعث إلیه إلا صورة وحدانیة هی صورة ‏‎ ‎‏المرکّب فانیاً فیها الأجزاء والشرائط، فهی مغفولاً عنها عند ذاک ولا تکون متعلّقة ‏‎ ‎‏للأمر أصلاً. ‏

‏وبالجملة: الآمر لا یری فی ذاک اللحاظ إلا أمراً واحداً ولا یأمر إلا بشیء ‏‎ ‎‏واحد، لکن هذا الأمر الوحدانی یکون داعیاً إلی إتیان الأجزاء بعین داعویته ‏‎ ‎‏للمرکّب وحجّة علیها بعین حجّیته علیه لکون المرکّب هو الأجزاء والشرائط فی ‏‎ ‎‏لحاظ الوحدة والاضمحلال بنحو، فلکون المرکّب یترکّب من الأجزاء ‏‎ ‎‏والشرائط وینحلّ إلیها یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیها لا بحجّة مستقلّة وداعیاً ‏‎ ‎‏إلیها لا بداعویة علی حدة. ‏

‏ولک أن تتفطّن من ذلک أنّ ما یقال فی عنوان البحث من أنّ الواجب یتردّد ‏‎ ‎‏بین الأقلّ والأکثر لا یخلو من مسامحة لما أشرنا أنّ الأمر متعلّق بالصورة ‏‎ ‎‏الوحدانیة وفی هذا اللحاظ لا أقلّ ولا أکثر فی البین وإنّما الدوران بین الأقلّ ‏‎ ‎‏والأکثر فی صورة لحاظ الکثرة وباعتبار الانحلال والأمر سهل، فتدبّر. ‏

الأمر الرابع:‏ أنّ الصورة فی المرکّب الاعتباری غیر مغایر للأجزاء بالأسر، بل ‏‎ ‎‏هی عینها حقیقة والاختلاف بینهما بالوحدة والکثرة، لما أشرنا من أنّ المراد ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 283
‏بالمرکّب لیس إلا الأجزاء فی لحاظ الوحدة، کما أنّ الأجزاء عبارة عن المرکّب ‏‎ ‎‏فی لحاظ الکثرة فلا تکون صورة المرکّب الاعتباری بالنسبة إلی أجزائها ‏‎ ‎‏کالمُحصِّل والمحصَّل؛ ضرورة أنّ الأمر لم یتعلّق بأمر خارج عن الأجزاء حتّی ‏‎ ‎‏تکون هی المحصّلة له. ‏

‏وإن شئت فلاحظ العشرة، فإنّها عبارة عن هذا الواحد وذاک الواحد وهکذا، ‏‎ ‎‏ولیست أمراً مغایراً لتلک الوحدات بل هی عبارة عن هذه الکثرات فی لحاظ ‏‎ ‎‏الوحدة والعنوان، فالفرق بینهما إنّما هو بالإجمال والتفصیل، فالعنوان مجمل هذه ‏‎ ‎‏الکثرات، کما أنّ الأجزاء مفصّل ذلک العنوان. ‏

‏فظهر أنّ الفرق بینهما بالوحدة والکثرة والإجمال والتفصیل لا بالمُحصِّلیة ‏‎ ‎‏والمحصَّلیة، فإذاً الأمر بالعشرة مثلاً أمر بالوحدات فی لحاظ الوحدة. ‏

الأمر الخامس:‏ بعد ما عرفت أنّ المرکّب الاعتباری غیر الأجزاء فی لحاظ ‏‎ ‎‏الوحدة وأنّه لا فرق بینهما إلا من حیث الإجمال والتفصیل والمرکّب ینحلّ إلی ‏‎ ‎‏الأجزاء انحلال المجمل إلی مفصّله یظهر لک أنّ الحجّة علی المرکّب والدعوة ‏‎ ‎‏إلیه حجّة علی الأجزاء وداعٍ إلیها. ‏

‏فدعوة الأمر بإیجاد الأجزاء بعین دعوته إلی المرکّب لا بدعوة مستقلّة، ولا ‏‎ ‎‏بدعوة ضمنیة، ولا بحکم العقل الحاکم بأنّ إتیان الکلّ لا یحصل إلا بإتیان ما ‏‎ ‎‏یتوقّف علیه الأجزاء. ‏

‏وإن شئت قلت: إنّ الأمر بالمرکّب ینحلّ إلی الأمر بالأجزاء. ‏

‏فالبعث إلی إحضار عشرة رجال مثلاً بعث إلی إحضار هذا وذاک وهکذا ‏‎ ‎‏حتّی یصدق العشرة. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
‏فعلی هذا تکون الحجّة علی المرکّب حجّة علی الأجزاء وداعیاً إلیها، فإذا ‏‎ ‎‏قامت الحجّة علی کون المرکّب مرکّباً من الأجزاء الکذائیة ومنحلاًّ إلیها یجب ‏‎ ‎‏إتیانها، وأمّا مع عدم قیام الحجّة علی ذلک، فلا یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیها ‏‎ ‎‏وداعیاً إلیها. ‏

‏فمع الشکّ فی جزئیة شیء للمرکّب لا یکون الأمر المتعلّق به حجّة علیه؛ ‏‎ ‎‏ضرورة أنّ تمامیة الحجّة إنّما تکون بالعلم والعلم بتعلّق الأمر بالمرکّب إنّما ‏‎ ‎‏یکون حجّة علی الأجزاء التی علم ترکّب المرکّب منها؛ لما أشرنا من أنّ سرّ ‏‎ ‎‏داعویة الأمر المتعلّق بالمرکّب إلی الأجزاء لیس إلا کونه منحلاًّ إلیها ومترکّباً ‏‎ ‎‏منها، فمع الشکّ فی دخالة شیء فی المرکّب واعتباره فیه عند ترتیب أجزائه لا ‏‎ ‎‏یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیه. ‏

‏إذا عرفت ما ذکرنا یتّضح لک جلیّاً أنّ الأصل العقلی فی باب الأقلّ والأکثر ‏‎ ‎‏الارتباطیین هو البراءة، فإذا اجتهد العبد فی استعلام ما أخذه المولی جزءاً ‏‎ ‎‏للمرکّب وبذل جهده فی ذلک فوقف علی عدّة أجزاء دلّت الأدلّة علیها وترک ما ‏‎ ‎‏لم یقم علیه دلیل لا یعدّ عاصیاً، بل یعدّ مطیعاً لأمر مولاه، فلو عاقبه المولی علی ‏‎ ‎‏ترک الجزء المشکوک فیه یکون عقاباً بلا بیان ولا برهان. ‏

‏فظهر ممّا ذکرنا أنّ العبد مأخوذ بما قامت علیه الحجّة لا أزید ولا أنقص أمّا ‏‎ ‎‏عنوان المرکّب فقد قامت علیه الحجّة فهو مأخوذ به، وأمّا الأجزاء فما علم ‏‎ ‎‏جزئیتها فقد لزم علی العبد إتیانها لما أشرنا من أنّ الحجّة علی عنوان المرکّب ‏‎ ‎‏حجّة علی الأجزاء التی علم انحلال المرکّب إلیها، وأمّا الأجزاء المشکوک فیها ‏‎ ‎‏فلم یعلم انحلال العنوان إلیها ولم تتمّ الحجّة علیها للشکّ فی دخولها فی العنوان، ‏‎ ‎‏فیحکم العقل بالبراءة. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
‏وإیّاک أن تتوهّم أنّ الحجّة قد قامت علی العنوان الإجمالی، فلابدّ من الإتیان ‏‎ ‎‏بالأکثر حتّی یحصل العلم بإتیان ما قامت الحجّة علیه تفریغاً لفراغ الذمّة یقیناً ‏‎ ‎‏عمّا اشتغلت به؛ لما أشرنا إلیه آنفاً من أنّ نسبة العنوان إلی الأجزاء لیست نسبة ‏‎ ‎‏المحصَّلیة والمحصِّلیة حتّی یرجع بالمآل إلی الشکّ فی السقوط، بل نسبة العنوان ‏‎ ‎‏المجمل إلی مفصّله وأنّ الأمر بالعنوان عین الأمر بالأجزاء فی لحاظ الوحدة. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286