المرجع فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین
توضیح المختار یستدعی تقدیم اُمور:
الأمر الأوّل: إنّ وزان المرکّبات الاعتباریة فی عالم الاعتبار من بعض الجهات وزان المرکّبات الحقیقیة فی الخارج، فکما أنّ المرکّب الحقیقی إنّما یحصل بعد کسر صورة الأجزاء بواسطة التفاعل الواقع بینها، بحیث تخرج الأجزاء عن الاستقلال لأجل الفعل والانفعال والکسر والانکسار وتحصل صورة مستقلّة اُخری هی صورة المرکّب فیکون لها وجود ووحدة غیر ما للأجزاء، فکذلک المرکّب الاعتباری من جهة کالقوم والفوج، فیحصل له فی عالم الاعتبار بعد ملاحظة وانضمام بعضها ببعض واندکاکها فی الهیئة الترکیبیة بحیث لها صورة ذهنیة وراء صورة الأجزاء.
وکذا الأمر فی الأعمال العبادیة کالصلاة والحجّ والمرکّبات الصناعیة کالبیت والمسجد، فإنّ کلّ جزء منها وإن کان باقیاً علی فعلیته بحسب التکوین ولا یکسر عن سورة الأجزاء فی الخارج شیء إلا أنّها فی عالم الاعتبار لمّا کان شیئاً واحداً ووجوداً فارداً تکسر سورة الأجزاء وتخرج الأجزاء عن الاستقلالیة فی عالم الاعتبار وتفنی فی الصورة الحاصلة للمرکّب فی عالم الاعتبار فما لم یحصل للمرکّب الاعتباری أو الصناعی وحدة اعتباریة لصورتها لم یکن له وجود فی ذلک اللحاظ، فإنّ ما لا وحدة له لا وجود له تکویناً واعتباراً، وإنّما تحصل الوحدة بذهاب فعلیة الأجزاء وحصول صورة اُخری مجملة غیر صورة الأجزاء المنفصلة.
وبالجملة: کما أنّه فی المرکّب الحقیقی تکسر سورة الأجزاء، فکذلک فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 281
المرکّب الاعتباری تکسر سورة الأجزاء، لکنّه فی عالم الاعتبار، فتخرج عن استقلال الوجود اللحاظی وفنائها فی صورة المرکّب وحصول الوحدة الاعتباریة، فما لم یحصل للمرکّب صورة وحدانیة فی عالم الاعتبار لم یکن له وجود، فإنّ ما لا وحدة له لا وجود له وإنّما تحصل الوحدة بذهاب حکم الأجزاء وحصول صورة اُخری مجملة غیر صورة الأجزاء المفصّلات.
والحاصل أنّ النفس بعد ما شاهدت أنّ الغرض قائم بالهیئة الاعتباریة من الفرج وبالصورة المجتمعة من الأفعال والأذکار، فینزع عند ذلک وحدة اعتباریة وتبلغ فعلیة الأجزاء وأحکامها فی عالم الاعتبار، فیکون الفرق بین الصورة المرکّبة والأجزاء هو الفرق بین الإجمال والتفصیل.
فظهر أنّ المرکّبات الاعتباریة والصناعیة وإن کانت تفارق المرکّبات الحقیقیة خارجاً وتکویناً إلا أنّها من جهة اشتمالها علی الصورة الاعتباریة أو الصناعیة أشبه شیء بها والتفصیل یطلب من محلّه.
الأمر الثانی: أنّ الآمر إذا همّ بتعلّق الأمر بالمرکّب فلابدّ له غالباً من تصوّر الأجزاء والشرائط والمعدّات، ثمّ ترتیبها حسب ما تقتضی المصلحة والملاک النفس الأمریین، ثمّ یلاحظها علی نعت الوحدة وإفناء الکثرات فیها؛ لیحصل المرکّب الاعتباری، ثمّ یجعله موضوعاً للإرادة والبعث، فالأمر ینتهی من الکثرة إلی الوحدة غالباً.
وأمّا المأمور والآتی بالمرکّب خارجاً فبعکس ذلک؛ لأنّه ینتهی غالباً من الوحدة إلی الکثرة، فإنّ الإنسان إذا أراد إتیان المرکّب فی الخارج وتعلّقت إرادته بإیجاد المرکّب یتصوّر المرکّب بنعت الوحدة أوّلاً ویجد فی نفسه شوقاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 282
إلیه ولما یری أنّه لا یحصل فی الخارج إلا بإتیان أجزائها وشرائطها ومعدّاتها حسب ما قرّره الآمر یجد فی نفسه إرادات تبعیة متعلّقة بها، فالمأمور علی عکس الآمر ینتهی من الوحدة إلی الکثرة.
الأمر الثالث: أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب الاعتباری واحد متعلّق بأمر واحد ولیست الأجزاء والشرائط عند ذلک متعلّقة للأمر؛ لعدم شیئیة لها فی لحاظ الآمر عند لحاظ المرکّب ولا یری الآمر عند البعث إلیه إلا صورة وحدانیة هی صورة المرکّب فانیاً فیها الأجزاء والشرائط، فهی مغفولاً عنها عند ذاک ولا تکون متعلّقة للأمر أصلاً.
وبالجملة: الآمر لا یری فی ذاک اللحاظ إلا أمراً واحداً ولا یأمر إلا بشیء واحد، لکن هذا الأمر الوحدانی یکون داعیاً إلی إتیان الأجزاء بعین داعویته للمرکّب وحجّة علیها بعین حجّیته علیه لکون المرکّب هو الأجزاء والشرائط فی لحاظ الوحدة والاضمحلال بنحو، فلکون المرکّب یترکّب من الأجزاء والشرائط وینحلّ إلیها یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیها لا بحجّة مستقلّة وداعیاً إلیها لا بداعویة علی حدة.
ولک أن تتفطّن من ذلک أنّ ما یقال فی عنوان البحث من أنّ الواجب یتردّد بین الأقلّ والأکثر لا یخلو من مسامحة لما أشرنا أنّ الأمر متعلّق بالصورة الوحدانیة وفی هذا اللحاظ لا أقلّ ولا أکثر فی البین وإنّما الدوران بین الأقلّ والأکثر فی صورة لحاظ الکثرة وباعتبار الانحلال والأمر سهل، فتدبّر.
الأمر الرابع: أنّ الصورة فی المرکّب الاعتباری غیر مغایر للأجزاء بالأسر، بل هی عینها حقیقة والاختلاف بینهما بالوحدة والکثرة، لما أشرنا من أنّ المراد
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 283
بالمرکّب لیس إلا الأجزاء فی لحاظ الوحدة، کما أنّ الأجزاء عبارة عن المرکّب فی لحاظ الکثرة فلا تکون صورة المرکّب الاعتباری بالنسبة إلی أجزائها کالمُحصِّل والمحصَّل؛ ضرورة أنّ الأمر لم یتعلّق بأمر خارج عن الأجزاء حتّی تکون هی المحصّلة له.
وإن شئت فلاحظ العشرة، فإنّها عبارة عن هذا الواحد وذاک الواحد وهکذا، ولیست أمراً مغایراً لتلک الوحدات بل هی عبارة عن هذه الکثرات فی لحاظ الوحدة والعنوان، فالفرق بینهما إنّما هو بالإجمال والتفصیل، فالعنوان مجمل هذه الکثرات، کما أنّ الأجزاء مفصّل ذلک العنوان.
فظهر أنّ الفرق بینهما بالوحدة والکثرة والإجمال والتفصیل لا بالمُحصِّلیة والمحصَّلیة، فإذاً الأمر بالعشرة مثلاً أمر بالوحدات فی لحاظ الوحدة.
الأمر الخامس: بعد ما عرفت أنّ المرکّب الاعتباری غیر الأجزاء فی لحاظ الوحدة وأنّه لا فرق بینهما إلا من حیث الإجمال والتفصیل والمرکّب ینحلّ إلی الأجزاء انحلال المجمل إلی مفصّله یظهر لک أنّ الحجّة علی المرکّب والدعوة إلیه حجّة علی الأجزاء وداعٍ إلیها.
فدعوة الأمر بإیجاد الأجزاء بعین دعوته إلی المرکّب لا بدعوة مستقلّة، ولا بدعوة ضمنیة، ولا بحکم العقل الحاکم بأنّ إتیان الکلّ لا یحصل إلا بإتیان ما یتوقّف علیه الأجزاء.
وإن شئت قلت: إنّ الأمر بالمرکّب ینحلّ إلی الأمر بالأجزاء.
فالبعث إلی إحضار عشرة رجال مثلاً بعث إلی إحضار هذا وذاک وهکذا حتّی یصدق العشرة.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
فعلی هذا تکون الحجّة علی المرکّب حجّة علی الأجزاء وداعیاً إلیها، فإذا قامت الحجّة علی کون المرکّب مرکّباً من الأجزاء الکذائیة ومنحلاًّ إلیها یجب إتیانها، وأمّا مع عدم قیام الحجّة علی ذلک، فلا یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیها وداعیاً إلیها.
فمع الشکّ فی جزئیة شیء للمرکّب لا یکون الأمر المتعلّق به حجّة علیه؛ ضرورة أنّ تمامیة الحجّة إنّما تکون بالعلم والعلم بتعلّق الأمر بالمرکّب إنّما یکون حجّة علی الأجزاء التی علم ترکّب المرکّب منها؛ لما أشرنا من أنّ سرّ داعویة الأمر المتعلّق بالمرکّب إلی الأجزاء لیس إلا کونه منحلاًّ إلیها ومترکّباً منها، فمع الشکّ فی دخالة شیء فی المرکّب واعتباره فیه عند ترتیب أجزائه لا یکون الأمر بالمرکّب حجّة علیه.
إذا عرفت ما ذکرنا یتّضح لک جلیّاً أنّ الأصل العقلی فی باب الأقلّ والأکثر الارتباطیین هو البراءة، فإذا اجتهد العبد فی استعلام ما أخذه المولی جزءاً للمرکّب وبذل جهده فی ذلک فوقف علی عدّة أجزاء دلّت الأدلّة علیها وترک ما لم یقم علیه دلیل لا یعدّ عاصیاً، بل یعدّ مطیعاً لأمر مولاه، فلو عاقبه المولی علی ترک الجزء المشکوک فیه یکون عقاباً بلا بیان ولا برهان.
فظهر ممّا ذکرنا أنّ العبد مأخوذ بما قامت علیه الحجّة لا أزید ولا أنقص أمّا عنوان المرکّب فقد قامت علیه الحجّة فهو مأخوذ به، وأمّا الأجزاء فما علم جزئیتها فقد لزم علی العبد إتیانها لما أشرنا من أنّ الحجّة علی عنوان المرکّب حجّة علی الأجزاء التی علم انحلال المرکّب إلیها، وأمّا الأجزاء المشکوک فیها فلم یعلم انحلال العنوان إلیها ولم تتمّ الحجّة علیها للشکّ فی دخولها فی العنوان، فیحکم العقل بالبراءة.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
وإیّاک أن تتوهّم أنّ الحجّة قد قامت علی العنوان الإجمالی، فلابدّ من الإتیان بالأکثر حتّی یحصل العلم بإتیان ما قامت الحجّة علیه تفریغاً لفراغ الذمّة یقیناً عمّا اشتغلت به؛ لما أشرنا إلیه آنفاً من أنّ نسبة العنوان إلی الأجزاء لیست نسبة المحصَّلیة والمحصِّلیة حتّی یرجع بالمآل إلی الشکّ فی السقوط، بل نسبة العنوان المجمل إلی مفصّله وأنّ الأمر بالعنوان عین الأمر بالأجزاء فی لحاظ الوحدة.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286