المرحلة الثالثة فی الاشتغال

الجهة الثالثة: فی مقتضی الأصل فی أنحاء الملاقاة

الجهة الثالثة: فی مقتضی الأصل فی أنحاء الملاقاة

‏بعد عدم تمامیة الاستدلال بالآیة والروایة لنجاسة الملاقی یقع الکلام فی ‏‎ ‎‏مقتضی الأصل العقلی فی أنحاء الملاقاة والصور المذکورة فهل مقتضی حکم ‏‎ ‎‏العقل عدم وجوب الاجتناب فی جمیعها کما حکی ذلک عن المشهور، أو ‏‎ ‎‏وجوب الاجتناب عن الملاقی فی جمیع الصور کما حکی ذلک عن العلامة فی ‏‎ ‎‏«المنتهی»، أو فیها تفصیل کما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره‏‎[1]‎‏ فذکر لها صوراً ‏‎ ‎‏ثلاث، فقال فی بعضها بوجوب الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ دون الملاقی ـ ‏‎ ‎‏بالفتح ـ وقال فی آخر بوجوب الاجتناب عن الملاقی ـ بالفتح ـ دون الملاقی ـ ‏‎ ‎‏بالکسر ـ وقال فی ثالث بوجوب الاجتناب عنهما؟ وجوه بل أقوال. ‏

‏یوجّه قول المشهور بأنّ الأصل العقلی فی جمیع الصور البراءة وعدم وجوب ‏‎ ‎‏نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ فإنّ العلم الإجمالی بنجاسة بعض الأطراف منجّز لها؛ ‏‎ ‎‏فإذا علم بالملاقاة أو کانت نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ علی فرض کونه نجساً من ‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالفتح ـ لا یؤثّر العلم الإجمالی الثانی؛ لأنّ العلم الإجمالی بنجاسة ‏‎ ‎‏بعض الأطراف یکون رتبته سابقة علی العلم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ والطرف ‏‎ ‎‏سواء کان بحسب الزمان مقارناً له أو متقدّماً علیه أو متأخّراً عنه فیتنجّز الأطراف ‏‎ ‎‏فی الرتبة السابقة علی تأثیر العلم الإجمالی الثانی، وبعد تنجیز الأوّل للأطراف لا ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 246
‏یؤثّر العلم الثانی؛ لعدم إمکان تنجّز المتنجّز؛ للزوم تحصیل الحاصل. ‏

‏فإذا علم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف، ثمّ علم بنجاسة الملاقی ‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ أو الطرف، وأنّ نجاسة الملاقی بالکسر علی فرضها یکون من الملاقی ‏‎ ‎‏بالفتح، فالعلم الإجمالی الثانی المتأخّر زماناً ینجّز أطرافه فی الرتبة السابقة؛ لأنّ ‏‎ ‎‏معلومه یکون متقدّماً علی المعلوم الأوّل، والمناط فی التنجیز هو تقدّم المعلوم ‏‎ ‎‏زماناً أو رتبة لا العلم، کما لو علمنا بوقوع قطرة من الدم فی أحد الأوانی الثلاث، ‏‎ ‎‏ثمّ علمنا بوقوع قطرة منه قبله فی أحد الإنائین منها یکون العلم الأوّل بلا أثر، ولا ‏‎ ‎‏یجب الاجتناب عن الطرف المختصّ به؛ لأنّ العلم الثانی یؤثّر فی تنجیز معلومه ‏‎ ‎‏فی الزمان السابق علی العلم الأوّل. ‏

‏وبالجملة: بعد تقدّم تنجّز الملاقی ـ بالفتح ـ علی الملاقی ـ بالکسر ـ بالرتبة ‏‎ ‎‏یکون العلم المتعلّق بالملاقی ـ بالکسر ـ والطرف فی جمیع الصور بلا أثر؛ لأنّه لا ‏‎ ‎‏معنی للتنجیز فوق التنجیز، فیجب الاجتناب عن الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف دون ‏‎ ‎‏الملاقی الإجمالی الأوّل ومتأخّر عنه رتبة لکن لم لا یجوز أن یصیرا بجامعهما ‏‎ ‎‏منجّزین بالنسبة إلی المعلوم الأوّل. ‏

‏وبعبارة اُخری یمکن أن ینجّز العلم الإجمالی السابق رتبة الطرفین حدوثاً ‏‎ ‎‏وبعد تولّد العلم الثانی من الأوّل یؤثّر العلم الأوّل والثانی ـ أی المعلول والعلّة ـ ‏‎ ‎‏بجامعهما فی تنجیز الطرفین ویستقلّ المعلول فی تنجیز الملاقی ـ بالکسر ـ ‏‎ ‎‏وترتیبهما لا یضرّ بتأثیر جامعهما. ‏

‏وبعبارة أوضح: العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإنائین منجّز للاجتناب عنهما، ‏‎ ‎‏وبعد ملاقاة الثوب لأحدهما یتولّد ویحدث علم إجمالی بنجاسة هذا الثوب ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 247
‏والإناء الآخر، فکلا العلمین أو الجامع بینهما منجّزان بالنسبة إلی الإناء الآخر ‏‎ ‎‏والعلم الإجمالی الأوّل منجّز بالنسبة إلی خصوص هذا الإناء الملاقی ـ بالفتح ـ ‏‎ ‎‏والعلم الإجمالی الثانی منجّز بالنسبة إلی خصوص الثوب الملاقی. ‏

‏ولکن یجاب عن الإشکال أمّا حدیث تأثیر الجامع فغیر صحیح فی العلّتین ‏‎ ‎‏المستقلّتین الواردتین علی المعلول الواحد؛ لعدم وجود الجامع فی الخارج مضافاً ‏‎ ‎‏إلی کلّ واحد منهما حتّی یؤثّر فی شیء فالمؤثّر ذاتهما لا الجامع. ‏

‏ولو تمّ ذلک فی العلّتین المستقلّتین، فلا یکاد یجری فی موضوع البحث فی ‏‎ ‎‏باب الاحتجاجات وموضوعات الأدلّة. ‏

‏وأمّا قضیة المنجّزیة فلا تقبل التعدّد، وذلک لأنّه لو أقرّ الرجل بأنّ زیداً له ‏‎ ‎‏علیّ دین والإقرار من أقوی الحجج، وبعد ذلک لو قامت بیّنة علی کونه مدیوناً ‏‎ ‎‏لزید لا تکون مؤثّرة ومنجّزة ولا یجعل الإقرار جزءاً للمؤثّریة. ‏

‏وکذا قضیة الاحتجاج لا تقبل التکرار ولا یوجب ذلک جعل الاحتجاج الأوّل ‏‎ ‎‏جزءاً للمؤثّریة. ‏

‏مثلاً إذا علمت أنّ هذا الإناء أو ذاک الإناء نجس وهذا العلم الإجمالی منجّز ‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الطرفین فیجب الاجتناب عنهما، فإذا ارتکب أحدهما وصادف الواقع ‏‎ ‎‏یستحقّ العقاب، فإذا حدث علم إجمالی آخر لا یوجب استحقاق أشدّ، ‏‎ ‎‏والموجب لاستحقاق العقاب هو العلم الإجمالی الأوّل ولا موقف للعلم ‏‎ ‎‏الإجمالی الثانی. ‏

‏نعم، لو ذهب العلم الإجمالی الأوّل یکون العلم الإجمالی الثانی مؤثّراً. ‏

‏وفی باب الحجج العقلائیة أیضاً کذلک؛ لأنّه لو قام برهان قطعی علی وجود ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 248
‏الصانع تعالی فحصل له القطع بوجوده تعالی لا یؤثّر برهان آخر فی ذلک ولا ‏‎ ‎‏یکون برهاناً فعلیاً، وإنّما هو برهان اقتضائی؛ لأنّه کما یقال: لیس قری وراء ‏‎ ‎‏عبّادان. ‏

‏هذا ما ذهب إلیه سماحة الاُستاذ سابقاً ولکن عدل عنه ومال إلی التفصیل ‏‎ ‎‏الذی ذهب إلیه المحقّق الخراسانی قدس سره‏ ‎[2]‎‏ ویظهر ضعف هذا الوجه ممّا سنشیر إلیه ‏‎ ‎‏فی بیان تفصیل المحقّق الخراسانی قدس سره فقال قدس سره ـ کما أشرنا إلیه ـ: إنّه فی بعض ‏‎ ‎‏الصور یجب الاجتناب عن الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف دون الملاقی ـ بالکسر ـ ‏‎ ‎‏وفی بعض الصور یجب الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ والطرف دون الملاقی ‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ وفی بعض الصور یجب الاجتناب عن الجمیع فقال: ‏أمّا الصورة ‎ ‎الاُولی‏ فهی وجوب الاجتناب عن الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف دون الملاقی ـ ‏‎ ‎‏بالکسر ـ وهی ما إذا کان العلم بالملاقاة متأخّراً عن العلم بنجاسة الأطراف وقال ‏‎ ‎‏فی وجهه بأنّه إذا اجتنب عن الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف فقد اجتنب عن النجس ‏‎ ‎‏فی البین ولو لم یجتنب عمّا یلاقیه فإنّه علی تقدیر نجاسته فرد آخر من النجس ‏‎ ‎‏قد شکّ فی وجوده. ‏

‏وحاصله: أنّ مقتضی العلم الإجمالی تنجیز الحکم، فالاجتناب عن الطرفین ‏‎ ‎‏وبعد ذلک لو لاقی ثوبه لأحد الطرفین لا یکاد تنجیز العلم الإجمالی بالنسبة إلی ‏‎ ‎‏الملاقی والطرف؛ لأنّه لا معنی للتنجیز الفعلی الإجمالی ثانیاً بشیء بعد التنجیز ‏‎ ‎‏إذا لم تصل الغفلة کما أنّه لا معنی للعلم التفصیلی ثانیاً بشیء بعد العلم التفصیلی ‏‎ ‎‏به ما لم تحدث الغفلة. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 249
‏وحیث إنّ العلم الإجمالی الأوّل منجّز بالنسبة إلی طرف الملاقی ـ بالفتح ـ ‏‎ ‎‏والعلم بملاقاة ثوبه لأحد الطرفین لا یحدث تنجیزاً آخر بالنسبة إلی طرف ‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالفتح ـ وبالجملة: الکشف والتنجیز من الاُمور التی لا یقبل التعدّد ‏‎ ‎‏والاثنینیة ـ فلا یعقل أن ینکشف الشیء الواحد لدی العالم مرّتین ما لم ینفصل ‏‎ ‎‏بینهما ذهول أو نسیان، ومثله التنجیز؛ فإنّ معناه تمامیة الحجّة وانقطاع العذر علی ‏‎ ‎‏العبد وهو لا یقبل التکرار فإذا تمّت الحجّة بالنسبة إلی الطرف فی العلم ‏‎ ‎‏الإجمالی الأوّل أو حصل الانکشاف فلا معنی لأن تتمّ الحجّة بالنسبة إلی الطرف ‏‎ ‎‏فی العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف، کما لا معنی لتعدّد ‏‎ ‎‏الانکشاف. ‏

‏وبعبارة اُخری بعد العلم بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف فإذا لاقاه الثوب ‏‎ ‎‏لا یحدث علم إجمالی آخر بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ . ‏

‏ولو حدث لا یکون العلم الإجمالی الثانی منجّزاً بالنسبة إلی الطرف؛ لأنّه بعد ‏‎ ‎‏ما وجب الاجتناب عن الطرف بالعلم الإجمالی الأوّل لا معنی لتعلّق وجوب ‏‎ ‎‏اجتناب آخر علیه وعلی الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف، وبعد ملاقاة الثوب لأحدهما ‏‎ ‎‏لا ینجّز العلم الإجمالی فمرجع ذلک إلی نجاسة الثوب الملاقی لأحد الطرفین ‏‎ ‎‏نظیر الأقلّ والأکثر؛ فإنّ الأقلّ مقطوع والزائد مشکوک فیه، فوجوب الاجتناب ‏‎ ‎‏عن الطرفین قطعیّ وأمّا وجوب الاجتناب عن الثوب الملاقی لأحدهما ‏‎ ‎‏فمشکوک فیه. ‏

‏فتحصّل أنّه لو علم الملاقاة لأحد الطرفین بعد تنجیز العلم الإجمالی بنجاسة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 250
‏أحدهما لا یجب الاجتناب عنه إمّا لعدم العلم الإجمالی به أو لعدم کون العلم ‏‎ ‎‏الثانی منجّزاً. ‏

‏فبما ذکرنا ظهر أنّ عدم وجوب الاجتناب عن ملاقی أحد الطرفین واضح، ‏‎ ‎‏فاتّفق نظرنا فی الدورتین.‏

الصورة الثانیة‏ ما یجب فیه الاجتناب عن الجمیع وهی فیما إذا حصل العلم ‏‎ ‎‏الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ والطرف بعد العلم بالملاقاة مع کون الجمیع ‏‎ ‎‏مورداً للابتلاء. ‏

‏والسرّ فی وجوب الاجتناب عن الجمیع هو أنّ العلم بالملاقاة وإن کان متقدّماً ‏‎ ‎‏إلا أنّه لا یحدث تکلیفاً؛ فإنّ الملاقاة الخارجی لیس موضوعاً للحکم ما لم یعلم ‏‎ ‎‏بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ وما هو الموجب للتکلیف إنّما هو العلم بنجاسة ‏‎ ‎‏الملاقی أو الطرف وهو قد تعلّق بالجمیع فی عرض واحد؛ لأنّ العلم بالملاقاة ‏‎ ‎‏المتقدّم قد جعل الملاقی والملاقی عدلاً واحداً، فإذا تعلّق العلم بنجاسة الملاقی ‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ أو الطرف نفی الحقیقة تعلّق ببرکة العلم بالملاقاة من قبل بنجاستهما ‏‎ ‎‏والطرف. ‏

الصورة الثالثة‏ ما یجب فیه الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ والطرف دون ‏‎ ‎‏الملاقی. ‏

‏فذکر‏‏ لها موردین: ‏

‏المورد الأوّل: ما إذا تأخّر العلم بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف عن العلم ‏‎ ‎‏بالملاقاة وعن العلم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف کما إذا علم أوّلاً ‏‎ ‎‏بالملاقاة ثمّ علم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف من دون التفات إلی سبب ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 251
‏نجاسة الملاقی، ثمّ حدث العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف. ‏

‏والسرّ فی ذلک ما مرّ من أنّ شرط تنجیز العلم الإجمالی أن یکون متعلّقاً ‏‎ ‎‏بالتکلیف الفعلی علی أیّ تقدیر منجّزاً. ‏

‏ومقتضی العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ والطرف وجوب ‏‎ ‎‏الاجتناب عن الملاقی والطرف، ولا یکاد یؤثّر العلم الإجمالی الثانی لتردّد ‏‎ ‎‏متعلّقه بین ما کان واجب الاجتناب لو لا هذا العلم وهو الطرف، وما لیس ‏‎ ‎‏کذلک، وهو الملاقی ـ بالفتح ـ فینحلّ العلم الإجمالی الثانی إلی مقطوع ‏‎ ‎‏الاجتناب وهو الطرف ومحتمله وهو الملاقی ـ بالفتح ـ فلا یحدث العلم ‏‎ ‎‏الإجمالی الثانی تکلیفاً علی کلّ تقدیر. ‏

‏وبالجملة: إنّ العلم الإجمالی الأوّل نجّز الحکم علی کلّ واحد من الملاقی ـ ‏‎ ‎‏بالکسر ـ والطرف، والعلم الإجمالی الثانی تعلّق بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ ‏‎ ‎‏والطرف، والمفروض أنّ الطرف کان فی ظرف حدوث العلم الثانی واجب ‏‎ ‎‏الاجتناب بالعلم الإجمالی الأوّل وقد تمّت حجّة المولی فیه علی العبد، ومعه لا ‏‎ ‎‏یحدث العلم الثانی تکلیفاً علی کلّ تقدیر، فینحلّ العلم الثانی إلی مقطوع ‏‎ ‎‏الاجتناب، وهو الطرف ومشکوک الاجتناب وهو الملاقی. ‏

‏إن قلت: إنّ العلم الثانی یوجب بطلان العلم الأوّل وفساد زعم التنجیز؛ لأنّ ‏‎ ‎‏التنجیز فرع هذا العلم لنفس الأمر وقد کشف خلافه؛ لأنّه بعد حصول العلم ‏‎ ‎‏الثانی یستکشف بطلان الأوّل الذی تعلّق بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف ‏‎ ‎‏وعلمنا أنّ الذی یلیق أن یقع عدلاً للطرف إنّما هو الملاقی ـ بالفتح ـ لا الملاقی. ‏

‏وبالجملة: بعد ما حدث العلم الثانی کشفنا عن أنّ العلم الذی تعلّق بوجوب ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 252
‏الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف کان وهناً محضاً ولم یکن ملاک ‏‎ ‎‏وجوب الاجتناب موجوداً هنا، فیبطل ما یقال من أنّ الطرف کان واجب ‏‎ ‎‏الاجتناب من أوّل الأمر ولم یحدث العلم الثانی تکلیفاً آخر بالنسبة إلیه ویصیر ‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالفتح ـ مشکوکاً فیه. ‏

‏قلت: إنّ العلم الثانی یکشف عن سبب الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ لا ‏‎ ‎‏عن بطلان العلم الأوّل والشاهد علیه أنّه بعد العلم الثانی لنا أن نقول: إنّ الطرف ‏‎ ‎‏واجب الاجتناب أو الملاقی ـ بالکسر ـ لکونه ملاقیاً للنجس واقعاً، غایة الأمر ‏‎ ‎‏کان وجوب الاجتناب عن الملاقی ـ بالکسر ـ مجهولاً سببه وکان المکلّف ‏‎ ‎‏معتقداً أنّ علّة نجاسته علی فرضها هو وقوع النجس فیه بلا واسطة ثمّ بان أنّ ‏‎ ‎‏سببها هو الملاقاة لما هو نجس علی فرض نجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ. ‏

‏وهذا مثل ما إذا وقفنا علی وجوب أحد الشیئین، ثمّ وقفنا علی ضعف الطریق ‏‎ ‎‏مع العثور علی طریق صحیح، فالتغایر فی السبب لا یوجب التغایر فی المسبّب. ‏

‏المورد الثانی: ما إذا علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ أو الطرف ولکن کان الملاقی حال حدوث العلم داخلاً فی مورد ‏‎ ‎‏الابتلاء والملاقی ـ بالفتح ـ خارجاً عنه، ثُمّ عاد إلی محلّ الابتلاء‏‎[3]‎‏. ‏

‏أورد علیه المحقّق النائینی قدس سره بأنّه لا أثر لخروج الملاقی ـ بالفتح ـ عن محلّ ‏‎ ‎‏الابتلاء فی ظرف حدوث العلم مع عوده إلی محلّ الابتلاء بعد العلم، نعم، لو ‏‎ ‎‏فرض أنّ الملاقی ـ بالفتح ـ کان فی ظرف حدوث العلم خارجاً عن محلّ ‏‎ ‎‏الابتلاء ولم یعد بعد ذلک إلی محلّه ولو بالأصل، فالعلم الإجمالی بنجاسته أو ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 253
‏الطرف ممّا لا أثر له ویبقی الملاقی ـ بالکسر ـ طرفاً للعلم الإجمالی، فیجب ‏‎ ‎‏الاجتناب عنه وعن الطرف؛ لأنّ العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ ‏‎ ‎‏والطرف وإن تقدّم معلومه علی العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو ‏‎ ‎‏الطرف إلا أنّه لمّا کان الملاقی ـ بالفتح ـ خارجاً عن محلّ الابتلاء، فلا أثر للعلم ‏‎ ‎‏الإجمالی بنجاسته أو الطرف‏‎[4]‎‏. ‏

‏ولکنّ التحقیق: أن یقال ـ کما أشرنا إلیه ـ عدم الاعتبار بالخروج عن محلّ ‏‎ ‎‏الابتلاء: لما أشرنا من أنّ الأحکام المجعولة أحکام قانونیة أو خطابات قانونیة لا ‏‎ ‎‏یعتبر فیها عدم الخروج عن محلّ الابتلاء. ‏

‏ولو سلّم أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء معتبر فیها وذلک فیما إذا لم یکن ‏‎ ‎‏للخارج أثر فعلی داخل فی محلّ الابتلاء وأمّا إذا کان له أثر فعلی فلا نسلّم قبح ‏‎ ‎‏الخطاب؛ فإنّ جعل النجاسة للإناء الخارج عن محلّ الابتلاء مع کون ملاقیه ‏‎ ‎‏داخلاً فیه لیس بقبیح؛ لأنّ أثر نجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ الخارج عن محلّ الابتلاء ‏‎ ‎‏إنّما هو نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ الذی هو داخل فیه. ‏

‏فظهر أنّ عود الملاقی ـ بالفتح ـ إلی محلّ الابتلاء وعدم عوده سیّان، فما ‏‎ ‎‏فصّله المحقّق النائینی قدس سره من تسلیم ما ذکره المحقّق الخراسانی فیما إذا عاد ‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالفتح ـ إلی محلّ الابتلاء دون ما إذا لم یعد لا یرجع إلی محصّل؛ لما ‏‎ ‎‏أشرنا من أنّ خروج الملاقی ـ بالفتح ـ کلا خروجه لوجود أثره. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 254

  • . کفایة الاُصول: 412.
  • . کفایة الاُصول: 412.
  • . کفایة الاُصول: 411 ـ 412.
  • . فوائد الاُصول 4: 86.