المرحلة الثالثة فی الاشتغال

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏بعد ما عرفت الضابط فی غیر المحصورة حسبما أفاده شیخنا العلامة ‏‎ ‎‏الحائری قدس سره من بناء العقلاء ودلالة الأخبار لا یهمّنا التعرّض لما نقله شیخنا الأعظم  ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233
‏ـ أعلی الله مقامه ـ  من کلمات الأصحاب فی ضابطها ومن أراد فلیراجعها‏‎[1]‎‏. ‏

‏نعم، لا بأس بالإشارة إلی ذکر بیان الضابطة التی تصدّی المحقّق ‏‎ ‎‏النائینی قدس سره لبیانها علی ما فی تقریراته، وبیان النظر فیها. ‏

‏وذلک لأنّه قدس سره حکی اختلاف کلمات الأصحاب فی الضابط لکون الشبهة ‏‎ ‎‏غیر محصورة، فعن بعضهم تحدیدها ببلوغ الأطراف إلی حدّ یعسر عدّها، وزاد ‏‎ ‎‏بعض قید فی زمان قلیل، وعن بعض إرجاعه إلی العرف، وقد قیل فی تحدیدها ‏‎ ‎‏اُموراً اُخر لا تخفی علی المتتبّع مع ما فیها من عدم الانعکاس والاطّراد إلی ‏‎ ‎‏أن قال: ‏

‏والأولی أن یقال: إنّ ضابط الشبهة غیر المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهة ‏‎ ‎‏حدّاً لا یمکن عادة جمعها فی الاستعمال من أکل أو شرب أو لبس أو نحو ‏‎ ‎‏ذلک، وهذا یختلف باختلاف المعلوم بالإجمال فتارة یعلم بنجاسة حبّة من ‏‎ ‎‏الحنطة فی ضمن حقّة منها. فهذا لا یکون من الشبهة غیر المحصورة؛ لإمکان ‏‎ ‎‏استعمال الحقّة من الحنطة بطحن فی خبز وأکل، مع أنّ نسبة الحبّه إلی الحقّة ‏‎ ‎‏تزید عن نسبة الواحد إلی الألف، واُخری یعلم بنجاسة إناء من لبن البلد، فهذا ‏‎ ‎‏یکون من الشبهة غیر المحصورة ولو کانت أوانی البلد لا تبلغ الألف؛ لعدم ‏‎ ‎‏التمکّن العادی من جمع الأوانی فی الاستعمال وإن کان المکلّف متمکّناً من ‏‎ ‎‏آحادها، فلیس العبرة بقلّته وکثرته فقط؛ إذ ربّ کثیر تکون الشبهة فیه محصورة ‏‎ ‎‏کالحقّة من الحنطة کما أنّه لا عبرة بعدم التمکّن العادی من جمع الأطراف فی ‏‎ ‎‏الاستعمال فقط إذ ربما لا یتمکّن عادة من ذلک مع کون الشبهة محصورة کما لو ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 234
‏کان بعض الأطراف فی أقصی بلاد المغرب، بل لابدّ من کلا الأمرین: وهما ‏‎ ‎‏کثرة الأطراف وعدم التمکّن العادی من الجمیع. ‏

‏وبهذا تمتاز الشبهة غیر المحصورة عمّا تقدّم فی الشبهة المحصورة من أنّه ‏‎ ‎‏یعتبر فیها إمکان الابتلاء، بکلّ واحد من أطرافها، فإنّ إمکان الابتلاء بکلّ واحد ‏‎ ‎‏غیر إمکان الابتلاء بالمجموع، فالشبهة غیر المحصورة ما تکون کثرة الأطراف ‏‎ ‎‏فیها بحدّ یکون عدم التمکّن من استعمال الجمیع مستنداً إلی کثرة الأطراف لا ‏‎ ‎‏إلی أمر آخر. ‏

‏ومن ذلک یظهر حکم الشبهة غیر المحصورة وهو عدم حرمة المخالفة ‏‎ ‎‏القطعیة وعدم وجوب الموافقة القطعیة. ‏

‏أمّا عدم حرمة المخالفة القطعیة فلأنّ المفروض عدم التمکّن العادی منها. ‏

‏وأمّا عدم وجوب الموافقة القطعیة فلأنّ وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعیة؛ ‏‎ ‎‏لأنّها هی الأصل فی باب العلم الإجمالی؛ لأنّ وجوب الموافقة القطعیة یتوقّف ‏‎ ‎‏علی تعارض الاُصول فی الأطراف، وتعارضها یتوقّف علی حرمة المخالفة ‏‎ ‎‏القطعیة، فیلزم من جریانها فی جمیع الأطراف مخالفة عملیة للتکلیف المعلوم فی ‏‎ ‎‏البین، فإذا لم تحرم المخالفة القطعیة کما هو المفروض لم یقع التعارض بین ‏‎ ‎‏الاُصول ومعه لا تجب الموافقة القطعیة‏‎[2]‎‏.‏

‏ولکن فیما أفاده نظر: ‏

‏فأوّلاً: أنّه ما المراد بعدم التمکّن من الجمع بینها فی الاستعمال؟ فإن أراد عدم ‏‎ ‎‏إمکان الجمع دفعة فیلزم أن یکون غالب الشبهات المحصورة غیر المحصورة ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 235
‏کما لا یخفی؛ وإن أراد الأعمّ منها ومن التدریج ولو فی ظرف مدّة، فلابدّ من ‏‎ ‎‏تعیین ذلک الزمان الذی لا یمکن الجمع التدریجی؛ لأنّه إن أراد عدم التمکّن فی ‏‎ ‎‏مدّة قلیلة یلزم أن یکون کثیر من الشبهات المحصورة غیر محصورة؛ إذ قلّما ‏‎ ‎‏یتّفق أن لا یمکن الجمع بین الأطراف ولو فی مدّة سنة مثلاً فتکون الشبهة علی ‏‎ ‎‏ما أفاده محصورة وهذا ممّا لا یمکن الالتزام به. ‏

‏إن قلت: إنّ ارتکاب جمیع الأطراف ممّا لا یمکن غالباً ولو تدریجاً لفقدان ‏‎ ‎‏بعض الأطراف فی طول المدّة لا محالة. ‏

‏مضافاً إلی أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی التدریجیات محلّ إشکال. ‏

‏قلت: خروج بعض الأطراف بعد تنجیز العلم الإجمالی غیر مؤثّر ولا یضرّ ‏‎ ‎‏بتنجیز العلم الإجمالی فی بقیة الأطراف. ‏

‏مضافاً إلی ما أشرنا من أنّ البحث ممحّض فی کون الشبهة غیر محصورة مع ‏‎ ‎‏قطع النظر عن الجهات الاُخر من فقدان بعض الأطراف. ‏

‏مع أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی التدریجیات من حیث الاستعمال ممّا لا ‏‎ ‎‏إشکال فیه ومن حیث التدریج فی الوجود أیضاً مؤثّر علی الأقوی. ‏

‏وثانیاً: ـ وهی العمدة فی الجواب ـ أنّ المیزان فی تنجیز العلم الإجمالی هو ‏‎ ‎‏فعلیة التکلیف وعدم استهجان الخطاب ومورد التکلیف إنّما هو کلّ فرد فرد لا ‏‎ ‎‏الجمع بین الأطراف والمفروض تمکّنه من استعمال کلّ واحد، والجمع بین ‏‎ ‎‏الأطراف وإن لم یکن متمکّناً إلا أنّه غیر مورد التکلیف. ‏

‏وبالجملة مورد التکلیف فی المفروض إنّما هو کلّ واحد من الأطراف ‏‎ ‎‏والمکلّف متمکّن من الإتیان به غیر خارج عن ابتلائه وما لا یکون متمکّناً منه ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 236
‏وهو الجمع بینها لم یتعلّق به تکلیف من المولی وإنّما هو حکم العقل فی أطراف ‏‎ ‎‏العلم الإجمالی. ‏

‏فالعلم الإجمالی منجّز بالنسبة إلی الأطراف وإن لم یتمکّن المکلّف من ‏‎ ‎‏الجمع بینها ونتیجته حرمة المخالفة الاحتمالیة بارتکاب بعض الأطراف، ‏‎ ‎‏فارتکاب بعضها لا یجوز عقلاً لتعلّق العلم بالتکلیف الفعلی وکونه منجّزاً بالنسبة ‏‎ ‎‏إلی الأطراف. ‏

‏فاتّضح ممّا ذکرنا النظر فیما أفاده أخیراً من عدم حرمة المخالفة القطعیة ‏‎ ‎‏وعدم وجوب الموافقة القطعیة؛ لأجل تفرّع الثانیة علی الاُولی؛ لأنّ عدم التمکّن ‏‎ ‎‏من الجمع بین الأطراف لم یکن مورداً للتکلیف شرعاً، بل کلّ واحد من ‏‎ ‎‏الأطراف وهو مقدور له ومورد لابتلائه، فتحرم علیه المخالفة الاحتمالیة ‏‎ ‎‏بارتکاب بعض الأطراف، فضلاً عن البقیة. ‏

‏ثمّ إنّه بعد ما اتّضح لک بما ذکرنا فی ضابط الشبهة غیر المحصورة وأنّه لا ‏‎ ‎‏فرق فی ذلک بین الشبهات التحریمیة والشبهات الوجوبیة یظهر النظر فیما ذکره ‏‎ ‎‏فی ذیل المسألة بقوله: ‏

‏«ما ذکرنا فی وجه عدم وجوب الموافقة القطعیة إنّما یختصّ بالشبهات ‏‎ ‎‏التحریمیة؛ لأنّها هی التی لا یمکن المخالفة القطعیة فیها وأمّا الشبهات الوجوبیة، فلا ‏‎ ‎‏یتمّ فیها ذلک؛ لأنّه یمکن المخالفة القطعیة فیها بترک جمیع الأطراف وحینئذٍ لابدّ ‏‎ ‎‏من القول بتبعیض الاحتیاط ووجوب الموافقة الاحتمالیة فی الشبهات الوجوبیة‏‏»‏‎[3]‎‏. ‏

‏توضیح النظر لائح ممّا ذکرنا، فلاحظ. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 237

  • . فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25: 268.
  • . فوائد الاُصول 4: 117 ـ 119.
  • . فوائد الاُصول 4: 119.