المرحلة الثالثة فی الاشتغال

الأخبار الدالّة علی وجوب الاجتناب عن الشبهة

الأخبار الدالّة علی وجوب الاجتناب عن الشبهة

‏وفی قبال هذه الأخبار أخبار تدلّ علی وجوب الاجتناب عن المشتبه ‏‎ ‎‏کالأخبار الواردة فی تخمیس الحلال المختلط بالحرام: کخبر حسن بن زیاد عن ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230
‏أبی عبدالله علیه السلام قال: ‏«إنّ رجلاً أتی أمیر المؤمنین‏ علیه السلام‏، فقال: یا أمیر المؤمنین! ‎ ‎إنّی أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلک ‎ ‎المال؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضی من المال بالخمس، واجتنب ما کان صاحبه ‎ ‎یعلم‏»‏‎[1]‎‏. ‏

‏وخبر السکونی: «‏قال: أتی رجل أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: إنّی کسبت مالاً ‎ ‎أغمضت فی مطالبه (طلبه) حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة ولا أدری الحلال ‎ ‎منه والحرام وقد اختلط علیّ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: تصدّق بخمس مالک، ‎ ‎فإنّ الله قد رضی من الأشیاء بالخمس وسائر المال (کلّه) لک حلال‏»‏‎[2]‎‏. ‏

‏ومرسل صدوق قال: جاء رجل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: یا أمیر المؤمنین! ‏‎ ‎‏أصبت مالاً أغمضت فیه أفلی توبة؟ قال: «‏ائتنی بخمسه‏» فأتاه بخمسه، فقال: «‏هو ‎ ‎لک، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه‏»‏‎[3]‎‏.‏

‏وخبر عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: «‏فیما یخرج من ‎ ‎المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام، إذا لم یعرف صاحبه ‎ ‎والکنوز، الخمس‏»‏‎[4]‎‏. ‏

‏إلی غیر ذلک من الأخبار. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 231
‏وهذه الأخبار محمولة علی الشبهة المحصورة، ولا یبعد حملها علی ما إذا ‏‎ ‎‏جهل مقدار الحرام واحتمل کون الحرام بمقدار الخمس والزیادة والنقیصة وأمّا ‏‎ ‎‏إذا علم أنّ فی ماله الذی بلغ ملائین دیناراً من الحرام، فلا إشکال فی عدم ‏‎ ‎‏وجوب التخمیس.‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ الأخبار التی دلّت علی عدم وجوب الاجتناب ‏‎ ‎‏عن أطراف المعلوم بالإجمال واضحة الدلالة علی الشبهة غیر المحصورة نعم، ‏‎ ‎‏یخرج منها بعض الموارد، کما لو عرف صاحب المال فیجب له التخلّص ‏‎ ‎‏من ماله. ‏

‏فظهر ممّا ذکرنا أنّ الضابط فی الشبهة غیر المحصورة هو الذی أشار إلیه ‏‎ ‎‏شیخنا العلامة الحائری‏‎ ‎‏وحاصله: ‏

‏أن یکون کثرة الأطراف بمثابة لا یعتنی العقلاء باحتمال کون الواقع فی بعض ‏‎ ‎‏الأطراف فی مقابل البقیة لضعف الاحتمال الحاصل من کثرة الأطراف‏‎[5]‎‏. ‏

‏وقد أشرنا إلی دلالة جملة من الأخبار علی عدم الاجتناب عن أطراف الشبهة ‏‎ ‎‏إذا کانت الأطراف غیر محصورة. ‏

‏وبما ذکر یظهر أنّ المکلّف إذا شرع فی أطراف الشبهة غیر المحصورة ‏‎ ‎‏قاصداً ارتکاب جمیعها ولو فی مدّة طویلة لم یکن معذوراً؛ لأنّ التکلیف باقٍ ‏‎ ‎‏علی فعلیته. ‏

‏کما أنّه إذا قسّم الأطراف غیر المحصورة بأقسام معدودة وأراد ارتکاب ‏‎ ‎‏بعض الأقسام الذی یکون نسبته إلی البقیة نسبة محصورة کأن یکون الأطراف ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 232
‏مثلاً عشرة آلاف وقسّمها عشرة أقسام وأراد ارتکاب قسم منها؛ فإنّه غیر معذور ‏‎ ‎‏فیه؛ لأنّه یصیر کالشبهة المحصورة؛ لعدم کون احتمال الواقع فی القسم الذی ‏‎ ‎‏أراد ارتکابه ضعیفاً؛ بحیث لا یعتنی العقلاء به. ‏

‏هذا بناءً علی أنّ عدم الاجتناب عن أطراف الشبهة غیر المحصورة لعدم ‏‎ ‎‏اعتناء العقلاء باحتمال الواقع فی البعض.‏

‏وأمّا لو کان المستند فی عدم الاعتناء الأخبار التی أشرنا إلیها، فیجوز ارتکاب ‏‎ ‎‏جمیع الأطراف کما لا یخفی، فتدبّر. ‏

‏هذا کلّه فی الشبهات التحریمیة. ‏

‏وکذا الحال فی الشبهة الوجوبیة فإنّه لو کان أطرافها کثیرة جدّاً ـ بحیث لا ‏‎ ‎‏یعتدّ العقلاء بکون الواجب فی بعض الأطراف فی مقابل البقیة ـ لم یجب ‏‎ ‎‏الاحتیاط، کما لو نذر شرب إناء واشتبه بین إناءات کثیرة غیر محصورة لا یجب ‏‎ ‎‏الاحتیاط؛ لقیام الأمارة العقلائیة علی عدم کونه هو الواقع ولا یعتنی العقلاء بمثل ‏‎ ‎‏هذا الاحتمال الضعیف. ‏

‏نعم، لو تمکّن المکلّف من إتیان عدّة من الأطراف یکون نسبتها إلی البقیة ‏‎ ‎‏نسبة محصورة وجب الاحتیاط فلو تمکّن من إتیان مأة من بین عشر مآت وجب ‏‎ ‎‏الاحتیاط، فتدبّر. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233

  • . تهذیب الأحکام 6: 330 / 915؛ وسائل الشیعة 9: 505، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 10، الحدیث 1.
  • . الکافی 5: 125 / 5؛ وسائل الشیعة 9: 506، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 10، الحدیث 4.
  • . الفقیه 2: 22 / 83؛ وسائل الشیعة 9: 506، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 10، الحدیث 3.
  • . وسائل الشیعة 9: 494، کتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، الباب 3، الحدیث 6.
  • . درر الفوائد، المحقّق الحائری: 471.