الأخبار الدالّة علی وجوب الاجتناب عن الشبهة
وفی قبال هذه الأخبار أخبار تدلّ علی وجوب الاجتناب عن المشتبه کالأخبار الواردة فی تخمیس الحلال المختلط بالحرام: کخبر حسن بن زیاد عن
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230
أبی عبدالله علیه السلام قال: «إنّ رجلاً أتی أمیر المؤمنین علیه السلام، فقال: یا أمیر المؤمنین! إنّی أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلک المال؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضی من المال بالخمس، واجتنب ما کان صاحبه یعلم».
وخبر السکونی: «قال: أتی رجل أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: إنّی کسبت مالاً أغمضت فی مطالبه (طلبه) حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة ولا أدری الحلال منه والحرام وقد اختلط علیّ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: تصدّق بخمس مالک، فإنّ الله قد رضی من الأشیاء بالخمس وسائر المال (کلّه) لک حلال».
ومرسل صدوق قال: جاء رجل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: یا أمیر المؤمنین! أصبت مالاً أغمضت فیه أفلی توبة؟ قال: «ائتنی بخمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لک، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه».
وخبر عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: «فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام، إذا لم یعرف صاحبه والکنوز، الخمس».
إلی غیر ذلک من الأخبار.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 231
وهذه الأخبار محمولة علی الشبهة المحصورة، ولا یبعد حملها علی ما إذا جهل مقدار الحرام واحتمل کون الحرام بمقدار الخمس والزیادة والنقیصة وأمّا إذا علم أنّ فی ماله الذی بلغ ملائین دیناراً من الحرام، فلا إشکال فی عدم وجوب التخمیس.
فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ الأخبار التی دلّت علی عدم وجوب الاجتناب عن أطراف المعلوم بالإجمال واضحة الدلالة علی الشبهة غیر المحصورة نعم، یخرج منها بعض الموارد، کما لو عرف صاحب المال فیجب له التخلّص من ماله.
فظهر ممّا ذکرنا أنّ الضابط فی الشبهة غیر المحصورة هو الذی أشار إلیه شیخنا العلامة الحائری وحاصله:
أن یکون کثرة الأطراف بمثابة لا یعتنی العقلاء باحتمال کون الواقع فی بعض الأطراف فی مقابل البقیة لضعف الاحتمال الحاصل من کثرة الأطراف.
وقد أشرنا إلی دلالة جملة من الأخبار علی عدم الاجتناب عن أطراف الشبهة إذا کانت الأطراف غیر محصورة.
وبما ذکر یظهر أنّ المکلّف إذا شرع فی أطراف الشبهة غیر المحصورة قاصداً ارتکاب جمیعها ولو فی مدّة طویلة لم یکن معذوراً؛ لأنّ التکلیف باقٍ علی فعلیته.
کما أنّه إذا قسّم الأطراف غیر المحصورة بأقسام معدودة وأراد ارتکاب بعض الأقسام الذی یکون نسبته إلی البقیة نسبة محصورة کأن یکون الأطراف
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 232
مثلاً عشرة آلاف وقسّمها عشرة أقسام وأراد ارتکاب قسم منها؛ فإنّه غیر معذور فیه؛ لأنّه یصیر کالشبهة المحصورة؛ لعدم کون احتمال الواقع فی القسم الذی أراد ارتکابه ضعیفاً؛ بحیث لا یعتنی العقلاء به.
هذا بناءً علی أنّ عدم الاجتناب عن أطراف الشبهة غیر المحصورة لعدم اعتناء العقلاء باحتمال الواقع فی البعض.
وأمّا لو کان المستند فی عدم الاعتناء الأخبار التی أشرنا إلیها، فیجوز ارتکاب جمیع الأطراف کما لا یخفی، فتدبّر.
هذا کلّه فی الشبهات التحریمیة.
وکذا الحال فی الشبهة الوجوبیة فإنّه لو کان أطرافها کثیرة جدّاً ـ بحیث لا یعتدّ العقلاء بکون الواجب فی بعض الأطراف فی مقابل البقیة ـ لم یجب الاحتیاط، کما لو نذر شرب إناء واشتبه بین إناءات کثیرة غیر محصورة لا یجب الاحتیاط؛ لقیام الأمارة العقلائیة علی عدم کونه هو الواقع ولا یعتنی العقلاء بمثل هذا الاحتمال الضعیف.
نعم، لو تمکّن المکلّف من إتیان عدّة من الأطراف یکون نسبتها إلی البقیة نسبة محصورة وجب الاحتیاط فلو تمکّن من إتیان مأة من بین عشر مآت وجب الاحتیاط، فتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233