المرحلة الثالثة فی الاشتغال

التنبیه الثالث فی الشبهة غیر المحصورة

التنبیه الثالث

فی الشبهة غیر المحصورة 

‏مقتضی العلم الإجمالی وفعلیة التکلیف المعلوم هو عدم الفرق بین کون ‏‎ ‎‏أطراف المعلوم بالإجمال محصورة أو غیر محصورة، إلا أنّهم فرّقوا بینهما وقالوا ‏‎ ‎‏بعدم لزوم الاجتناب فی الأطراف غیر المحصورة وادّعی علیه الإجماع، بل ‏‎ ‎‏الضرورة. ‏

‏ولیعلم أنّ عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة غیر المحصورة فی الجملة ممّا لا ‏‎ ‎‏ینبغی الإشکال فیه والکلام فی میزان المحصورة وغیرها وفی سرّ عدم وجوب ‏‎ ‎‏الاحتیاط فی غیر المحصورة. ‏

‏ولیعلم أنّه لابدّ من قصر الکلام فی غیر المحصورة؛ بحیث لو کانت محصورة ‏‎ ‎‏لوجب الاحتیاط، ففرض خروج بعض أطراف غیر المحصورة عن محلّ الابتلاء، ‏‎ ‎‏أو الاضطرار أو حرجیة الاحتیاط ونحو ذلک خروج عن محطّ البحث. ‏

‏وبالجملة: ینبغی للباحث عن عدم الاجتناب عن أطراف الشبهة غیر ‏‎ ‎‏المحصورة أن یقصر همّه فی أنّ مجرّد کون الشبهة غیر المحصورة لا یجب ‏‎ ‎‏الاحتیاط قبال ما إذا فرض کون الشبهة محصورة یجب فیه الاحتیاط، ففرض ‏‎ ‎‏خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، أو الاضطرار إلی بعضها أو حرجیة ‏‎ ‎‏الاحتیاط خروج عن محطّ البحث؛ لأنّه إذا کانت الشبهة محصورة یکون ‏‎ ‎‏کذلک. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 223
‏وقد اضطربت کلمات القوم فی میزان الشبهة غیر المحصورة وفی سرّ عدم ‏‎ ‎‏وجوب الاحتیاط عن بعض أطرافها فلابدّ أوّلاً من البحث فی میزان الشبهة ‏‎ ‎‏المحصورة والشبهة غیر المحصورة ثمّ بیان سرّ عدم وجوب الاحتیاط فی ‏‎ ‎‏الشبهة غیر المحصورة وبیان أنّ المخالفة القطعیة فی الشبهة غیر المحصورة ‏‎ ‎‏جائزة أم لا؟ ‏

أمّا میزان الشبهة غیر المحصورة‏ ـ وبذلک یظهر عدم وجوب الاحتیاط فی ‏‎ ‎‏أطرافها ـ فأحسن ما قیل فی المقام هو ما أفاده شیخنا العلامة الحائری قدس سره ‏‎ ‎‏حیث قال:‏

‏غایة ما یمکن أن یقال فی وجه عدم وجوب الاحتیاط هو أنّ کثرة الأطراف ‏‎ ‎‏توجب ضعف احتمال کون الحرام مثلاً فی طرف خاصّ؛ بحیث لا یعتنی به ‏‎ ‎‏العقلاء ویجعلونه کالشکّ البدوی، فیکون فی کلّ طرف یقدم الفاعل علی ‏‎ ‎‏الارتکاب طریق عقلائی علی عدم کون الحرام فیه‏‎[1]‎‏.‏

‏وإن شئت توضیح ذلک وتصدیقه فلاحظ حال العقلاء وطریقتهم؛ فإنّه تریهم ‏‎ ‎‏أنّ کثرة الأطراف قد یکون بحدّ یعدّ الاعتناء ببعضها خروجاً عن طریقة العقلاء ‏‎ ‎‏وحکم العقل مثلاً لو سمع الرجل أنّ واحداً من بیوت بلدة تکون فیها آلاف ‏‎ ‎‏بیت قد أغرقه السیل، أو وقع فیه الحرق وکان بیته فی تلک البلدة تراه لا یبالی بما ‏‎ ‎‏سمعه ولو صار بصدد التفتیش وأظهر الاضطرار والوحشة لاحتمال کون ‏‎ ‎‏متعلّق الغرق أو الحرق بیته عُدّ عند العقلا، ضعیف العقل ولیس ذلک إلا ‏‎ ‎‏لکثرة الأطراف وضعف الاحتمال، وإلا فالعلم الإجمالی محقّق وبیته ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 224
‏أحد الأطراف وغرضه قائم فی حفظ بیته. ‏

‏وکذا لو سمع أحد أنّ واحداً من أهل بلدة فیها ألف نسمة قد قتل وکان ولده ‏‎ ‎‏العزیز فیها، فاضطرب من هذه الجهة ورتّب علیه الأثر من التفتیش عن حال ولده ‏‎ ‎‏وأظهر الوحشة والاضطراب لعُدّ ضعیف العقل ولیس ذلک إلا لکثرة الاحتمال ‏‎ ‎‏وأنّ العقلاء لا یعتنون به؛ لأجل موهونیة الاحتمال وهذا واضح. ‏

‏ولکن شیخنا العلامة قدس سره بعد أن ذکر ما حکیناه استشکل فیما أفاده لشبهة ‏‎ ‎‏تکلّفها فی عدم وجوب الاجتناب وحاصله: ‏

‏أنّ الاطمینان بعدم الحرام فی کلّ واحد من الأطراف بخصوصه لا یجتمع مع ‏‎ ‎‏العلم بوجود الحرام فیها.‏

‏وبالجملة: لا یجتمع الاطمینان بعدم المعلوم فی کلّ مورد مع العلم الإجمالی ‏‎ ‎‏بوجوده فی الأطراف، فإنّ الاطمینان بالسالبة الکلّیة لا یعقل مع العلم بالموجبة ‏‎ ‎‏الجزئیة. ‏

‏فقال: إن تمّ الإجماع فی المسألة فهو وإلا فالقول بعدم وجوب الاحتیاط ‏‎ ‎‏مشکل لعین ما ذکر فی الشبهة المحصورة من دون تفاوت ولا یبعد أن یکون ‏‎ ‎‏حکمهم بعدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة غیر المحصورة من جهة مقارنتها ‏‎ ‎‏غالباً مع فقد بعض شروط التنجیز وعلی هذا لا خصوصیة لها فی الحکم ‏‎ ‎‏المذکور‏‎[2]‎‏. ‏

‏وفیه: أنّه لا یخفی أنّ فیما أفاده قدس سره نحو مغالطة نشأت من الخلط بین بعض ‏‎ ‎‏أطراف الشبهة بشرط لا، عن بقیة الأطراف وبینه مع شرط الاجتماع معها. ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 225
‏وذلک لأنّ ما لا یجتمع هو الاطمینان بعدم الحرام فی کلّ من الأطراف بنحو ‏‎ ‎‏السالبة الکلّیة مع العلم بوجوده بینها، وأمّا الاطمینان بعدم الحرام فی واحد فی ‏‎ ‎‏مقابل البقیة ومقایسة احتمال واحد فی مقابل ألف احتمال، فلا مانع من اجتماعه ‏‎ ‎‏معه، فکلّ واحد من الأطراف إذا لوحظ فی مقابل البقیة یکون احتمالاً واحداً ‏‎ ‎‏فی مقابل الاحتمالات الکثیرة، ولا إشکال فی ضعف احتمال واحد فی مقابل ‏‎ ‎‏ألف احتمال. ‏

‏فتحصّل تمامیة ما أفاده قدس سره فی الضابط فی الشبهة غیر المحصورة وهو أنّ کثرة ‏‎ ‎‏الأطراف إذا کانت بمثابة لا یعتنی العقلاء باحتمال کون الواقع فی بعض ‏‎ ‎‏الأطراف فی مقابل البقیة؛ لضعف الاحتمال الحاصل لأجل البقیة. ‏

‏وأمّا إشکاله علی ذلک فغیر وارد؛ لما أشرنا من أنّ الإیجاب الجزئی وإن کان ‏‎ ‎‏لا یجتمع مع السلب الکلّی إلا أنّ المنافاة إنّما یتحقّق فی المقام إذا لوحظت ‏‎ ‎‏الأفراد فی عرض واحد لا إذا لوحظت کلّ واحد فی مقابل الباقی فکلّ واحد ‏‎ ‎‏من الأطراف إذا لوحظ فی مقابل الباقی یکون فیه احتمال واحد فی مقابل ‏‎ ‎‏الاحتمالات الکثیرة ولا شکّ فی ضعف احتمال واحد فی مقابل ألف احتمال. ‏

‏وبالجملة: لم یکن البحث فی ارتکاب جمیع الأطراف غیر المحصورة فی ‏‎ ‎‏ارتکاب واحد من غیر المحصورة، فتدبّر. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 226

  • . درر الفوائد، المحقّق الحائری: 471.
  • . درر الفوائد، المحقّق الحائری: 471 ـ 472.