التنبیه الثانی
فی حکم الخروج عن محلّ الابتلاء
المشهور بین الأصحاب، بل استقرّ آراء جلّ المتأخّرین علی عدم لزوم الاجتناب عن أطراف المعلوم بالإجمال إذا خرج بعضها عن محلّ الابتلاء.
وبالجملة: یرون أنّ من شرائط تنجیز العلم الإجمالی أن یکون تمام أطرافه ممّا یمکن عادة ابتلاء المکلّف بها، فلو کان بعضها خارجاً عن محلّ الابتلاء لا یتنجّز العلم ویکون الطرف الآخر مورداً للبراءة العقلیة.
یوجّه ذلک بأنّ الأمر أو النهی لداعی البعث أو الزجر ولأجل ذلک یعتبر أن یکون مورد التکلیف مورداً للابتلاء نوعاً بحیث لا یعدّ من الحالات النوعیة حتّی لا یکون البعث إلیه أو الزجر عنه لغواً کجعل الحرمة للخمر الموجودة فی أقصی نقاط العالم لمن لا یقدر علی السفر إلیها؛ فإنّه یعدّ من الحالات العادیة ابتلاء المکلّف فی محیطنا بها.
وبالجملة: إنّ التکالیف المتوجّهة إلی المکلّفین لأجل إیجاد الداعی إلی الفعل أو الترک، فإذا لم یمکن عادة ترکه أو إتیانه، فلا مجال لتعلّق التکلیف به، فالنهی عن شرب الخمر الموجودة فی أقصی نقاط العالم یکون مستهجناً؛ فإذا کان هذا حال الخطابات التفصیلیة فلحاظه فی الخطابات الإجمالیة أوضح.
ومقصودهم من الخروج عن محلّ الابتلاء أعمّ ممّا یکون غیر مقدور عادة، أو یرغب عنه الناس عادة، ویکون الدواعی عنه مصروفة نوعاً، والمیزان استهجان الخطاب عنه عند العقلاء.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194
وإن شئت قلت: إنّ الغرض من الأمر أو النهی لیس إلا حصول ما اشتمل علی المصلحة، أو عدم حصول ما اشتمل علی المفسدة، وواضح أنّه مع عدم التمکّن العادی عن الترک أو الفعل لا یکاد تفوت المصلحة أو تحصل المفسدة، فلا موجب للتکلیف، بل لا یصحّ لاستهجانه.
وبالجملة التکالیف المتعلّقة بالمکلّفین لها مبادئ، فإذا لم تتحقّق المبادئ، فلا یمکن تعلّق الأمر أو النهی منهم، ومن الواضح أنّ الأمر بداعی الانبعاث إلی الفعل أو النهی بداعی الانزجار عنه، ولا مصلحة لمجرّد إنشاء البعث أو الزجر، فإذا کان الشیء خارجاً عن ابتلاء المکلّف وغیر مقدّر له، فعلاً أو ترکاً لا یکاد یحصل البعث أو الزجر من المولی، ولذا قالوا: من شرائط صحّة التکلیف قدرة المکلّف علی الانبعاث أو الانزجار، فلا یصحّ، بل لا یمکن للمولی الحکیم الملتفت بعجز المکلّف تکلیفه بإتیان شیء أو ترکه.
والحاصل: أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء نظیر کون الشیء غیر مقدور فکما لا یکون بعث وزجر عند عدم القدرة، فکذلک عند عدم الابتلاء فعند ذلک لا تکون إرادة؛ لأنّها من الأفعال الاختیاریة فلابدّ وأن تکون لها مبادئ فعند عدم إمکان انبعاث المکلّف لا یکاد تتعلّق إرادة البعث أو الانزجار.
نعم، لو احتمل إمکان الانبعاث أو الانزجار لصحّ تعلّق البعث أو الزجر.
فعلی هذا لو کان الشیء خارجاً عن محلّ الابتلاء فکما لا یمکن النهی تفصیلاً، أو یکون مستهجنة فکذلک لا یمکن النهی الإجمالی عنه فکذا قالوا: إنّ من شرائط تنجیز العلم الإجمالی أن یکون جمیع أطرافه محلاًّ للابتلاء، فقیل العلم الإجمالی إذا خرج بعض أطرافه عن محلّ الابتلاء، فلا یکون العلم الإجمالی منجّزاً.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195
هذا غایة ما یوجّه لاعتبار الابتلاء فی تنجیز العلم الإجمالی وعدم لزوم الاجتناب عن الأطراف إذا خرج بعضها عن محلّ الابتلاء.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196