حکم وجوب الموافقة القطعیة
وأمّا وجوب الموافقة القطعیة فالکلام فیه کالکلام فی المخالفة القطعیة یقع فی مرحلتین إحداهما مرحلة الثبوت والاُخری مرحلة الإثبات.
أمّا مرحلة الثبوت فنقول عند قیام الحجّة بالتکلیف فمقتضی حکم العقل لو خلّی وطبعه هو الحکم بلزوم الموافقة القطعیة عند العلم بالحجّة الإجمالیة کما هو مقتضاه عند العلم بالحجّة التفصیلیة، ولیس ذلک لأجل لزوم إطاعة الأمر الواقعی وإن ترکه عصیاناً له؛ لما أشرنا فی مسألة المخالفة القطعیة من أنّ إطاعة الحجّة وعصیانها لا یلازم إطاعة الأمر الواقعی أو عصیانه لاحتمال خطاء الحجّة، بل لأجل أنّه لا عذر له فی ترک الموافقة القطعیة عند قیام العلم بالحجّة.
وبالجملة: بعد قیام الحجّة لابدّ له من تحصیل المؤمّن، ولا مؤمّن له فی ترک الموافقة القطعیة کما لا مؤمّن له فی المخالفة القطعیة.
نعم، یمکن التفرقة بینهما بحسب الفهم العقلائی؛ حیث إنّه لو فرض دلیل علی بعض الأطراف لا یرونه ترخیصاً وإذناً فی مخالفة الواقع وارتکاب الحرام، بل إذناً فی المشتبه بما هو مشتبه، وهو غیر مستنکر عند العقلاء حتّی یوجب انصراف أدلّة الاُصول أو صرفها عن أطراف المعلوم بالإجمال.
وأمّا لو فرض الإذن فی جمیع الأطراف عامّة فإنّه عند العقلاء مستنکر قبیح یرونه إذناً فی المعصیة.
فبما ذکرنا یصحّ أن یقال: إنّ العلم الإجمالی بالحجّة علّة تامّة لحرمة
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162
المخالفة القطعیة فی نظر العقلاء، بحیث یرون الإذن فی جمیع الأطراف ترخیصاً فی المعصیة.
وأمّا بالنسبة إلی الموافقة القطعیة فإنّما هو مقتبضٍ؛ أی یحکم بلزومها مع عدم ورود الرخصة من الشارع ولکن لا یستنکرون ورد الرخصة من الشارع کما لم یستنکروا ورود الترخیص فی بعض موارد الاشتغال مع العلم التفصیلی، کالشکّ بعد الفراغ أو مضیّ الوقت، فیمکن الأخذ بأحد الطرفین تخییراً أو تعییناً.
وأمّا مرحلة الإثبات والأدلّة المرخّصة فبعضها مثل أحادیث الرفع والحجب والاستصحاب فالظاهر عدم شمولها لأطراف العلم الإجمالی لما أشرنا غیر مرّة أنّ المراد بالعلم فی أمثال المقام هو الحجّة لا العلم الوجدانی، وقلنا: إنّ المراد بالعلماء هم الذین قام لدیهم الحجج، والعالم من استنتج الأحکام الشرعیة بالحجج الشرعیة وهو المعنی بمن قضی بالحقّ وهو یعلم لا العلم الوجدانی بصحّة الحکم والقضاء بالطرق والأمارات، إلی غیر ذلک من الآیات والأخبار الواردة فی فضل العلم والعلماء وتفضیلهم علی غیرهم؛ لعدم العلم الوجدانی بالأحکام الشرعیة إلا نادراً.
فعلی هذا یکون المراد بالعلم فی حدیث الرفع أو الحجب هو الحجّة علی
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 163
الحرمة، کما هو الشأن فی أخبار الاستصحاب؛ حیث إنّه لم یرد بالیقین الیقین الوجدانی، بل المراد الحجّة؛ لأنّه فی استصحاب الأحکام الکلّیة لا تنقض إلا بالحجّة علی الخلاف غالباً، بل وکذا فی الموضوعات لانتقاض الاستصحاب بقیام الأمارة ـ کالید ـ علی خلافها.
فعلی هذا حیث تکون الحجّة قائمة علی الحرمة فی أطراف المعلوم بالإجمال لا یجری للبراءة والاستصحاب.
وإن أبیت عن إطلاق الحجّة إلا علی قیام الأمارة علی الواقع بخصوصه فنقول بأنّه عند قیام الحجّة علی أحد الطرفین یصحّ احتجاج المولی علی ارتکاب کلّ من الأطراف لو صادف الواقع.
ولک أن تقول: إنّ الأدلّة المرخّصة لاسیّما أدلّة الاستصحاب منصرفة إلی الشکّ السازج لا المقرون بالعلم الإجمالی.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 164