المرحلة الثالثة فی الاشتغال

فذلکة البحث

فذلکة البحث

‏وبالجملة لک أن تقول: إنّ احتمالات الروایة ثلاثة: ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 142
‏أحدها: اختصاصها بالشبهة البدویة بأن یقال: إن کانت طبیعة فیها الحلال ‏‎ ‎‏والحرام وتنقسم الطبیعة إلیهما تقسیماً فعلیاً واشتبه فرد منها أنّه من أیّ القسمین ‏‎ ‎‏فهو لک حلال، فعلی هذا الاحتمال الظاهر أنّ المراد من «‏حتّی تعرف‏» خصوص ‏‎ ‎‏المعرفة التفصیلی لا العلم الإجمالی ولا الأعمّ منهما وذلک لأمرین: ‏

‏الأوّل: لفظة «‏تعرف‏»؛ حیث إنّها لا تشمل العرفان إلا فی مورد لا یکون فی ‏‎ ‎‏الشیء إبهام من جهة من الجهات، بخلاف العلم فلا یقال فی صورة دوران ‏‎ ‎‏النجاسة بین أمرین: إنّه عرف النجاسة ولکن یقال: إنّه علمها، ففی التعبیر بلفظة ‏‎ ‎‏«‏حتّی تعرف‏» دلالة علی کفایة العلم الإجمالی فی الحکم بالحرمة، بل لابدّ من ‏‎ ‎‏العرفان التفصیلی. ‏

‏الثانی: لفظة «‏بعینه‏» فإنّ الظاهر أنّ المراد بها شخصیة فمقتضی الروایة علی ‏‎ ‎‏هذا الاحتمال جواز ارتکاب المشتبه حتّی یعلم بالحرام تفصیلاً، فالعلم الإجمالی ‏‎ ‎‏بالحرمة لا تکاد تفید فی الحکم بالحرمة. ‏

‏هذا هو الظاهر من الروایة علی هذا الاحتمال. ‏

‏ولکن إرادة الأعمّ من العلم التفصیلی والإجمالی لا محذور عقلی فیه إلا أنّه ‏‎ ‎‏خلاف الظاهر. ‏

‏ولا یخفی أنّ إرادة هذا الاحتمال من الروایة بعیدة؛ لأنّ المناسب التعبیر عن ‏‎ ‎‏الشبهة البدویة: أن یقال: کلّ ما شککت فیه فهو لک حلال. ‏

‏الاحتمال الثانی: اختصاص الروایة بالعلم الإجمالی فقط بأن یقال: إنّ الظاهر ‏‎ ‎‏من قوله علیه السلام: ‏«کلّ شیء فیه حلال وحرام فهو لک حلال»‏ أنّ ما فیه الحلال ‏‎ ‎‏والحرام حلال بسبب الشبهة الموضوعیة کما هو فی خبر عبدالله بن سلیمان فی ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 143
‏مسألة الجبن، فإذا کان عند الرجل مثلاً خمسون دیناراً بعضها معلوم الحرمة ‏‎ ‎‏وبعضها معلوم الحلّیة یقال: إنّه شیء فیه حلال وحرام. ‏

‏فعلی هذا الاحتمال لابدّ وأن یراد من الغایة العلم التفصیلی ولا یمکن إرادة ‏‎ ‎‏الأعمّ منه والإجمالی. ‏

‏وذلک لأنّه لا معنی لجعل الغایة فی صورة العلم الإجمالی، الأعمّ من العلم ‏‎ ‎‏التفصیلی والإجمالی للزوم التناقض ـ أی حلّیة المعلوم بالإجمال وحرمته ـ فتدبّر. ‏

‏الاحتمال الثالث: کون الروایة بصدد إرادة الأعمّ من العلم الإجمالی والشبهة ‏‎ ‎‏البدویة بأن یقال: إنّ کلّ طبیعة فیها حلال معیّن وحرام معیّن وفرد مشتبه، ‏‎ ‎‏فالمشتبه لک حلال حتّی تعرف الحرام، وعلی هذا الاحتمال یلزم التکلیف فی ‏‎ ‎‏إدخال الفرد المشتبه، فلابدّ وأن یراد بالغایة العلم التفصیلی، فلا معنی لجعل ‏‎ ‎‏الغایة الأعمّ من التفصیلی؛ لأنّ لازمه أن تکون الشبهة البدویة حلالاً حتّی تعلم ‏‎ ‎‏إجمالاً أو تفصیلاً أنّه حرام والمعلوم الإجمالی حلال حتّی تعلم تفصیلاً أنّه ‏‎ ‎‏حرام، وهو باطل بالضرورة؛ لأنّ لازم جعل الغایة أعمّ هو التناقض ـ أی حلّیة ‏‎ ‎‏المعلوم بالإجمال أو حرمته ـ کما أشرنا. ‏

‏هذا کلّه فی محتملات الروایة ثبوتاً. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 144