المرحلة الثالثة فی الاشتغال

الجهة الاُولی: فی إمکان الترخیص ثبوتاً کلاًّ أو بعضهاً

الجهة الاُولی: فی إمکان الترخیص ثبوتاً کلاًّ أو بعضهاً

‏ولیعلم أوّلاً أنّ العقل لو خلّی وطبعه یحکم بوجوب الموافقة القطعیة وحرمة ‏‎ ‎‏المخالفة القطعیة بالنسبة إلی الأمارات ـ سواء علم قیامها علی أمر تفصیلاً أو ‏‎ ‎‏إجمالاً ـ کما یحکم کذلک بالنسبة إلی العلم الوجدانی بالحکم. ‏

‏ولکنّ الوجوب والحرمة لیستا بملاک الإطاعة والمعصیة ضرورة أنّ المعصیة ‏‎ ‎‏مخالفة الأمر الواقعی کما أنّ الإطاعة موافقة الأمر الواقعی ولم یعلم فی ارتکاب ‏‎ ‎‏أحد طرفی المعلوم بالإجمال أنّه خالف أمر المولی بل فی ارتکاب الطرفین أیضاً ‏‎ ‎‏لا یعلم بالعقاب لاحتمال مخالفة الأمارة للواقع؛ ضرورة أنّ العلم بالحجّة لم یکن ‏‎ ‎‏ملازماً مع العلم بالحکم الواقعی بل بملاک قاطعیة العذر واستحقاق العقاب علی ‏‎ ‎‏فرض مطابقها للواقع‏‎[1]‎‏. ‏

‏ضرورة أنّه لو ارتکب أحد طرفی الحجّة المعلومة وفرضت مصادفة الحجّة لا ‏‎ ‎‏یکون معذوراً فی ترک الحکم الواقعی، وللمولی عقوبته. ‏

‏وبالجملة: لا أظنّ إشکالاً فی أنّ الحجّة الإجمالیة کالحجّة التفصیلیة فی نظر ‏‎ ‎‏العقل من حیث إنّ العمل علی طبقها واتّباعها مؤمّن من العقاب طابق الواقع أم لا ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 136
‏والإعراض عنها یحتمل معه العقاب. ‏

‏فوجوب الموافقة أو حرمة المخالفة لیس بملاک المعصیة، بل بلحاظ قاطعیة ‏‎ ‎‏العذر عند ذلک. ‏

‏ولم یحضرنی کلام العلمین الخونساری والقمّی‏‏ حتّی اُلاحظه بأنّهما هل ‏‎ ‎‏یرون أنّ مجرّد الاشتباه وتردّد ما قامت علیه الحجّة بین أمرین أو أکثر یکون ‏‎ ‎‏مؤمّناً ومعذراً فی ارتکاب جمیع الأطراف أو بعضها، أو أنّهما بصدد تفهیم إمکان ‏‎ ‎‏شمول أدلّة المرخّصة لجمیع الأطراف أو بعضها؟ ولا أظنّ أنّهما مع علوّ شأنهما ‏‎ ‎‏یقولان بأنّ مجرّد اشتباه الأطراف یوجب جواز الارتکاب، ولا یبعد أن یکون ‏‎ ‎‏نظرهم إمکان شمول الأدلّة المرخّصة والله العالم. ‏

‏فإذا أحطت خبراً بمحطّ البحث فلا نحتاج إلی تجشّم البحث عن إمکانه؛ ‏‎ ‎‏لکونه مقطوع الجواز؛ ضرورة أنّه لا یلزم من الحکم بجواز الترک مع قیام الحجّة ‏‎ ‎‏علی وجوبه إذناً فی المعصیة، وغایة ما یلزم هی الإذن فی مخالفة الأمارة ولا ‏‎ ‎‏ملازمة بین الإذن فی مخالفة الأمارة وبین الإذن فی المعصیة. ‏

‏نعم فیه یلزم منه الإذن فی مخالفة الواقع ولا مانع منه، لأنّه یستکشف من ذلک ‏‎ ‎‏أنّه رفع الید بالنسبة إلیه لتزاحم جهات أهمّ منه، کما هو الشأن عند طروّ ‏‎ ‎‏الاضطرار فیرفع الید عن الحکم الفعلی مع قوّة ملاکه وکمال اشتیاقه به بطروّ ‏‎ ‎‏الاضطرار لتزاحم جهات أهمّ وأقوی‏‎[2]‎‏. ‏

‏وإن شئت مزید توضیح فإلیک بأشباه المقام ونظائره کالشکّ بعد الوقت ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 137
‏والمحلّ والفراغ، فإنّ الترخیص وعدم الاعتناء بالشکّ مع احتمال عدم الإتیان ‏‎ ‎‏بالمأموربه بما له من الأجزاء والشرائط لا یکون تقییداً أو تخصیصاً فیما اعتبر فی ‏‎ ‎‏الصلاة بل رفع الید عنه لمزاحم أقوی؛ حیث إنّه قلّما یتّفق أن یحصل للشخص ‏‎ ‎‏قطع بتمامیة صلاته من حیث الأجزاء والشرائط وتحصیل الیقین بها یوجب ‏‎ ‎‏وقوعهم فی ضیق وضنک فربما یوجب إعراضهم عن الدین ورغبتهم عن ‏‎ ‎‏الشریعة المقدّسة. ‏

‏ومثل المقام الأمر بالعمل بالأمارات، أو إمضاء الطرق العقلائیة والإذن بالعمل ‏‎ ‎‏بالاستصحاب أو إیجاب العمل به، فإنّ الأمر والإمضاء والإذن والإیجاب فیها ‏‎ ‎‏یکشف عن رفع الید عن الأحکام الواقعیة لمزاحم أقوی من دون تقییدأو تخصیص. ‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا إمکان الترخیص فی أطراف المعلوم بالإجمال کلاًّ أو ‏‎ ‎‏بعضاً من دون أن یلزم إذناً فی المعصیة، فتدبّر. ‏

‏هذا تمام فی الجهة الاُولی وفی إمکان الترخیص. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 138

  • . قلت: وإن شئت قلت بملاک المعصیة التقدیریة بمعنی أنه علی فرض المصادفة یعنی لو ارتکب أحد طرفی الحجّة المعلومة إجمالاً فصادف الواقع، فلا عذر له فی ترک المأمور به الواقعی فیستحقّ العقوبة عند ذلک. [المقرّر قدس سره].
  • . قلت: وهل تری من نفسک أنّ الشارع أذن فی المعصیة فی الشکّ بعد الفراغ عن العمل وخروج الوقت، فتدبّر. [المقرّر قدس سره]