المرحلة الثانیة فی التخییر

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏ثمّ إنّ المحقّق النائینی قال: إنّ فی البین جهة اُخری توجب المنع عن جریان ‏‎ ‎‏البراءة فی باب دوران الأمر بین المحذورین وهی أنّه لا موضوع لها، لعدم ‏‎ ‎‏جریان البراءة العقلیة؛ لأنّ مدرکها قبح العقاب بلا بیان وفی باب دوران الأمر بین ‏‎ ‎‏المحذورین یقطع بعدم العقاب؛ لأنّ وجود العلم الإجمالی کعدمه لا یقتضی ‏‎ ‎‏التخییر والتأثیر بالبیان المتقدّم فالقطع بالمؤمّن حاصل بنفسه بلا حاجة إلی حکم ‏‎ ‎‏العقل بقبح العقاب بلا بیان‏‎[1]‎‏. ‏

‏وأفاد قریباً من ذلک المحقّق العراقی‏‏ لکنّه فی جمیع الاُصول عقلیة ‏‎ ‎‏وشرعیة، وهو اختصاص جریان الاُصول بما إذا لم یکن هناک ما یقتضی ‏‎ ‎‏الترخیص فی الفعل والترک بمناط آخر من اضطرار ونحوه غیر مناط عدم البیان، ‏‎ ‎‏فمع حصول الترخیص بحکم العقل بمناط الاضطرار والتکوین لا تنتهی الأمر ‏‎ ‎‏إلی الترخیص الظاهری بمناط عدم البیان. ‏

‏ولئن شئت قلت: إنّ الترخیص الظاهری بمناط عدم البیان إنّما هو فی طرف ‏‎ ‎‏سقوط العلم الإجمالی عن التأثیر والمسقط له حینما کان هو حکم العقل بمناط ‏‎ ‎‏الاضطرار، فلا یبقی مجال لجریان أدلّة البراءة العقلیة والشرعیة نظراً إلی أنّ ‏‎ ‎‏حصول الترخیص حینئذٍ فی الرتبة السابقة عن جریانها بحکم العقل بالتخییر بین ‏‎ ‎‏الفعل والترک. ‏

‏أقول: ولا یخفی ما فی کلام العلمین، ولعلّه یتفطّن الخبیر بما ذکرناه آنفاً ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 104
‏حاصله: أنّ الذی لا یخلو الإنسان منه ویکون مضطرّاً إلیه هو أحدهما ـ من الفعل ‏‎ ‎‏أو الترک ـ ولذا یسقط العلم الإجمالی عن التأثیر بالنسبة إلی الموافقة القطعیة ‏‎ ‎‏والمخالفة کذلک، وأمّا بالنسبة إلی خصوص الفعل أو الترک فلم یکن مضطرّاً ‏‎ ‎‏إلیه ولا مفرّ إلا من إجراء قاعدة قبح العقاب بلا بیان فی ذلک، ضرورة أنّه لولا ‏‎ ‎‏تلک القاعدة فأنّی یجوز انتخاب الفعل وقد کان فی الواقع حراماً؟ بل أیّ مجوّز ‏‎ ‎‏لاختیار الترک وقد کان فی الواقع واجباً؟ فإجراء تلک القاعدة فی کلّ من الفعل ‏‎ ‎‏أو الترک لو فرض کون الفعل واجباً ومع ذلک فقد ترکه، أو کون الفعل حراماً ‏‎ ‎‏وقد فعله هو المصحّح؛ لعدم العقاب لا الاضطرار. ‏

‏وبالجملة: قضیة قبح العقاب بلا بیان لا ربط له بسقوط العلم الإجمالی عن ‏‎ ‎‏التأثیر، والعلم الإجمالی من جهة عدم إمکان الموافقة القطعیة والمخالفة کذلک ‏‎ ‎‏ساقط عن التأثیر إلا أنّه مع ذلک یکون إتیان خصوص الفعل أو الترک باختیاره ‏‎ ‎‏ولابدّ للمکلّف من إجراء قبح العقاب بالنسبة إلی خصوصیة أحد الطرفین، وإلا ‏‎ ‎‏فمع احتمال عدم القبح عند ذلک لم یحکم العقل بالتخییر.‏

‏والحاصل أنّه اختلط بین مصبّ ما اضطرّ إلیه وهو أحدهما وبین مصبّ قاعدة ‏‎ ‎‏قبح العقاب بلا بیان وهو خصوص أحدهما، ومجرّد الاضطرار إلی أحدهما لا ‏‎ ‎‏یصحّح الإتیان بخصوص اختیار الفعل أو الترک ما لم تجر قاعدة القبح وهو ‏‎ ‎‏المصحّح لذلک لا غیر، فحدیث حصول القطع بالمؤمّن والترخیص فی الرتبة ‏‎ ‎‏السابقة عن جریان أصل البراءة، بل الاُصول لا یرکن إلیه، فتدبّر. ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105

  • . فرائد الاُصول 3: 448.