التنبیه الرابع
فی دوران الأمر بین کون الواجب تعییناً أو تخییریاً
یتصوّر ذلک بنحوین:
الأوّل: ما إذا علم بوجوب الشیئین أو الأشیاء، ولکن شکّ فی کون کلّ منهما أو منها واجباً عینیاً لا یسقط أحدهما أو أحدها بفعل الآخر، أو واجباً تخییریاً یسقط کلّ منهما أو منها بفعل الآخر.
الثانی: ما إذا علم بوجوب الشیء الخاصّ وتوجّه الخطاب نحوه، ولکن شکّ فی شی ء آخر فی أنّه عدله حتّی یکون أحد فردی الواجب، أو لیس له عدل بل هو إمّا مباح أو مستحبّ.
قد یقال: إنّ الواجب التخییری سنخ واجب قبال الواجب التعیینی، بحیث تکون الإرادة والمراد علی نحوین، فقد تتعلّق الإرادة بشیء مخصوص لا یقوم غیره مقامه فیکون الواجب واجباً تعیینیاً، مطلقاً کان أو مشروطاً، وقد تتعلّق بأحد
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73
الشیئین أو الأشیاء فیکون واجباً تخییریاً.
ولکن اُشکل القول بذلک، بل قیل بامتناعه؛ لأنّ الإرادة کالعلم من الصفات النفسانیة ذات الإضافة، فلها وجود فی النفس وتشخّصها إنّما هی بالمراد. فکما أنّه لا یتعلّق العلم وکذا الحبّ والبغض بأمر مبهم فکذلک الإرادة لا تتعلّق بأمر مبهم.
وبالجملة: متعلّق الإرادة لابدّ وأن یکون أمراً موجوداً متشخّصاً، ومن المعلوم ضرورة أنّه لا یمکن أن یکون الوجود الخارجی أمراً مبهماً. فإذا امتنع تعلّق الإرادة بأمر مبهم، فکذلک الإنشاء المتعقّب للإرادة، حیث إنّه یتعلّق بأمر موجود فی الخارج، ولا یمکن أن یکون الوجود الخارجی مبهماً.
والحاصل: أنّ الإرادة والمراد والإنشاء والمنشأ لها نحو وجود، ولا یکاد یمکن أن یکون الموجود مبهماً.
فإذا امتنع تعلّق الإرادة والإنشاء بأمر مبهم فلا بدّ فی الواجب التخییری، إمّا أن یقال بمقال المحقّق الخراسانی قدس سره من أنّ الواجب عند ذلک الجامع بین الفردین أو الأفراد، بلحاظ امتناع صدور الغرض الواحد من إثنین أو أکثر، فتکلّف قدس سره فی مثل وجوب خصال الکفّارات بأنّ الواجب هو الجامع بینها.
ولکن فیه: أنّ مجری القاعدة المبرهن علیها فی فنّ المعقول هو الواحد الحقیقی الذی لا یشوب فیه شائبة الکثرة والإثنینیة أصلاً، لا فی أمثال المقام، کما لا یخفی علی من له إلمام بفنّ المعقول. فاستناد المحقّق الخراسانی قدس سره بتلک القاعدة فی غیر مورد من مباحث الاُصول ممّا لا أساس له، فلیکن علی ذکر منک.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 74
ولو سلّم جریان القاعدة فی أمثال المقام فربما لا یکون لأمرین أو الاُمور ارتباط بل تباین، فتصویر جامع مدرسی غیر معقول.
أو یقال بمقال المحقّق النائینی قدس سره من تقیید إطلاق الخطاب المتعلّق بکلّ من الفردین أو الأفراد بما إذا لم یأت المکلّف بعدله، فیکون وجوب کلّ منهما أو منها مقیّداً بعدم إتیان الطرف الآخر أو الأطراف، فیکون وجوب العتق فی الخصال مقیّداً بعدم الإطعام و الصیام، ووجوب الإطعام مقیّداً بعدم العتق والصیام وهکذا... ومن تقیید إطلاق الخطابین ینشأ التخییر.
فمرجع الواجب التخییری إلی واجبین مشروطین أو واجبات مشروطات.
ولکن فیه: أنّه لا وجه له؛ لعدم وجه لإرجاع الواجب المطلق إلی الواجب المشروط، بعد کون التعیین والتخییر قسمین من الواجب المطلق أو المشروط.
أو یقال: ما اخترنا علی تسلیم جریان القاعدة فی أمثال المقام من دون احتیاج إلی تجشّم تعلّق الإرادة بالجامع ولا تصویر الواجب المشروط، وحاصله: أنّ کلّ واحد من الطرفین أو الأطراف له مبادی یخصّه بعین ما یکون فی الواجب التعیینی طابق النعل بالنعل، فیتصوّر فی مورد تعمّد الإفطار فی نهار شهر رمضان مثلاً أنّ إطعام ستّین یوماً یکون کفّارة وجریمة لما ارتکبه، فبعد حصول سائر المبادی یرید إتیانه من المتخلّف فیوجبه علیه. وحیث یری أنّ الجریمة لا تنحصر بذلک بل محصّل بصوم ستّین یوماً أیضاً، فیتحقّق مبادی الإرادة بالنسبة إلی صوم الستّین فیریده، فیوجبه علیه. وهکذا بالنسبة إلی عتق الرقبة حیث یراه أیضاً محصّلاً لغرضه فیوجبه.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75
فالإرادة فیها متعیّنة والمراد أیضاً کذلک، وکذا الإنشاء.
فلا فرق بین الواجب التعیینی والتخییری إلا من جهة انحصار حصول الغرض فی الأوّل بعمل دون الثانی، حیث إنّه یحصل بإتیان کلّ واحد منهما أو منها. ولتفهیم ذلک یتخلّل لفظة «أو» فی کلامه ویقول مثلاً: إن أفطرت فی شهر رمضان متعمّداً یجب علیک إطعام ستین مسکیناً أو صیام ستین یوماً أو عتق رقبة.
فإذاً کلّ من الخصال الثلاث تعلّقت به إرادة مخصوصة وإنشاء مخصوص، من دون أن یکون بینها جامع معقول. نعم یمکن تصویر جامع مدرسی غیر معقول.
فحدیث تصویر الجامع حتّی یتعلّق به الإرادة والإنشاء غیر وجیه؛ لما أشرنا من أنّه ربما لا یکون بین الواجبین المخیّرین ارتباط بل تباین. مع ما أشرنا من عدم تمامیة إجراء قاعدة الواحد فی أمثال المقام. کما أنّه لا وجه لإرجاع الواجب المطلق إلی الواجب المشروط، بعد کون التعیینی والتخییری قسمین من الواجب المطلق أو المشروط.
فظهر و تحقّق ممّا ذکرنا أنّ المحتملات فی الواجب التخییری أربعة:
الأوّل: أنّ الإرادة فی الواجب التخییری أو الوجوب فیه سنخ إرادة ووجوب فی قبال الواجب التعیینی.
الثانی: ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره من تعلّق الإرادة فی الواجب التخییری بالجامع.
الثالث: ما ذهب إلیه المحقّق النائینی قدس سره من إرجاع الواجب التخییری إلی واجبین مشروطین أو واجبات مشروطات.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 76
الرابع: ما اخترناه من أنّ کلّ واحد من الطرفین أو الأطراف تعلّقت به إرادة مخصوصة وإنشاء مخصوص، غایة الأمر یحصل الغرض بإتیان کلّ واحد. ولإفهام ذلک یتشبّث بتخلیل لفظة «أو» وما یشابهه فی البین.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 77