تنبیهات البراءة

المورد الأوّل: فی أنحاء ما یتصوّر فی متعلّق الأمر أو النهی

المورد الأوّل: فی أنحاء ما یتصوّر فی متعلّق الأمر أو النهی

‏یمکن تارة: أن یؤخذ متعلّق الأمر أو النهی علی نحو صرف وجود الطبیعة، ‏‎ ‎‏والمراد به الطبیعة بما هی ناقضة العدم وطارده.‏

‏وإن شئت فعبّر عنه بأوّل الوجود بمعنی ما یسبق بالغیر، لا بمعنی السابق علی ‏‎ ‎‏ما عداه.‏

‏واُخری: أن تؤخذ علی نحو الطبیعة الساریة فی الأفراد أو أفراد الطبیعة علی ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 61
‏النحو المعقول، حیث یکون الفرد بعد وجوده الخارجی موجباً لسقوط التکلیف ‏‎ ‎‏لا ثبوته.‏

‏وثالثة: أن یؤخذ علی نحو مجموع الأفراد، کعنوان مجموع العلماء.‏

‏ورابعة: أن یؤخذ نفس الطبیعة الصالحة للکثرة بلا قید أصلاً.‏

‏والفرق بین الصور واضح، حیث إنّه فی الاُولی عبارة عن صرف الطبیعة، ‏‎ ‎‏وفی الثانیة عبارة عن الطبیعة المتکثّرة أو جمیع الأفراد، کما أنّه فی الثالثة یکون ‏‎ ‎‏عنوان المجموع، وفی الرابعة فیکون نفس الطبیعة.‏

‏فإن اُخذ المتعلّق علی النحو الأوّل فلا یتصوّر فیه الامتثال والعصیان أزید من ‏‎ ‎‏مرّة واحدة. فإذا تحقّق فرد من الطبیعة المأمور بها فی الخارج فقد تحقّق عنوان ‏‎ ‎‏الصرف أو التناقض للعدم ونحو ذلک، فیتحقّق الامتثال. وهکذا فی النهی، حیث ‏‎ ‎‏إنّه بمجرّد تحقّق فرد من الطبیعة المنهی عنها یتحقّق العصیان. ولا معنی للامتثال ‏‎ ‎‏والعصیان بالنسبة إلی ما فی طوله؛ لعدم صلوح الفعل للتکرار.‏

‏نعم یمکن أن تتحقّق أفراد من الطبیعة مرّة واحدة ویصدق الامتثال بتحقّقها؛ ‏‎ ‎‏لعدم المیز والطولیة فیها، حتّی یقال بحصول الامتثال أو العصیان بالأوّل منها.‏

‏وبالجملة: لا تکرار فی إطاعة عنوان الصرف ونحوه وعصیانه، ولا یکون له ‏‎ ‎‏أفراد طولیة؛ لعدم صلوح المتعلّق لذلک. والمتعلّق علی هذا یکون معناً محصّلاً أو ‏‎ ‎‏معنی منتزعاً، ولکن کما یتحقّق ذلک العنوان بإتیان فرد من الطبیعة فکذلک ‏‎ ‎‏یتحقّق بإتیان أفراد من الطبیعة دفعة واحدة، والمکلّف فی کلا الصورتین مطیع ‏‎ ‎‏باعتبار تحقّق صرف الوجود أو ناقض العدم أو أوّل الوجود، وبعد تحقّق العنوان ‏‎ ‎‏لا یکون الآتی به ثانیاً إطاعة.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 62
‏وإن اُخذ علی النحو الثانی، فحیث إنّ الطبیعة الساریة فی حکم الانحلال إلی ‏‎ ‎‏الأفراد، فالحکم المتعلّق علی هذا النحو ینحلّ إلی أوامر أو نواهی متعدّدة بعدد ‏‎ ‎‏أفراد تلک الطبیعة المتعلّقة للأمر أو النهی، فله إطاعات ومعاصی، ولا ارتباط بین ‏‎ ‎‏أفرادها؛ لکون کلّ منهما له حکم یخصّه، فإن أتی بالأکثر من فرد دفعة واحدة ‏‎ ‎‏أو متعاقباً یصدق تکثّر الإطاعة أو المعصیة بعدد تلک الأفراد.‏

‏وإن اُخذ علی النحو الثالث: فهو کالأوّل فی عدم تعدّد الطاعة أو المعصیة ‏‎ ‎‏ودوران أمره بین الوجود والعدم من دون انحلال للحکم فی جانبی الأمر والنهی ‏‎ ‎‏أصلاً. وعدم المجموع کما یتحقّق بعدم جمیع الأفراد فکذلک یتحقّق بعدم بعض ‏‎ ‎‏أجزائه.‏

‏وبالجملة: عنوان المجموع عنوان بسیط لا یتحقّق إلا بتحقّق جمیع أجزائه، ‏‎ ‎‏وإلا لم یتحقّق؛ سواء لم یتحقّق جمیع أجزائه أو بعض أجزائه.‏

‏وإن اُخذ علی النحو الرابع: کما هو الغالب فی أخذ متعلّق الأوامر والنواهی، ‏‎ ‎‏حیث یؤخذ نفس الطبیعة القابلة للکثرة متعلّقة للأمر أو النهی، فهل یتصوّر فیه ‏‎ ‎‏تعدّد الطاعة أو المعصیة مطلقاً، أو لا یتصوّر فیه تلک مطلقاً، أو یفصّل بین الأمر ‏‎ ‎‏والنهی فبالعدم فی الأوّل دون الثانی، وجوه.‏

‏قد یقال فی جانب الأمر: إنّ الطبیعة حیث إنّها قابلة للکثرة فإذا أوجد مصداقاً ‏‎ ‎‏من الطبیعة یکون له إطاعة واحدة، وإن أوجد عشرة مصادیق دفعة واحدة یکون ‏‎ ‎‏له عشرة إطاعات وعدم تکرّرها بعد تحقّق مصداق لیس لقصور فی الطبیعة، کما ‏‎ ‎‏هو الشأن فی صرف الطبیعة، بل لقصور فی ناحیة الأمر حیث إنّه إذا تعلّق بشیء ‏‎ ‎‏فمقتضاه إیجاده خارجاً، والمفروض تحقّقه.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 63
‏نعم إذا أوجد مصادیق عدیدة معاً دفعة واحدة، فحیث إنّ المطلوب یتحقّق ‏‎ ‎‏فی الجمیع وموجود مع المصادیق، فیثاب علی الجمیع.‏

‏وذلک مثل الواجب الکفائی من حیث إنّ المطلوب فیه نفس الطبیعة، کتجهیز ‏‎ ‎‏المیّت ودفنه. فکما أنّه فی الواجب الکفائی إذا أوجده شخص واحد یثاب علی ‏‎ ‎‏ما فعله، وإن أوجده أشخاص عدیدة فیثاب الجمیع، فکذلک المقام.‏

‏فکما أنّه فی الواجب الکفائی إذا أوجده مرّة لا معنی لإیجاده ثانیاً، فکذلک ‏‎ ‎‏فی المقام.‏

‏وبالجملة: أنّه بتعدّد الطاعة فی الکفائی إذا أتی بأکثر من فرد واحد دفعة ‏‎ ‎‏واحدة، کأن تصلّی علی المیّت جماعة فرادی أو بجماعة، فیثاب کلّ منهم ثواب ‏‎ ‎‏الصلاة علی المیّت.‏

‏وإن لم یکن کذلک وذلک إذا کان علی التدریج والطولیة، فکما لا یثاب إلا ‏‎ ‎‏الأوّل فکذلک فی المقام، حیث إنّ المطلوب فی کلا المقامین نفس الطبیعة. هذا ‏‎ ‎‏فی جانب الأمر.‏

‏وأمّا فی جانب النهی فحیث إنّ النهی عن الطبیعة عبارة عن الزجر عنها، لا ‏‎ ‎‏طلب ترکها حتّی یتحقّق المطلوب ترکها فی فرد، فیتحقّق التعدّد وإن کان ‏‎ ‎‏بالتعاقب.‏

‏وبالجملة: مقتضی النهی الزجر عن الطبیعة، وذلک إنّما یتحقّق فیما إذا لم یأت ‏‎ ‎‏بها فی ضمن أیّ فرد. فکلّ فرد ومصداق له حکم یخصّه.‏

‏أقول: قبل التعرّض لما فی مقاله ینبغی التنبیه علی أمر، وهو أنّ میزان تعدّد ‏‎ ‎‏الطاعة والعصیان إنّما هو بتعدّد الأمر أو النهی صریحاً أو ما هو فی حکم ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 64
‏الصراحة من الانحلال، ومادام لم یتطرّق التعدّد حریم الحکم لا تعقل تطرّقه ‏‎ ‎‏حریم لازمه من الطاعة أو العصیان.‏

‏وبالجملة: تعدّد الطاعة والمعصیة مع وحدة الحکم ممّا لایجتمعان، وبذلک ‏‎ ‎‏یظهر النظر فیما أفاده فی جانب الأمر؛ وذلک لأنّ مجرّد قابلیة الطبیعة للتکرار لا ‏‎ ‎‏یوجب تعدّد الإطاعة إلا إذا تطرّق التعدّد فی حریم الحکم صریحاً أو ما فی ‏‎ ‎‏حکمه، والمفروض أنّه أمر واحد متعلّق بنفس الطبیعة، ومن المعلوم أنّه لم یکن ‏‎ ‎‏للأمر الواحد إلا إطاعة واحدة ومعصیة فاردة. فحدیث تعدّد الإطاعة مستنداً ‏‎ ‎‏بقابلیة الطبیعة للتعدّد فاسد.‏

‏ولو أوجب إتیان الطبیعة فی ضمن عشرة مصادیق إطاعات عدیدة، فیلزم أن ‏‎ ‎‏یکون فی ترکها معاصی کذلک، مع أنّه لیس کذلک ضرورة. هذا أوّلاً.‏

‏وثانیاً: أنّ قیاس المقام بالواجب الکفائی مع الفارق؛ لأنّ المتعلّق فی الکفائی ‏‎ ‎‏وإن کانت نفس الطبیعة، إلا أنّ المأمور به متعدّد؛ فإنّ المکلّف فیه آحاد الناس، ‏‎ ‎‏ولأجل ذلک یتعدّد الأمر. فبتعدّد الحکم یتعدّد الطاعة والعصیان. فلأجل أنّ ‏‎ ‎‏المطلوب إیجاد نفس الطبیعة إذا أوجدها فرد فلا یکون مورد لإتیانها ثانیاً.‏

‏ولأجل أنّ المکلّف به متعدّد إن اتّفقوا علی الإتیان بها دفعة واحدة تتعدّد ‏‎ ‎‏الطاعة ویثاب الجمیع؛ لکونهم آتین بما کلّفوا به، کما أنّه تتعدّد المعصیة عند ‏‎ ‎‏ترک الکلّ کذلک.‏

‏وأمّا المقام فحیث إنّ الأمر واحد والمأمور به أیضاً واحد والطبیعة المأمور بها ‏‎ ‎‏واحدة، لا مجال لتطرّق تعدّد الحکم لا صریحاً ولا انحلالاً، ومع اتّحاد الحکم لا ‏‎ ‎‏مورد لتعدّد الإطاعة، کما لا یخفی.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 65
‏وأمّا ما أفاده قدس سره فی جانب النهی فلیس النکتة فیه کون النهی عبارة عن الزجر ‏‎ ‎‏عن الطبیعة لا طلب ترکها؛ لاستواء الحکم فیما لو صرّح الناهی بکون المراد ‏‎ ‎‏طلب ترکها لا الزجر عنها، حیث یصدق طلب الترک الزجر عن الطبیعة عند ‏‎ ‎‏ترکها. بل النکتة الفهم العرفی من النهی، حیث یرون أنّ مقتضی النهی عن ‏‎ ‎‏طبیعة، الانزجار عن جمیع الأفراد، بخلاف الأمر بها.‏

‏وهذا نظیر الوجود بحسب الفهم العرفی، حیث إنّه یوجد بوجود فرد ما ‏‎ ‎‏وینعدم بانعدام جمیع الأفراد، لا حکم العقل، کما زعم المحقّق الخراسانی قدس سره.‏‎[1]‎

‏وقد تقدّم فی مبحث النواهی:‏‎[2]‎‏ أنّ المحقّق الخراسانی یری أنّ الحاکم بذلک ‏‎ ‎‏هو العقل، وقد أشرنا إلی فساده؛ لأنّ حقیقة الوجود کما یکون لها وجودات فی ‏‎ ‎‏ضمن الأفراد، فکذلک یکون لها أعدام بعددها. نعم بعد تحقّق مصداق منه ‏‎ ‎‏یحکم العقلاء بتحقّق حقیقة الوجود، وانعدامها عندهم إنّما هو بانعدام جمیع ‏‎ ‎‏الأفراد.‏

‏وبالجملة: لیست المسألة عقلیة بل عقلائیة عرفیة، یرون العقلاء لزوم الانزجار ‏‎ ‎‏عن جمیع أفراد النهی دون الأمر فظهر وتحقّق ممّا ذکرنا أنّه فرق بحسب الفهم ‏‎ ‎‏العقلائی بین الأمر المتعلّق بنفس الطبیعة والنهی المتعلّق بها، بتعدّد الإطاعة ‏‎ ‎‏والمعصیة فی الثانی دون الأمر.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 66

  • . کفایة الاُصول: 182 ـ 183.
  • . تقدّم فی الجزء الرابع: 13.