تنبیهات البراءة

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏احتمل المحقّق النائینی‏‏ فی أخبار من بلغ وجوهاً ثلاثة فرجّح أحدها، ‏‎ ‎‏وحاصل ما رجّحه هو أن یکون قوله علیه السلام: «‏فعمله‏» أو «‏فعله‏» جملة خبریة ‏‎ ‎‏بمعنی الإنشاء وجعل الحجّیة واعتبار قول المبلّغ؛ سواء کان واجداً لشرائط ‏‎ ‎‏الحجّیة أو لم یکن. فیکون مفاد الأخبار مسألة اُصولیة؛ لرجوع مفادها إلی حجّیة ‏‎ ‎‏خبر الضعیف الذی لا یکون. واجداً لشرائط الحجّیة؛ وفی الحقیقة تکون ‏‎ ‎‏أخبار من بلغ مخصّصة لما دلّ علی اعتبار الوثاقة والعدالة فی الخبر وأنّها تختصّ ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
‏بالخبر القائم علی وجوب الشیء، وأمّا الخبر القائم علی الاستحباب فلا یعتبر ‏‎ ‎‏فیه ذلک.‏

‏وتوهّم: أنّ النسبة بین أخبار من بلغ وما دلّ علی اعتبار الشرائط فی حجّیة ‏‎ ‎‏الخبر عموم من وجه، من حیث إنّ الثانی یعمّ الخبر القائم علی الوجوب ‏‎ ‎‏والاستحباب، وأنّ الأوّل وإن کان مختصّاً بما دلّ علی الاستحباب، إلا أنّه ‏‎ ‎‏یعمّ الواجد للشرائط وفاقدها. فیقع التعارض فی الخبر القائم علی الاستحباب ‏‎ ‎‏الفاقد للشرائط. فلا وجه لتقدیم أخبار من بلغ علی ما دلّ علی اعتبار الشرائط ‏‎ ‎‏فی الخبر.‏

‏مدفوع أوّلاً: بأنّ أخبار من بلغ یمکن أن تکون ناظرة إلی إلغاء الشرائط فی ‏‎ ‎‏الأخبار القائمة علی المستحبّات فتکون حاکمة علی ما دلّ علی اعتبار الشرائط ‏‎ ‎‏فی الخبر، ولا تلاحظ النسبة فی الحکومة.‏

‏وثانیاً: أنّ الترجیح لأخبار من بلغ لعمل المشهور بها، وبنائهم فی الفقه علی ‏‎ ‎‏التسامح فی أدلّة السنن.‏

‏وثالثاً: أنّه لو قدّم ما دلّ علی اعتبار الشرائط فی الخبر لم یبق مورد لأخبار من ‏‎ ‎‏بلغ بخلاف العکس؛ فإنّ الواجبات و المحرّمات تبقی مشمولة لما دلّ علی اعتبار ‏‎ ‎‏الشرائط فی الخبر‏‎[1]‎‏، انتهی.‏

‏وفیه أوّلاً: أنّ لسان أخبار الباب آبیة عن جعل الحجّیة لخبر الضعیف؛ وذلک ‏‎ ‎‏لأنّ معنی حجّیة طریق حسب ما یرون هو جعل علم تعبّدی فی عالم التشریع، ‏‎ ‎‏فیکون للعلم مصداقان مصداق وجدانی ومصداق تعبّدی؛ فیکون حال الطریق ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56
‏المجعول حال القطع، فمقتضاه أنّه فی صورة مصادفة الطریق للواقع یکون ‏‎ ‎‏المؤدّی هو الواقع ویترتّب علیه ثواب الواقع، وفی صورة المخالفة یکون معذوراً ‏‎ ‎‏لا ثواب فیه أصلاً. فلا بدّ فی الحجّة من واقع محفوظ یطابقه الطریق المجعول ‏‎ ‎‏تارة ویخالفه اُخری.‏

‏ومعلوم: أنّ لسان أخبار من بلغ هو جعل الثواب علی نفس ما بلغ، وإن لم یقله ‏‎ ‎‏رسول الله صلی الله علیه و آله سلم ؛ أعنی إعطاء الثواب بمجرّد العمل علی طبق البلوغ، طابق ‏‎ ‎‏الواقع أم لا.‏

‏وقد أشرنا: أنّ مقتضی الحجّیة هی إعطاء الثواب فی صورة المصادفة فقط. ‏‎ ‎‏فلسان أخبار من بلغ من حیث إعطاء الثواب تفضّلاً بمجرّد العمل بما بلغ أو ‏‎ ‎‏سمع، ینافی جعل الحجّیة.‏

‏وبعبارة اُخری: إنّ معنی الحجّیة حسب ما یرون هو إلغاء احتمال الخلاف ‏‎ ‎‏وجعل علم فی عالم التعبّد، فیکون المرویّ هو الواقع، ولسان أخبار من بلغ ‏‎ ‎‏تنافیه؛ فإنّ المفروض فیها کما هو صریح قوله علیه السلام: ‏«وإن کان رسول الله‏ صلی الله علیه وآلیه سلم لم ‏‎ ‎‏یقله»، احتمال عدم صدور الحدیث.‏

‏وبعبارة ثالثة: لسان جعل الحجّیة هو جعل الوسطیة فی الإثبات وأنّه هو الواقع، ‏‎ ‎‏وهذا اللسان ینافی إبداع احتمال الخلاف، کما هو صریح لسان أخبار من بلغ.‏

‏وإیّاک أن لا تراجع فی فهم أمثال هذه العبارات إلی فهم العرف والعقلاء، ‏‎ ‎‏وهم ببابک فاعرض علیهم لسان الحجّیة ولسان أخبار الباب، فیرون أنّ الجمع بین ‏‎ ‎‏اللسانین أمر باردٍ غیر متناسب، واعتبار عدم الصدور مع جعل الحجّیة أمر ‏‎ ‎‏مستهجن متناقض.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57
‏وثانیاً: أنّ جعل الخبر بمعنی الإنشاء فی أمثال المقام یخالف لصناعة الأدب؛ ‏‎ ‎‏فإنّه لو کان «‏فعمله‏» بمعنی الإنشاء فیکون معناه: فلیعمل، فیکون هو الجزاء ‏‎ ‎‏لقوله علیه السلام: ‏«من بلغه شیء من النبی‏...» إلی آخره، فلا مورد لذکر لفظة ‏‎ ‎«کان أجر...» ‏إلی آخره بعد ذلک بعنوان الجزاء.‏

‏وبالجملة: لا مورد للفظة «‏کان‏» حینئذٍ لمعنی جزاء الشرط، فیکون ما بعده ‏‎ ‎‏مستدرکاً.‏

‏وثالثاً: أنّ لسان أخبار الباب لو کان حجّیة مطلق الخبر فی المستحبّات فلا ‏‎ ‎‏وجه لدعوی حکومتها علی ما دلّ علی اعتبار الوثاقة فی الخبر؛ لعدم وجود مناط ‏‎ ‎‏الحکومة فی البین؛ لعدم تعرّضها لحال ما دلّ علی اعتبار الوثاقة من تفسیر أو ‏‎ ‎‏توضیح، أو تصرّف من جهة من جهاتها ممّا به قوام الحکومة.‏‎[2]‎

‏ورابعاً: أنّه لا وجه لجعل عمل المشهور مرجّحاً لأخبار الباب علی غیرها بعد ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58
‏عدم معلومیة وجهة العمل؛ لاحتمال أن یکون المشهور فهموا ما استظهرناه من ‏‎ ‎‏کون جعل الثواب علی وزان الجعل فی الجعالة أو کون الثواب علی نفس ‏‎ ‎‏الانقیاد، إلی غیر ذلک من الوجوه. ومجرّد الثواب علی نفس العمل وإن لم یکن ‏‎ ‎‏لذاته بل للتحفّظ والوصلة إلی غیره، یکفی فی صیرورته مستحبّاً، کما صرّح به ‏‎ ‎‏المحقّق الخراسانی‏‏.‏‎[3]‎

‏وبذلک یظهر: أنّ مجرّد اشتهار التسامح فی أدلّة السنن لا یدلّ علی إلغاء ‏‎ ‎‏شرائط الحجّیة فی المستحبّات؛ لاحتمال أن یکون ذلک للمعنی الذی ذکرنا.‏

‏وبالجملة: الترجیح بعمل المشهور إنّما یتمّ فیما إذا کان وجهة العمل معلوماً ‏‎ ‎‏ولم یکن بعد معلوماً.‏

‏وخامساً: أنّه لا یمکن الجمع بین قوله: «إنّ النسبة بینهما عموم من وجه وبین ‏‎ ‎‏قوله: إنّه لو قدّم ما دلّ علی اعتبار الشرائط فی مطلق الأخبار لم یبق مورد لأخبار ‏‎ ‎‏من بلغ، وهو من غرائب المقال؛ لأنّه لو کانت النسبة عموماً من وجه فلابدّ من ‏‎ ‎‏فرض مورد التخالف من کلّ من الطرفین وذلک واضح؛ لأنّ مرجع العموم من ‏‎ ‎‏وجه إلی سالبتین جزئیتین وموجبة جزئیة. وإلا فلم تکن النسبة عموماً من وجه ‏‎ ‎‏وذلک ظاهر.‏

‏مضافاً إلی وجود المورد لها أیضاً؛ فإنّ أخبار من بلغ لا تختصّ بخبر غیر ‏‎ ‎‏الثقة، بل تعمّ خبر الثقة وغیرها، وبعد خروج مورد التعارض وهو خبر غیر الثقة، ‏‎ ‎‏یبقی خبر الثقة داخلاً تحته.‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّه لا یستفاد من أخبار من بلغ استحباب نفس العمل، ولا ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 59
‏استحباب العمل فیما إذا أتی به بعنوان الرجاء والاحتیاط. وغایة ما یستفاد منها ‏‎ ‎‏ترتّب الثواب علی ما إذا أتی بعمل بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبیة، علی ما ‏‎ ‎‏یستفاد من قوله علیه السلام: ‏«فعمله التماس ذلک الثواب، أو طلب قول النبی‏ صلی الله علیه وآله وسلم». فلا ‏‎ ‎‏یترتّب الثواب علی ما إذا أتی بالعمل لغرض آخر، فتدبّر.‏‎[4]‎

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 60

  • . فوائد الاُصول 3: 412 ـ 414.
  • . قلت: نعم کما فی تهذیب الاُصول: لو کان أخبار الباب ناظرة إلی إلغاء الشرائط لکان للحکومة وجه صحیح لکنّه غیر تامّ(أ)، فتدبّر ثم إنّه لا یخفی: أنّ الإشکال الثانی الذی أورده فی التهذیب من عدم التنافی بین مفاد أخبار من بلغ وما دلّ علی حجّیة خبر الثقة(ب)، غیر وجیه؛ لأنّه لا یخفی أنّ بین اعتبار الوثاقة فی مطلق الخبر وبین اعتبار مطلق الخبر فی خصوص المستحبّات تنافٍ ظاهر، إلا أن یراد اعتبار الوثاقة فی خصوص الأخبار الدالّة علی الواجبات والمحرّمات، فلا تکون بینهما تناف. إلا أنّ المحقّق النائینی دفعه: بأنّ عمدة أدلّة اعتبار الشرائط فی الخبر لا تدلّ علی اعتبارها فی خصوص الواجبات والمحرّمات کما یظهر من الشیخ، بل یعمّ المستحبّات(ج) فیکون أخبار من بلغ مخصّصة لها بالنسبة إلی خصوص المستحبّات. [المقرّر قدس سره] أ ـ تهذیب الاُصول 3: 158. ب ـ نفس المصدر: 157. ج ـ فوائد الاُصول: 3: 414.
  • . کفایة الاُصول: 401.
  • . قلت: ما أوردناه هنا هو بعض الکلام فی أخبار من بلغ، وفیها بعض مباحث مفیدة لم یتعرّضها سماحة الاُستاذ، ولکن أوردناه فی الرسالة التی أفردناها فی أخبار من بلغ، ولعلّها ستطبع فی القریب العاجل. [المقرّر قدس سره]