ذکر و تعقیب
حاول بعض الأساطین قدس سره لتصحیح الاحتیاط فی العبادات بأوامر الاحتیاط، وحاصل ما أفاده هو أنّ الأمر بالاحتیاط تعلّق بذات العمل الذی یحتمل وجوبه، لا بالعمل بقید أنّه محتمل الوجوب. فیکون احتمال الوجوب حیثیة تعلیلیة، لا تقییدیة حتّی یکون قیداً فی المأمور به. فیصحّ إتیان العمل بقصد الأمر بالاحتیاط المتعلّق بذاته فینوی التقرّب به ویقصد امتثاله. ولذا حکی أنّ قدماء الأصحاب کانوا یفتون باستحباب نفس العمل فی الشبهات البدویة الحکمیة، من دون أن یقیّدوا إتیان العمل بداعی احتمال المطلوبیة. مع أنّه لو لم یتعلّق أمر الاحتیاط بخصوص نفس العمل بل بها بداعی احتمال الأمر، ما کان وجه لإطلاق الفتوی باستحباب العمل، بل کان اللازم تقیید الفتوی بإتیان العمل بداعی احتمال الأمر، کما علیه المتأخّرون.
أمّا الذی تفطّنا به فتفصیله یطلب من باب الترتّب ومسألة اجتماع الأمر والنهی وغیرهما. أمّا إجماله فهو أنّ الأحکام متعلّقة بالعناوین لا المعنونات الخارجیة؛ ضرورة أنّ الخارج ظرف سقوط التکلیف لا ظرف ثبوته والتعلّق. فلا یتعلّق التکلیف بالمصداق والمعنون أصلاً، ولا یعقل تجافی الحکم المتعلّق بعنوان عنه إلی عنوان آخر، ولو اتّحد العنوانان فی مصداق واحد خارجاً؛ ضرورة أنّ المأمور به هو متعلّق الهیئة؛ والمادّة التی تعلّقت بها هیئة البعث والزجر. فإذاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 39
الحکم المتعلّق بعنوان الاحتیاط أو الوفاء بالنذر أو الوفاء بالعقد مثلاً، لا یتجافی عنه إلی المعنون الآخر المتّحد معه خارجاً، وغایة ما هناک هی کون المصداق الخارجی مجمع العنوانین، کانطباق عناوین العالم والعادل والهاشمی علی شخص خارجی بجهات مختلفة.
فإذا تمهّد لک أنّ مرکز تعلّق الأحکام هو العناوین، وأنّه فی عالم العنوانیة یباین أحد العنوانین للآخر، ولا اجتماع لهما هنا و إن اجتمعا خارجاً، وعرفت أنّ الحکم المتعلّق بعنوان لا تتجافی عنه إلی العنوان الآخر المتّحد معه خارجاً، ولا یکون ذلک العنوان متعلّق ذاک الحکم ما لم یقع بذاته متعلّقاً بذاک الحکم أیضاً، ینقدح لک أنّ الأمر المتعلّق بالاحتیاط لا یکاد یتجاوز عن حریم عنوان الاحتیاط إلی عنوان المصداق المتّحد معه خارجاً. فلا تکون ذات الصلاة کما حکی عن القدماء، أو مع تقیّده باحتمال المحبوبیة کما عن المتأخّرین، مأموراً به، بل المأمور به هو متعلّق الهیئة؛ وهو نفس عنوان الاحتیاط لیس إلا. فلا تکون للصلاة بأحد الوجهین أمر حتّی یأتیها بداعیه.
وتوهّم: انحلال الأمر المتعلّق بعنوان الاحتیاط إلی ذلک، مدفوع: بأنّه لا معنی لانحلال الاحتیاط إلا إلی موارد الاحتیاط، لا إلی الصوم والصلاة والزکاة؛ لأنّ الانحلال عبارة عن تفصیل العنوان الإجمالی لا تفصیل شیء آخر.
وبذلک ینقدح أنّ مقتضی لزوم العقد هو لزوم الوفاء بنفس العقد، ومقتضی الوفاء بالنذر هو الوفاء بعنوان النذر، فلا تتجافی الحکم عنهما إلی الفعل المتّحد معهما خارجاً.
کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 40